عن الحرب 20
الكتاب الثالث
عن
الاستراتيجية عموما
الاستراتيجية هى استخدام الاشتباك من أجل هدف الحرب ، نظرا لأن معظم تلك
الأمور يجب أن تستند على افتراضات قد لا تتأكد صحتها ، بينما يصعب القرار مقدما
على أوامر أخرى أكثر تفصيلا نهائيا ، الأمر الذى لا يفرض ذهاب الاستراتيجى فى
الحملات بنفسه ، إذ يسهل عندها إصدار الأوامر المفصلة فى الساحة ، كما سيسمح
ساعتها بتعديل الخطة العامة وفقا للتحولات المستمرة ، والخلاصة لابد أن يفرض
الاستراتيجى سيطرة شاملة .
ليس
ذلك هو الموقف المقبول دائما ، وعلى الأقل بقدر تعلق الأمر بالمبادئ العامة ، إذ
أن المعتاد أن تصاغ وتعدل الاستراتيجية فى العاصمة وليس فى الميدان ، لذلك تعالج
نظرية الاستراتيجية التخطيط .
ما
الذى تتوخى الحرب انجازه ، وما الذى بوسعها انجازه ؟ المضى فى تنفيذ ذلك بثبات
يتطلب قدر كبير من قوة الشخصية ، وكذلك الكثير من الوضوح الفكرى ، ومتانة العقل .
صنع
واتخاذ القرار الاستراتيجى المهم يتطلب من العزم وقوة الإرادة أكثر مما يحتاجه
القرار التعبوى ، ولمضاعفة حجم تلك القوة الصغيرة بتنقلات سريعة .
جهاز
المساحة الاسطرلاب أفلا يصيب الجنرالات والقادة الأعلون الحزن لما يعانيه الجيش من
آلام وجوع وعطش ، وكلهم من رفاق السلاح ؟ وهل بوسع الرجل العادى طلب مثل كل تلك
التضحيات ثم ألا يثبط كل ذلك معنويات القطعات تلقائيا ، وتفسد روح الضبط ، وبكلمة
موجزة تفتت روح القتال فى القطعات مالم يتوفر لديها اعتقاد راسخ بصواب وعظمة
القائد .
لقطع
خطوط انسحاب العدو ، لو احتل جيشنا منطقة غير محمية من أراضى العدو ، فنحرمه
بالتالى من حصوله على المزيد من القوة والتعزيزات ، والعامل الذى سيمكن قواتنا من
الاحتفاظ بتلك المنطقة هو الاشتباك الذى على العدو توقع حدوثه لو فكر أو حاول
استعادتها .
تدمير
قوات العدو والتفوق على ما لديه من قوة أمران لا يمكن انجازهما إلا كنتيجة
للاشتباك ، بغض النظر عما إذا وقع ذلك الاشتباك أو كمجرد احتمال لم يقبله العدو .
قد
يشكل احتلال أو السيطرة على المناطق ، والمدن ، والحصون والطرق والجسور ومستودعات
العتاد وغيرها هدفا آنيا للاشتباك ، إلا أنها لا يمكن أن تكون هدفا نهائيا .
ينبغى
اعتبار مكتسبات كهذه ودائما كمجرد وسائل لتحقيق تفوق أكبر ، حتى يغدو بوسعنا فرض
القتال على العدو وهو فى حالة لا تساعده على قبول ذلك ، ينبغى اعتبار تلك الأعمال
حلقات وسطية ، كخطوات تقود إلى المبدأ الفعال ، إلا أنها لن تكون المبدأ الفعال
ذاته .
يمكن أن
نصنف عناصر الاستراتيجية التى تؤثر فى استخدام الاشتباكات بعدة أنواع ، معنوية
ومادية ، ورياضية ، وجغرافية واحصائية .
تشمل
المجموعة الأولى كل ما ينتج عن الصفات والتأثيرات العقلية والنفسية ، وتتآلف
الثانية من حجم القوات المسلحة ، تأليفها ، وتسليحها وما شاكل ذلك أما الثالثة
فتشمل خطوط وزوايا العمليات ، والتنقلات المتقاربة والمتباعدة وحيثما تدخلت
الهندسة فى حساباتها ، أما الرابعة فتتضمن تأثير الأرض ، كمواقع القيادة ، والجبال
، والأنهار والغابات ، والطرق ، وأخيرا فإن المجموعة الخامسة تتعلق بالسناد
والإدامة .
من
الخطأ الفادح أن نحاول تطوير فهمنا للاستراتيجية بتحليل تلك العوامل كل على حدة
وبمعزل عن الأخريات ، طالما أنها تتداخل عادة فى كل عمل عسكرى بطرق متعددة وبالغة
التعقيد .
عند
صياغة أية قاعدة تخص العوامل المادية ، على المفكر أن يضع فى حسابه الجزء الذى قد
تلعبه العوامل المعنوية فيه .
لذلك بوسع المرء القول أن العوامل المادية تبدو أكثر قليلا من المقبض
الخشبى للسيف ، بينما تشكل العوامل المعنوية المعدن النفيس والسلاح الحقيقى ،
والنصل الذى أحسن شحذه .
يقدم
التاريخ أقوى البراهين على أهمية العوامل المعنوية ، والتى غالبا ما يكون تأثيرها
غير معقول ولا يصدق ؟ وهذا أنبل وأقوى ما يستفيده عقل القائد أو يستخلصه من دراسة
الماضى ، وتأكيدا ، ينبغى ملاحظة أن بذور الحكمة التى ستنتج ثمارها فى العقل ، لم
يبذر بالدراسات النقدية والكتب التعليمية إلا القليل منها ، أما معظمها فيفعل
البصيرة والحدس والمعرفة الواسعة ولمحات الابداع .
0 التعليقات:
إرسال تعليق