15‏/10‏/2016

عن الحرب 23

عن الحرب 23




الدهاء والمكر

   يقترب كثير من الخديعة التى تخفى هى أيضا غايتها ، والدهاء بذاته شكل من أشكال الخداع ، عندما يتم كلية ، ولو أنه ليس خداعا بالمفهوم العادى للكلمة ، نظرا لعدم وجود خرق للاستقامة فى النهاية .

   ونظرنا إلى الاستراتيجية كفن الاستثمار الماهر للقوة لأجل أهداف أكبر، فما من ميزة بشرية تبدو مناسبة لمهمة توجيه الاستراتيجية والتأثير فيها كميزة الدهاء ، والمتابعة العامة للمباغتة .

   لتهيئة وإعداد عمل خادع وبدقة كافية لاقناع العدو ، لابد من بذل الكثير من الوقت والجهد ، ويتصاعد الثمن فى اتساع نطاق المخادعة ، يتطلب ذلك عادة أكثر مما يمكن توفيره ، لذا فإن ما يدعى بالخدعة الاستراتيجية نادرا ما حقق بالتالى التأثير المرغوب ، فى الحقيقة من الخطر استخدام قوات كبيرة ولأى قدر من الوقت لمجرد خلق وهم ، 

وهناك خطر ماثل على الدوام ، بعدم تحقيق أى شئ وأن القطعات التى انفتحت لن تكون متيسرة حين تدعو الحاجة إليها .

   القادة فى الحرب منتبهون على الدوام لهذه الحقائق الخطيرة ، وكلما كانت القوات الموضوعة تحت تصرف القائد الأعلى أكثر ضعفا ، كلما بات استخدام الدهاء والكر أكثر جاذبية ، ففى موقف أو حالة يسود فيها الضعف ونقص القدرة والكفاية ، وعندما لا تعود الحكمة والتبصر والقدرة على الحكم والقابلية تكفى لمواجهة ذلك ، قد يبدو الدهاء ساعتها وكأنه الأمل الوحيد 

وكلما كان الموقف أكثر كآبة وتحرجا ، ساعة حشد وتركيز كل الموارد فى محاولة يائسة واحدة ، كلما شكل الدهاء قوة محفزة للإقدام . 

 فالإقدام والدهاء حريين بدعم أحدهما للآخر وإلى حد العمل على تركيز البصيص الخافت للأمل فى ومضة واحدة من النار التى قد توقد لهيبا .


حشد القوات فى المكان

   الاستراتيجية الأفضل هى أن نكون أقوياء جدا ودائما ، وما من قانون أعلى وأبسط فى الاستراتيجية من ذلك الذى يؤكد على الاحتفاظ بالقوة محتشدة .

   يجب تجنب هذه الحماقة كليا ، وأن يتوقف طرح وتقديم العديد من الأسباب اللامعقولة لتجزأة القوة ، حالما يدرك ( القائد ) أن حشد القوة هو القاعدة والأصل ، وأن كل تجزأة أو عزل لها هو استثناء لا بد أن له ما يبرره .

اتحاد القوات فى الوقت

   الحرب هى تصادم قوات متنازعة ، أما عندما تتألف من تفاعل طويل بين قوات تتبادل التدمير ، فسيغدو من السهل ملاحظة الاستخدام الناجح للقوة ، فمن المسلم به أن الألف سيكونون أكثر التصاقا مع بعضهم البعض .

   لقد بات واضحا كيف أن نشر( انفتاح ) قوة كبيرة جدا قد يكون ضارا بغض التظر عن الميزة التى يؤمنها التفوق فى اللحظة الأولى للاشتباك ، فقد تدفع ثمن ذلك فى اللحظة التالية .

   ومع ذلك فالخطر قائم ولكن فقط فى مرحلة الارتباك ، وظروف التشوش والضعف – والخلاصة ، الأزمات التى تحدث فى كل اشتباك ، وحتى فى الجانب المنتصر ، وما من شك فى أن ظهور قوات جديدة ومنعشة نسبيا وسط حالة الوهن هذه سيكون حاسما .

   ولكن ومن الناحية الأخرى ، وحال زوال الفوضى وتأثيرات الفوز ، لا يتبقى سوى التفوق المعنوى الذى يبثه النصر فى النفوس ، فلن يعود بوسع قطعات جديدة ( منتعشة ) انقاذ الموقف بعد – بل ستكتسح هى الأخرى .


 ليس بوسع جيش مندحر استعادة ما فقده فى اليوم التالى ، وبمجرد حصوله على احتياطات قوية ، نصل هنا إلى أصل الاختلاف الحاسم بين الاستراتيجية والتعبية .

   النجاحات التعبوية التى تتحقق من خلال وأثناء الاشتباكات تقع عادة خلال مرحلة التشوش والضعف ، ما يترتب على هذا الاختلاف هو القدرة على استخدام القوة بالتعاقب فى المجال التعبوى ، بينما لا تعرف الاستراتيجية إلا التزامن فى استخدام القوة .

   إن لم يؤدى النجاح الأولى فى موقف تعبوى إلى نصر حاسم ، حق لنا أن نخاف من اللحظة التالية .

    علينا بعد ذلك أن نستخدم القدر الضرورى جدا من القوة فى الصفحة الأولى ، والاحتفاظ بالباقى خارج مدى النيران وبعيدا عن مناطق الاشتباك القريب ، كى يتسنى لنا مجابهة احتياطات العدو بقوات نشيطة مما لدينا ، أو استخدام هذه القوة لتدمير قواته المنهكة . 

   يشكل الاعياء والجهد والحرمان ، عامل تدمير منفصل فى الحرب – عامل لا يعود أساسا للقتال .
    ولذلك فظهور قوات جديدة سيكون حاسما ، لذلك يتوجب علينا فى المواقف الاستراتيجية والتعبوية أن نسعى بدأب لتحقيق نصر أولى بأقل عدد من القطعات ، ليتسنى لنا الاحتفاظ باحتياط قوى للقتال النهائى ، وما يكتسب بالتجربة يعامل كربح صاف .

   ركزت كل الأفكار والتأملات على الاستخدام المتتالى للقوة ، وبينما تتسبب مجرد " مدة duration " الاشتباك فى اضعاف القطعات لذا يصبح الوقت عاملا مؤثرا فى النتائج ، إلا أن الأمر ليس كذلك فى الاستراتيجية .   

 وإلى الحد الذى يمارس فيه الوقت فى الاستراتيجة تأثيرا مدمرا على القوات المشاركة ، وهذا متآت جزئيا من حجم القوات ، من جهة ، وبطرق ووسائل أخرى فى أجزاء أخرى ، لذا لا يمكن أن يتوخى الاستراتيجى التحالف مع الوقت لأغراضه هو ، وذلك بأن يزج بقواته تدريجيا وخطوة فخطوة .

   القاعدة ، إذا : ينبغى تطوير كل القوات المعدة والمتيسرة للغرض الاستراتيجى استخداما متزامنا ، وسيكون استخدامها أكثر تأثيرا وفاعلية ، كلما أمكن حشد كل شئ فى عمل واحد ، وفى لحظة واحدة .


لا يعنى هذا أن لا مكان للجهد المتتابع ، والتأثير الدائم ، فى الاستراتيجية ، بل حتى لا يمكن تجاهلهما ، الحتياط الاستراتيجى . 

0 التعليقات: