عن الحرب 46
الكتاب السادس
الدفاع
ما هو مفهوم الدفاع ؟ إنه تفادى الضربة . فما
سماته المميزة ؟ إنها انتظار الضربة . وهى السمة التى تحول أى عمل إلى دفاع ، وهى
الاختبار الوحيد الذى يمكن بواسطته التمييز بين الدفاع والهجوم فى الحرب .
2- مزايا الدفاع
ما
هدف الدفاع ؟ المحافظة ، فالاحتفاظ بالأرض أسهل من أخذها ، ثم إن الدفاع أيسر من
الهجوم ، على افتراض تساوى الطرفين بالوسائل ،
فما هو بالضبط الشئ الذى يجعل
المحافظة والحماية أسهل كثيرا ؟ إنها حقيقة كون الوقت الذى يمر دون استخدام ، إنما
يتراكم لمصلحة المدافع .
يعد كل اشتباك ، صغيرا كان أم كبيرا ، دفاعيا
إذا تخيلينا عن المبادأة إلى الخصم منتظرين ظهوره أمام مواضعنا . ومنذ تلك اللحظة
وما بعده بوسعنا استخدام كل الوسائل والقدرات التعرضية دون تفقد مزايا الدفاع – أى
ميزتا الانتظار والموضع.
إلا
أن للدفاع هدف سلبى هو، المحافظة ، أما هدف الهجوم فايجابى ، الاحتلال . الشكل
الدفاعى للحرب أقوى فعلامن الهجوم ، وهذا هو الأمر الذى نحاول اثباته .
إذا
كان الدفاع هو الشكل الأقوى للحرب ، ومع ذلك فما زال هدفه سلبى ، لذلك ينبغى
اللجوء إلى الدفاع بالقدر الذى يحتمه علينا الضعف ،
وأن نتخلى عنه حالما نغدو
أقوياء بما يكفى لمتابعة هدف ايجابى .
عندما يستخدم طرف ما الاجراءات الدفاعية
بنجاح تنشأ عادة حالة ملائمة من توازن القوى ، وهكذا يتحدد المسار الطبيعى للحرب ،
بان تبدأ دفاعيا وتنتهى تعرضيا .
من
السهل على المهاجم تطويق القوة المعادية بكاملها وعزلها تماما وليس الأمر بهذه
السهولة للمدافع ، لأن هذا الأخير مقيد بموضعه ،
عارضا على المهاجم بذلك هدفا
واضحا
من السهل على المدافع خلال الاشتباك مهاجمة أى جزء من قوة الخصم هجوما
مركزا لأن المدافع وكما قلنا للتو ، بوضع أفضل لضمان المباغتة بالقوة والاتجاه على
خصمه المهاجم .
مما
لاشك فيه أن المدافع يعد المستفيد الأساسى من الأرض ، وتفوق المدافع فى تحقيق
المباغتة اعتمادا على مزايا قوة واتجاه هجومه ،
ناجم من حقيقة وحتمية تقرب الهجوم
من طرق وممرات يسهل رصدها ، أما موضع المدافع المخفى فهو ومن الناحية الأخرى مما
لايمكن رؤيته من الخصم حتى تحين اللحظة الحاسمة .
ومنذ
تطبيق الأساليب الدفاعية الصحيحة بات الاستطلاع عديم الجدوى – أو أصبح مستحيلا
بالأحرى .
المدافع
وكما هو واضح فى موضع مخفلى اختاره بنفسه لينأى عن أية مفاجأة أكثر مما يسع
المهاجم فعل ذلك .
لو
استعرضنا تطور الحرب الحديثة ، فسنجد ومنذ البداية – فى حرب الثلاثين سنة (1618-
48) وحرب الوراثة الأسبانية (1701- 14) – يوم كان انفتاح الجيش وترتيب مواضعه
يعدان من بين عناصر المعركة والجزء المهم جدا من خطة العملية .
وكل هذا كان يعمل
بطبيعة الحال لصالح المدافع لانفتاح وترتيب قطعاته فى مواضعها منذ البداية ، لكن
ومع تزايد قدرة القطعات على المناورة ضاعت تلك الفوائد ، وأصبحت اليد العليا ولبعض
الوقت للمهاجم ، وأصبح المدافع اليوم يبحث عن الحماية خلف الأنهارأو الوديان
العميقة ، أو فى الجبال ، فاستعاد بذلك الفوائد المتميزة التى كانت له ودام ذلك
حتى تفوق على المهاجم من جديد فى قابلية الحركة وبات ماهرا بدرجة مكنته من التوغل
فى الأراضى الوعرة والهجوم بأرتال منفصلة ، ممكا يمكنه من إحاطة عدوه .
وقاد كل
ذلك إلى امتداد كبير فى خط المعركة حتى اهتدى المهاجم التركيز والتحشد فى عدد
محدود من النقاط ، ومن ثم اختراق المواضع المعادية الهشة (العديمة العمق والواهنة)
، فاستعاد الهجوم بذلك اليد العليا للمرة الثالثة وبات على المدافع مرة أخرى أن
يغير طريقته وأساليبه .
وذلك هو ماحدث فى
الحروب الحديثة ، وأصبح التركيز على إبقاء القوات محتشدة بحجوم كبيرة ، معظمها
ليست منفتحة ، وفى مواضع مخفية حيثما أمكن ذلك ، والغاية من ذلك هى وببساطة التهيؤ
لمعالجة الهجوم حال اتضاح نواياه .
0 التعليقات:
إرسال تعليق