عن الحرب 62
لقد جلب
التردد والارتباك البروسييان عام 1806 الكثير من وجهات النظر ولمشاريع التافهة
واللامجدية وغير العملية ، والتى امتزجت مع القليل من الأفكار السليمة والإحساس
بتفهم واسع لظروف وأهمية اللحظة ، ولو كانوا مدركين لموقفهم تماما ، لما تركوا
(30) ألف رجل فى بروسيا ، ولا خططوا لعمليات منفصلة فى (ويستفاليا) ، وما كانوا من
الناحية الأخرى ليركنوا ، ولا ليأملوا الكثير ، أو أية نتائج مهما كانت من حركات
تعرضية محدودة كتلك التى أنيطت بفيلقى (روشل) و(فيمار) . وما كانوا بالتأكيد
ليقضوا ساعاتهم الأخيرة فى مناقشة ما تتعرض له مستودعات التموين من تهديدات ، وإمكانية
خسارة قطاعات صغيرة من الأرض .
وسائل التعرض التى قد تمتزج معها :
1- عمل ضد خطوط مواصلات العدو ، يشتمل بطبيعة الحال
على عمليات ضد مستودعاته للتموين .
2- غارات وحركات تشتيت فى أراضى العدو .
3- هجمات على وحدات ومواقع العدو ، وحتى على قوته
الرئيسية عند توفر ظروف ملائمة أو مجرد التهديد بهجمات كهذه .
استخدم النوع الأول فى أعلاه باستمرار فى كل
هذا النوع من الحملات لكن بصمت ، فكل موضع دفاعى مؤثر مهم يحتله المدافع إنما
تتحدد قيمته إلى حد كبير من واقع إثارته لمخاوف المهاجم حول سلامة خطوط مواصلاته .
إذ
تحتل معضلة التموين أهمية بالغة فى هذا النوع من الحروب ، فالنمط الاستراتيجى
يتحدد بدرجة كبيرة بالقيمة التعرضية الكامنة فى مواضع العدو .
المفكرون غالبا ما يولون أهمية زائفة للعبة توازن القوى هذه ، لقد أسميناه
لعبة توازن القوى ، فندما يعم السكون على الكل أو يكون هذا الكل كون تحرك ، تنشأ
حالة من التوازن ، حيثما لا يكون هناك هدف كبير لتحريكه ، يظل هذا الكل ساكنا وعند
حدوث ذلك سيحاول كلا الطرفان ، وبغض النظر عن درجة لا تعادلهما ، المحافظة على
توازنهما .
نتذكر
بهذا الخصوص أن العقل المنطقى ليس هو الطاقة الفكرية الوحيدة للقائد ، فالشجاعة
والحيوية والعزم ، والحكمة وغيرها من الصفات التى تتمتع بثقل كبير عندما يكون أحد
القرارات الحاسمة على المحك .
فشن
الحرب بعد كل شئ ، ليس مجرد عمل منطقى ، كما أنه لا يبرر نشاطها الأساسى ، فهناك
شعور بأن كل عمل ناجح فى حملة ما ، إنما ينتج بفعل مهارة أحد أو كلا القائدين ،
وذلك أمر طبيعى ، وتكمن الأسس الرئيسية بالظروف المتحكمة والسائدة التى تخلقها
الحرب فى هذا النوع من المقامرة .
نظرا
لكون معظم الحروب بين الدول المتقدمة كانت على الأكثر مسألة مراقبة للعدو أكثر من
العمل على تدميره .
يلاحظ
أن القوات المقاتلة غالبا ما تحرف عن الطرق المهمة والمدن إلى أماكن بعيدة أو ليست
ذات أهمية بتاتا ، وحيثما تتحكم المصالح الصغيرة وذات الطابع الوقتى ، يتناقص
بالتالى التأثير الذى تمارسه العوارض الطبوغرافية على إدارة الحرب وتغدو أقل أهمية
، وقد تنحرف القوات المقاتلة إلى أماكن لا تحتل متطلبات الحرب فيها مكانة أولى ،
مما يؤدى إلى تعرض مسار الحرب إلى تحولات كبيرة وانعطافات فى تفاصيله ، وأكثر مما
فى الحروب التى تقود إلى قرارات حاسمة كبرى .
وعلى
القائد أن لا ينسى ذلك أبدا ، وعليه أن لا يتوقع التحرك ضمن مجالات ضيقة من الأمن
الخادع وكأنه شئ مطلق ، كما عليه ألا يسمح لنفسه بتصور أن ما يستخدمه من وسائل
إنما هى وسائل ضرورية بشكل مطلق ، وأنها الوسائل الوحيدة الممكنة ، وأن يصر على
استخدامها حتى مع خشيته وقلقه من فكرة احتمال عدم كفايتها .
لقد
ذكرنا توا خطأ فردريك الكبير فى حساباته عام 1759 فى (ماكسين) وعام 1760 فى (لانديشوت) عندما لم يتوقع اتخاذ
أعداءه لإجراءات حاسمة .
ما من
خطأ فى التدابير القياسية فى التاريخ كالذى حدث عام 1792م . إذ كان من المتوقع أن
قوة إضافية متوسطة الحجم ستكفى لإنهاء الحرب الأهلية ، إلا أن التأثير الهائل
للشعب الفرنسى بأجمعه ، وبعد تحرره من الأوهام السياسية ، كان مفاجأة مذهلة وساحقة
لنا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق