23‏/10‏/2016

عن الحرب 46

عن الحرب 46

الكتاب السادس

الدفاع

   ما هو مفهوم الدفاع ؟ إنه تفادى الضربة . فما سماته المميزة ؟ إنها انتظار الضربة . وهى السمة التى تحول أى عمل إلى دفاع ، وهى الاختبار الوحيد الذى يمكن بواسطته التمييز بين الدفاع والهجوم فى الحرب .

2-  مزايا الدفاع

   ما هدف الدفاع ؟ المحافظة ، فالاحتفاظ بالأرض أسهل من أخذها ، ثم إن الدفاع أيسر من الهجوم ، على افتراض تساوى الطرفين بالوسائل ،

 فما هو بالضبط الشئ الذى يجعل المحافظة والحماية أسهل كثيرا ؟ إنها حقيقة كون الوقت الذى يمر دون استخدام ، إنما يتراكم لمصلحة المدافع .

   يعد كل اشتباك ، صغيرا كان أم كبيرا ، دفاعيا إذا تخيلينا عن المبادأة إلى الخصم منتظرين ظهوره أمام مواضعنا . ومنذ تلك اللحظة وما بعده بوسعنا استخدام كل الوسائل والقدرات التعرضية دون تفقد مزايا الدفاع – أى ميزتا الانتظار والموضع.

   إلا أن للدفاع هدف سلبى هو، المحافظة ، أما هدف الهجوم فايجابى ، الاحتلال . الشكل الدفاعى للحرب أقوى فعلامن الهجوم ، وهذا هو الأمر الذى نحاول اثباته .

   إذا كان الدفاع هو الشكل الأقوى للحرب ، ومع ذلك فما زال هدفه سلبى ، لذلك ينبغى اللجوء إلى الدفاع بالقدر الذى يحتمه علينا الضعف ، 

وأن نتخلى عنه حالما نغدو أقوياء بما يكفى لمتابعة هدف ايجابى . 

عندما يستخدم طرف ما الاجراءات الدفاعية بنجاح تنشأ عادة حالة ملائمة من توازن القوى ، وهكذا يتحدد المسار الطبيعى للحرب ، بان تبدأ دفاعيا وتنتهى تعرضيا .

   من السهل على المهاجم تطويق القوة المعادية بكاملها وعزلها تماما وليس الأمر بهذه السهولة للمدافع ، لأن هذا الأخير مقيد بموضعه ، 
عارضا على المهاجم بذلك هدفا واضحا                                                                     
 من السهل على المدافع خلال الاشتباك مهاجمة أى جزء من قوة الخصم هجوما مركزا لأن المدافع وكما قلنا للتو ، بوضع أفضل لضمان المباغتة بالقوة والاتجاه على خصمه المهاجم .

   مما لاشك فيه أن المدافع يعد المستفيد الأساسى من الأرض ، وتفوق المدافع فى تحقيق المباغتة اعتمادا على مزايا قوة واتجاه هجومه ،
 ناجم من حقيقة وحتمية تقرب الهجوم من طرق وممرات يسهل رصدها ، أما موضع المدافع المخفى فهو ومن الناحية الأخرى مما لايمكن رؤيته من الخصم حتى تحين اللحظة الحاسمة .

   ومنذ تطبيق الأساليب الدفاعية الصحيحة بات الاستطلاع عديم الجدوى – أو أصبح مستحيلا بالأحرى .     

 المدافع وكما هو واضح فى موضع مخفلى اختاره بنفسه لينأى عن أية مفاجأة أكثر مما يسع المهاجم فعل ذلك .

   لو استعرضنا تطور الحرب الحديثة ، فسنجد ومنذ البداية – فى حرب الثلاثين سنة (1618- 48) وحرب الوراثة الأسبانية (1701- 14) – يوم كان انفتاح الجيش وترتيب مواضعه يعدان من بين عناصر المعركة والجزء المهم جدا من خطة العملية . 

وكل هذا كان يعمل بطبيعة الحال لصالح المدافع لانفتاح وترتيب قطعاته فى مواضعها منذ البداية ، لكن ومع تزايد قدرة القطعات على المناورة ضاعت تلك الفوائد ، وأصبحت اليد العليا ولبعض الوقت للمهاجم ، وأصبح المدافع اليوم يبحث عن الحماية خلف الأنهارأو الوديان العميقة ، أو فى الجبال ، فاستعاد بذلك الفوائد المتميزة التى كانت له ودام ذلك حتى تفوق على المهاجم من جديد فى قابلية الحركة وبات ماهرا بدرجة مكنته من التوغل فى الأراضى الوعرة والهجوم بأرتال منفصلة ، ممكا يمكنه من إحاطة عدوه .

 وقاد كل ذلك إلى امتداد كبير فى خط المعركة حتى اهتدى المهاجم التركيز والتحشد فى عدد محدود من النقاط ، ومن ثم اختراق المواضع المعادية الهشة (العديمة العمق والواهنة) ، فاستعاد الهجوم بذلك اليد العليا للمرة الثالثة وبات على المدافع مرة أخرى أن يغير طريقته وأساليبه .  

وذلك هو ماحدث فى الحروب الحديثة ، وأصبح التركيز على إبقاء القوات محتشدة بحجوم كبيرة ، معظمها ليست منفتحة ، وفى مواضع مخفية حيثما أمكن ذلك ، والغاية من ذلك هى وببساطة التهيؤ لمعالجة الهجوم حال اتضاح نواياه .

0 التعليقات: