18‏/10‏/2016

عن الحرب 31

عن الحرب 31


من دون مطاردة فلن يكون الانتصار مجديا وفعالا ، تبدأ مطاردة عدو مهزوم فى اللحظة التى يتوقف فيها عن القتال ويبدأ بالتخلى عن مواضعه .

   يبدأ الطرفان المعركة وهما فى حالة إعياء بدنى ، نظرا لأن التنقلات التى تسبق الاشتباك عادة من نوع شاق للغاية . كما أن الصراع الطويل فى ساحة المعركة يتطلب الكثير من الجهد الذى يكمل حالة الاجهاد التام ، بل وأكثر من ذلك سيكون المنتصر فى حالة من الفوضى والارتباك مماثلة لما عليه المندحر ، وسيرغب عندها بالتوقف لاستعادة النظام . وجمع الذين ظلوا الطريق أو أماكنهم ، وسد نقص العتاد ستخلق تلك الظروف للمنتصر مرحلة حرجة كالتى ذكرناها توا .   

  فإن كانت القوات المندحرة هى مجرد جزء قليل من قوات العدو الذى ما زال لديه وحدات أخرى يمكن الاعتماد عليها ، أو انتظا وصول نجدات قوية ، فقد يتعرض المنتصر بسهولة لخسارة كل ما حققه فى أية لحظة . وستوقف هذه الاعتبارات المطاردة ، أو تحصرها على الأقل على أضيق ما يمكن .

   كما أن حرية القائد فى العمل ستتعرض هى الأخرى وعند هذه النقطة إلى الكثير من التقييد والشل – كل ثقل الضعف والاحتياجات البشرية . فكل آلاف الرجال الذين تحت قيادته بحاجة إلى الطعام والراحة ، لا يطعمون بأكثر من ساعات قليلة من التحرر من الإجهاد والأخطار ، وليس هناك سوى القليل جدا من الرجال – وهم الاستثناء – القادرين بعد على التفكير والاحساس بما بعد اللحظات الحالية .  

 وتلك القلة فقط هى التى أنجزت المهمات الملحة الطارئة ، إذ ما زالت محتفظة بما يكفى من القدرة والتصور العقليين للتفكير فى الحصول على المزيد من المكاسب .

   إن أصوات آلاف الآخرين مع ذلك ، هو ما يسمع فى مقر القائد العام مرورا بسلسلة من كبار الضباط الذين يمثلون تلك الاحتياجات البشرية ضاغطين على عواطف القائد ، الذى تكون حيويته وطاقاته هو الآخر قد ضعفت بفعل هذين الجهدين العقلى والمادى ، وهكذا فما سيحدث ولأسباب انسانية صرفة ، هو أن ما ستحقق فعلا أقل كثيرا مما كان يمكن الحصول عليه .

 وكل ما سيتم إنجازه إنما يعتمد على طموح وحيوية وطاقات ، ولربما كذلك على صلابة القائد الأعلى .

   المطاردة الفورية ، نخص به المطاردة اتى تجرى فى نفس يوم النصر ، وكحد أقصى الليلة التالية .   

    هناك عدة أنواع وبدرجات مختلفة للمطاردة :


      الأول : المطاردة بالخيالة وحدها ، وتشن هذه لإبقاء العدو تحت الرقابة والرصد فى حالة من الإنذار والتأهب أكثر مما لتوجيه ضغط جدى ، نظرا لسهولة إرباك وعرقلة الخيالة بأسهل مانع طبيعى . قد تكون الخيالة فعالة ضد وحدات معزولة انهارت معنوياتها وكذلك القطعات الضعيفة ، أما إن واجهت القوات المعادية الرئيسة فلن تزيد عندها عن سلاح ثانوى . بوسع احتياطات العدو المنتعشة نغطية انسحاب العدو ، ويمكن كذلك وعند أول مانع طبيعى حتى وإن كان صغيرا ، تجميع لقوات المنسحبة والصمود بشكل مؤثر . ويستثنى من ذلك الجيش المهزوم فعلا وفى حالة فرار والذى أوشك على التمزق نهائيا .

       الثانى : تنفذ الدرجة الثانية من المطاردة بمقدمة قوية ( مجحفلة ) من جميع الصفوف وتضم بطبعة الحال معظم الخيالة . تضغط مطاردة من هذا النوع على العدو حتى وصوله مكانا تستطيع فيه ساقاه ( Rear- guard ) الصمود فيه ، أو حتى يستطيع الجيش بكامله احتلال موضع جديد ، ونظرا لصعوبة تحقيق أى من هذين المطلبين فورا ، لذا تتواصل المطاردة إلى أبعد من ذلك ، إلا أنها وفى كل الأحوال لن تستمر إلا لساعة أو لبضعة ساعات وإلا فقدت المقمة الاتصال مع القوة المعقبة ( القسم الأكبر ) أو القطعات السائدة .

       الثالث : وهو أعلى درجات المطاردة وهى باستمرار تقدم الجيش (القوة) المنتصرة بكاملها وبالقدر الذى تسمح به قوته .
   ينهى الليل وفى جميع الحالات الثلاث اعلاه العمل ، حتى حين لا تنهى المطاردة مهمتها                                                                                               يوفر الليل للطرف المندحر فرصة جيدة وسريعة للراحة وإعادة تجميع نفسه ، أو للإسراع إن أراد فى مواصلة تراجعه تحت جنح الظلام .

   بعد توقف كهذا سيجد المندحر أن لابد من تحسين موقفه ألى حد كبير ، ومواجهة جديدة مع المنتصر ستعد اشتباكا أو معركة جديدة ، وليس استمررا للمعركة السلبقة ، ومع أنها قد لا تعد وفى أية ظروف بنجاح مطلق ، إلا أنها على الأقل تشكل بداية جديدة وليست مجرد استمرر لعمليات التطهير .   
                            
   تعتبر المطاردة العمل ( المكون ) الثانى للنصر ، وفى حالات عديدة أكثر أهمية من الأول .     

 وما من شئ أبغض وأكثر مقتا للجندى ( المنسحب ) من سماع هدير المدافع المعادية بعد لحظات من توقفه للراحة ولم الشمل بعد تراجع مرهق . ولا شك أن تكرار مثل هذه المشاهد والأحداث يوما بعد يوم سيؤدى إلى رعب مطلق .

   لكل جيش مندحر نقطة أو خط تراجع أولى – على مسافة ما – حريص للغاية للوصول إليه . ومن الضرورى إدراكه قبل العدو فقد يكون مدينة كبيرة ، أو قاعدة تموين ، أو شئ من ذلك ، وأخيرا فقد يكون النقطة التى يتوقع أو ينتظر المنسحب فيها الحصول على قوى وموارد جديدة للمقاومة .      


   لو استخدم المطارد طريقا ثانيا للوصول إلى ذلك الهدف فسيجبر المنسحب على زيادة سرعة تراجعه متكبدا بذلك الكثير من الخسائر ، ويمكن أن يتحول الانسحاب إلى سباق رهيب وبالتالى هزيمة نكراء .                   


   هناك ثلاثة طرق فقط أمام المنسحب لمواجهة ذلك :
-         الأولى . باستدارة على العدو والمحاولة بهجوم مباعت قلب الأمور إلى شكل أفضل ، ومن الواضح أن عملا كهذا يتطلب قائدا شجاعا ومقداما وقطعات من الطراز الأول .

-         الثانية . وهى بتسريع الانسحاب . إلا أن هذا ما يريده المنتصر بالضبط ومن المحتمل أن يتسبب فى انهاك القطعات وتشتتها بدرجة كبيرة ، وتتعطل المدافع ووسائل النقل وبالتالى مضاعفة الخسائر .

-         الثالثة . وهى القيام بتحويلة وتجنب نقاط التقاطع القريبة ، تعد الطريقة الثالثة الأكثر سوءا ، إذ تشبه قيام المفلس باستدانة جديدة ، كما أنها تؤدى عادة إلى فوضى وإخفاقات أكبر .
فمعارك صغيرة واشتباكات أعدت بعناية ونفذت كذلك من قبل جيش مندحر كان فى حالة دفاع وأحسن الاستفادة من مزايا الأرض تعد من أفضل السبل والوسائل للبدء فى استعادة معنويات وقدرات القطعات .   

فحتى النجاحات الصغيرة يمكن أن تفعل الأعاجيب .   
            

0 التعليقات: