عن الحرب 54
أخيرا علينا أن نميز بين ثلاث درجات وأنواع
رئيسية قد يتخذها الدفاع من حيث الشكل :
1- دفاع مباشر يستهدف منع العبور .
2- شكل أكثر لا مباشرية يلعب فيه النهر وودايه
كمجرد عناصر من أجل تطويرات تعبوية ملاءمة
3- دفاع مباشر مطلق ، يشتمل على احتلال موضع تصعب
مهاجته وعلى الجانب المعادى من النهر .
ولنفرض على سبيل المثال ، أن العدو سيحتاج
لأربع وعشرين ساعة لإنشاء الجسر ، فإن لم يستطع تأمين عبور ما يزيد على (20) ألف
جندى فى ذلك الوقت بوسائل أخرى ، وإن استطاع المدافع حشد مثل هذا العدد فى أية
نقطة خلال اثنى عشر ساعة أو حول ذلك ، فلن يمكن إنجاز عبور قسرى ، إذ ذاك ستكون
قوة (20) ألف رجل موجودة قبل أن يتسنى للعدو إكمال عبور نصف هذا العدد على عبارات
أو وسائل أخرى (غير الجسر )
ولحساب الوقت الذى يحتاجه إنجاز شئ كهذا ، فبوسع المرء أن يقطع مسافة عشرين
ميلا خلال ال (12) ساعة ، لذا سنحتاج إلى(20) ألف رجل لكل (40) ميلا ، أو (60) ألف
رجل للدفاع عن جبهة نهر بطول (120) ميلا .
وسيكفى إرسال (20) ألف رجل
إلى أية نقطة إذا ما حاول العدو العبور من نقطتين فى أن واحد ، وبضعف هذا العدد إن
لم يحاول . (!!)
العوامل الحاكمة الثلاث هى وكما يلى :
1- عرض النهر
2- وسائل العبور ، ونظرا لسيطرة هذين الاثنين على
الوقت الذى يستغرقه بناء الجسر ، وعدد الرجال الذين يمكن تعبيرهم أثناء بناء الجسر
.
3- قدرة القوة المدافعة لا علاقة لقوة المهاجم فى
هذه المرحلة . ستقود هذه النظرية إلى رأى مفاده أن هناك نقطة يغدو عندها العبور
مستحيل تماما ، وان ليس بوسع قوة متفوقة فعل ذلك مهما كان حجم تفوقها .
تلك هى النظرية الأساسية للدفاع المباشر عن
النهر – أى نعنى دفاعا يتوخى منع العدو من إنهاء إقامة الجسر ، ومن عبور النهر
بوسائل أخرى .
وكل
من يعرف مقدار الوقت المطلوب لتجميع وحدة ما ، سيدرك أن كون الوحدات قد اكملت
تحشدها سيؤمن أقصى الفائدة والفاعلية للدفاع .
يتوجب علينا وبالإضافة إلى المبادئ الرئيسية
لترتيب القوات ، أن نأخذ فى الحسبان :
1- الخصائص التى يتفرد بها النهر .
2- إزالة جميع وسائط العبور .
3- تـاثير القلاع على النهر .
فلو اعتبرنا النهر كخط دفاعى ، فلابد من نقاط
استناد على نهايته ، كالمحيط أو أراضى بلد محايد ، أو أية عناصر أو عوامل أخرى
تمنع العدو من العبور فوق أو أسفل القاطع المدافع عنه ، والوقت بعد كل شئ هو أكثر
ما يحتاجه المدافع على الأرجح .
بعض
العناصر التافهة وعديمة القيمة قد تغير الموقف كثيرا .
فما الذى يمكن الركون إليه ،
ما دام أحد المعايير الفعالة فى حالة ما سيكون خطأ مأساويا فى حالة أخرى ، لهذا
يتوجب علينا وعلى الدوام الحذر والتيقظ ضد خطر تطبيق طريقة مغلوطة ، أو أن تخطأ فى
قراءة الأحداث والحقائق
يجب
أن نضيف وبكل وضوح ، بأن من غير اللائق ولا المناسب لنا الالتفات إلى الضجيج الذى
يثيره أولئك الذين تدفعهم عواطفهم واندفاعاتهم الطائشة ،
وعقولهم الأكثر طيشا إلى
توقع وانتظار كل ما يخطر على بالهم من الهجوم والحركة ، والذين اختزلوا فكرتهم عن
الحرب إلى مجرد صورة فارس مغوار ينطلق شاهرا سيفه وسط الميدان .
الجيش
الذى تنفتح مؤخرته على نهر ، أو ينحشر فى واد عميق ، وبشكل يتحدد معه بخط انسحاب
واحد ، فهو فى أسوأ موقف يمكن أن يكون فيه للمعركة .
والمهم فى حالة مثل هذه إدامة مراقبة النهر أو الوادى والدفاع عنه بقوات
قليلة توزع على سلسلة من المواضع والمخافر ، بينما يحتل الجيش وهو موزع على عدة
فيالق فى نقاط ملائمة وعلى مسافة ما عن النهر – تكون عادة على مسيرة بضعة ساعات .
فما يريده المرء هو خوض القتال بكامل قوته وهى موحدة .
يكمن
الضعف هنا فى النقطة التى قد يخطأ فيها المدافع بسهولة ، وهى بنشر قطعاته باتساع
مبالغ فيه ، إذ من الطبيعى هنا وفى موقف كهذا أن يوزع المدافع قوته من نقطة عبور
إلى خرى ،
دون أن يعرف أين سيقف ، لكن ما لم يستطع جيش المدافع خوض القتال بكتلة
موحدة ، فمصير المشروع بكامله الفشل ، فمعركة خاسرة ، أو تراجع لا يمكن تجنبه ، أو
ارتباك وخسائر من كافة الأنواع قد توصل الجيش إلى حافة اندحار تام حتى لو لم يواصل
القتال إلى النهاية .
كل شئ
فى الحرب قد يحدث بطريقة مغلوطة ، ما لم ينفذ بدرجة كاملة من التنبه والحذر ،
وبشدة وبصدق وإخلاص عميقين .
0 التعليقات:
إرسال تعليق