15‏/10‏/2016

عن الحرب 20

عن الحرب 20





 الكتاب الثالث
عن

الاستراتيجية عموما



   الاستراتيجية هى استخدام الاشتباك من أجل هدف الحرب ، نظرا لأن معظم تلك الأمور يجب أن تستند على افتراضات قد لا تتأكد صحتها ، بينما يصعب القرار مقدما على أوامر أخرى أكثر تفصيلا نهائيا ، الأمر الذى لا يفرض ذهاب الاستراتيجى فى الحملات بنفسه ، إذ يسهل عندها إصدار الأوامر المفصلة فى الساحة ، كما سيسمح ساعتها بتعديل الخطة العامة وفقا للتحولات المستمرة ، والخلاصة لابد أن يفرض الاستراتيجى سيطرة شاملة .


   ليس ذلك هو الموقف المقبول دائما ، وعلى الأقل بقدر تعلق الأمر بالمبادئ العامة ، إذ أن المعتاد أن تصاغ وتعدل الاستراتيجية فى العاصمة وليس فى الميدان ، لذلك تعالج نظرية الاستراتيجية التخطيط .

   ما الذى تتوخى الحرب انجازه ، وما الذى بوسعها انجازه ؟ المضى فى تنفيذ ذلك بثبات يتطلب قدر كبير من قوة الشخصية ، وكذلك الكثير من الوضوح الفكرى ، ومتانة العقل .

   صنع واتخاذ القرار الاستراتيجى المهم يتطلب من العزم وقوة الإرادة أكثر مما يحتاجه القرار التعبوى ، ولمضاعفة حجم تلك القوة الصغيرة بتنقلات سريعة .

   جهاز المساحة الاسطرلاب أفلا يصيب الجنرالات والقادة الأعلون الحزن لما يعانيه الجيش من آلام وجوع وعطش ، وكلهم من رفاق السلاح ؟ وهل بوسع الرجل العادى طلب مثل كل تلك التضحيات ثم ألا يثبط كل ذلك معنويات القطعات تلقائيا ، وتفسد روح الضبط ، وبكلمة موجزة تفتت روح القتال فى القطعات مالم يتوفر لديها اعتقاد راسخ بصواب وعظمة القائد .

   لقطع خطوط انسحاب العدو ، لو احتل جيشنا منطقة غير محمية من أراضى العدو ، فنحرمه بالتالى من حصوله على المزيد من القوة والتعزيزات ، والعامل الذى سيمكن قواتنا من الاحتفاظ بتلك المنطقة هو الاشتباك الذى على العدو توقع حدوثه لو فكر أو حاول استعادتها .

   تدمير قوات العدو والتفوق على ما لديه من قوة أمران لا يمكن انجازهما إلا كنتيجة للاشتباك ، بغض النظر عما إذا وقع ذلك الاشتباك أو كمجرد احتمال لم يقبله العدو .

   قد يشكل احتلال أو السيطرة على المناطق ، والمدن ، والحصون والطرق والجسور ومستودعات العتاد وغيرها هدفا آنيا للاشتباك ، إلا أنها لا يمكن أن تكون هدفا نهائيا .    
       
   ينبغى اعتبار مكتسبات كهذه ودائما كمجرد وسائل لتحقيق تفوق أكبر ، حتى يغدو بوسعنا فرض القتال على العدو وهو فى حالة لا تساعده على قبول ذلك ، ينبغى اعتبار تلك الأعمال حلقات وسطية ، كخطوات تقود إلى المبدأ الفعال ، إلا أنها لن تكون المبدأ الفعال ذاته .

   يمكن أن نصنف عناصر الاستراتيجية التى تؤثر فى استخدام الاشتباكات بعدة أنواع ، معنوية ومادية ، ورياضية ، وجغرافية واحصائية .

   تشمل المجموعة الأولى كل ما ينتج عن الصفات والتأثيرات العقلية والنفسية ، وتتآلف الثانية من حجم القوات المسلحة ، تأليفها ، وتسليحها وما شاكل ذلك أما الثالثة فتشمل خطوط وزوايا العمليات ، والتنقلات المتقاربة والمتباعدة وحيثما تدخلت الهندسة فى حساباتها ، أما الرابعة فتتضمن تأثير الأرض ، كمواقع القيادة ، والجبال ، والأنهار والغابات ، والطرق ، وأخيرا فإن المجموعة الخامسة تتعلق بالسناد والإدامة .

   من الخطأ الفادح أن نحاول تطوير فهمنا للاستراتيجية بتحليل تلك العوامل كل على حدة وبمعزل عن الأخريات ، طالما أنها تتداخل عادة فى كل عمل عسكرى بطرق متعددة وبالغة التعقيد .
   عند صياغة أية قاعدة تخص العوامل المادية ، على المفكر أن يضع فى حسابه الجزء الذى قد تلعبه العوامل المعنوية فيه .   

      لذلك بوسع المرء القول أن العوامل المادية تبدو أكثر قليلا من المقبض الخشبى للسيف ، بينما تشكل العوامل المعنوية المعدن النفيس والسلاح الحقيقى ، والنصل الذى أحسن شحذه .

   يقدم التاريخ أقوى البراهين على أهمية العوامل المعنوية ، والتى غالبا ما يكون تأثيرها غير معقول ولا يصدق ؟ وهذا أنبل وأقوى ما يستفيده عقل القائد أو يستخلصه من دراسة الماضى ، وتأكيدا ، ينبغى ملاحظة أن بذور الحكمة التى ستنتج ثمارها فى العقل ، لم يبذر بالدراسات النقدية والكتب التعليمية إلا القليل منها ، أما معظمها فيفعل البصيرة والحدس والمعرفة الواسعة ولمحات الابداع . 

0 التعليقات: