24‏/10‏/2016

عن الحرب 62

عن الحرب 62


وسائل التعرض التى قد تمتزج معها :
1-   عمل ضد خطوط مواصلات العدو ، يشتمل بطبيعة الحال على عمليات ضد مستودعاته للتموين .

2-   غارات وحركات تشتيت فى أراضى العدو .

3-   هجمات على وحدات ومواقع العدو ، وحتى على قوته الرئيسية عند توفر ظروف ملائمة أو مجرد التهديد بهجمات كهذه .

   استخدم النوع الأول فى أعلاه باستمرار فى كل هذا النوع من الحملات لكن بصمت ، فكل موضع دفاعى مؤثر مهم يحتله المدافع إنما تتحدد قيمته إلى حد كبير من واقع إثارته لمخاوف المهاجم حول سلامة خطوط مواصلاته .

   إذ تحتل معضلة التموين أهمية بالغة فى هذا النوع من الحروب ، فالنمط الاستراتيجى يتحدد بدرجة كبيرة بالقيمة التعرضية الكامنة فى مواضع العدو .

   المفكرون غالبا ما يولون أهمية زائفة للعبة توازن القوى هذه ، لقد أسميناه لعبة توازن القوى ، فندما يعم السكون على الكل أو يكون هذا الكل كون تحرك ، تنشأ حالة من التوازن ، حيثما لا يكون هناك هدف كبير لتحريكه ، يظل هذا الكل ساكنا وعند حدوث ذلك سيحاول كلا الطرفان ، وبغض النظر عن درجة لا تعادلهما ، المحافظة على توازنهما .

   نتذكر بهذا الخصوص أن العقل المنطقى ليس هو الطاقة الفكرية الوحيدة للقائد ، فالشجاعة والحيوية والعزم ، والحكمة وغيرها من الصفات التى تتمتع بثقل كبير عندما يكون أحد القرارات الحاسمة على المحك .

   فشن الحرب بعد كل شئ ، ليس مجرد عمل منطقى ، كما أنه لا يبرر نشاطها الأساسى ، فهناك شعور بأن كل عمل ناجح فى حملة ما ، إنما ينتج بفعل مهارة أحد أو كلا القائدين ، وذلك أمر طبيعى ، وتكمن الأسس الرئيسية بالظروف المتحكمة والسائدة التى تخلقها الحرب فى هذا النوع من المقامرة .

   نظرا لكون معظم الحروب بين الدول المتقدمة كانت على الأكثر مسألة مراقبة للعدو أكثر من العمل على تدميره .

   يلاحظ أن القوات المقاتلة غالبا ما تحرف عن الطرق المهمة والمدن إلى أماكن بعيدة أو ليست ذات أهمية بتاتا ، وحيثما تتحكم المصالح الصغيرة وذات الطابع الوقتى ، يتناقص بالتالى التأثير الذى تمارسه العوارض الطبوغرافية على إدارة الحرب وتغدو أقل أهمية ، وقد تنحرف القوات المقاتلة إلى أماكن لا تحتل متطلبات الحرب فيها مكانة أولى ، مما يؤدى إلى تعرض مسار الحرب إلى تحولات كبيرة وانعطافات فى تفاصيله ، وأكثر مما فى الحروب التى تقود إلى قرارات حاسمة كبرى .

   وعلى القائد أن لا ينسى ذلك أبدا ، وعليه أن لا يتوقع التحرك ضمن مجالات ضيقة من الأمن الخادع وكأنه شئ مطلق ، كما عليه ألا يسمح لنفسه بتصور أن ما يستخدمه من وسائل إنما هى وسائل ضرورية بشكل مطلق ، وأنها الوسائل الوحيدة الممكنة ، وأن يصر على استخدامها حتى مع خشيته وقلقه من فكرة احتمال عدم كفايتها .

   لقد ذكرنا توا خطأ فردريك الكبير فى حساباته عام 1759 فى (ماكسين) وعام  1760 فى (لانديشوت) عندما لم يتوقع اتخاذ أعداءه لإجراءات حاسمة .

   ما من خطأ فى التدابير القياسية فى التاريخ كالذى حدث عام 1792م . إذ كان من المتوقع أن قوة إضافية متوسطة الحجم ستكفى لإنهاء الحرب الأهلية ، إلا أن التأثير الهائل للشعب الفرنسى بأجمعه ، وبعد تحرره من الأوهام السياسية ، كان مفاجأة مذهلة وساحقة لنا .

   لقد جلب التردد والارتباك البروسييان عام 1806 الكثير من وجهات النظر ولمشاريع التافهة واللامجدية وغير العملية ، والتى امتزجت مع القليل من الأفكار السليمة والإحساس بتفهم واسع لظروف وأهمية اللحظة ، ولو كانوا مدركين لموقفهم تماما ، لما تركوا (30) ألف رجل فى بروسيا ، ولا خططوا لعمليات منفصلة فى (ويستفاليا) ، وما كانوا من الناحية الأخرى ليركنوا ، ولا ليأملوا الكثير ، أو أية نتائج مهما كانت من حركات تعرضية محدودة كتلك التى أنيطت بفيلقى (روشل) و(فيمار) . وما كانوا بالتأكيد ليقضوا ساعاتهم الأخيرة فى مناقشة ما تتعرض له مستودعات التموين من تهديدات ، وإمكانية خسارة قطاعات صغيرة من الأرض .      

0 التعليقات: