24‏/10‏/2016

عن الحرب 58

عن الحرب 58


-         سيجد المهاجم زيادة كبيرة فى مصاعب تموين وإيواء قطعاته .  
-         ستقل سرعة التقدم مع تزايد عدد القطعات .
-         كلما زاد حجم القوات المشتبكة ، كلما زاد حجم الجهد الذى تفرضه المتطلبات التعبوية والاستراتيجية .

   ستؤثر كل هذه المعضلات على الجيش المتراجع أيضا ، إلا أن تأثيرها أشد وأثقل على المهاجم بسبب أن :

1-   لديه أعداد أكبر من الرجال ( لقد افترضنا تفوق المهاجم منذ البداية ) .

2-   بالتخلى عن الأرض يحصل المدافع على الحق فى توجيه العملية وفى إجبار المهاجم على الاستجابة والتوافق مع أعماله (المدافع) ، كما أنه قادر على التخطيط المسبق وعلى التمسك بنواياه ( توخى الهدف ) ، أما المهاجم فقادر مع ذلك على ترتيب قواته بعد أن يكون خصمه قد اتخذ مواضعه ، التى عليه أولا وقبل كل شئ استطلاعها .                                       

           لنتذكر بأننا نناقش هنا مطاردة جيش لم يندحر بعد ، بل حتى لم يخسر معركة ما .

3-   يتكبد الجيش المتراجع الكثير من أجل تسهيل تراجعه ، إذ يتولى إصلاح الطرق والجسور ، مع اختيار أفضل الأماكن لإقامة المعسكرات ، وغير ذلك ، كما يسعى ومن الناحية الاخرى لوضع العراقيل بوجه المطاردة باذلا كلما يسعه الحال بما فى ذلك تخريب الجسور ، 

وإتلاف الطرق ولو من خلال استخدامه لها ، وحرمان العدو من الإقامة فى الأماكن الأكثر ملائمة ، ولاسيما التى تتوافر فيها المياه وذلك باحتلالها بنفسه ، وغير ذلك من الأعمال .

   أخيرا لا بد أن نذكر حركات الأنصار التى تحظي بالتأييد والدعم الشعبيين إذ يشكل هؤلاء عاملا مهما بشكل استثنائى .

   والسؤال الذى لابد من تفحصه أولا هو الاتجاه الذى سيتخذه التراجع .

   فهو لابد أن يتجه إلى داخل البلاد – وإن أمكن فى الحقيقة أن يكون ذلك إلى نقطة يغدو فيها العدو مطوقا بأرضنا من جميع الجهات ، ومعرضا كليا إلى كل التأثيرات التى يعنيها ذلك ، ولن يتعرض المدافع فى حاله كهذه إلى الابتعاد عن قلب بلاده ، كما سيكون عليه الأمر فى حالة انسحابه على خط قريب جدا من الحدود ، وهذا ما كان الروس سيقعون فيه ببساطة سنة 1812 لو اختاروا الانسحاب جنوبا لا شرقا .

   يدخل هذا الشرط ضمنيا فى الغاية التى تحدد للتراجع ، فأين هى النقطة المناسبة فى البلاد، وما مدى تناسبها وملائمتها مع الاهتمام المباشر بتغطية العاصمة أو أية مراكز مهمة أخرى ، أو دورها فى إبعاد العدو عن تلك الأماكن المهمة – وكل هذه الأمور تتوقف على الظروف .

   إن التراجع الروسى لم يكن آنذاك نتيجة لتخطيط سابق ، بل إنهم انسحبوا لكل المسافة التى قطعوها بسبب موقفهم آنذاك ، وكلما لاحت لهم فرصة الدخول إلى معركة ، كانوا يشعرون أن قوتهم لا تكفى لفعل ذلك ، كما وجهت كل أرتال التموين والتعزيزات نحو الطريق من موسكو إلى سمولنسك ، كما لم يفكر أى رجل فى سمولنسك باحتمال التخلى عنها ، بالإضافة إلى ذلك فإن انتصارا فى مكان ما ، بين سمولنسك وكالوجا ، لم يكن ليبرر ، فى أعين الروس ، خطيئة ترك موسكو دون حماية ، ومعرضة لخطر احتلال محتمل .

   هى التغيير المفاجئ فى الاتجاه ، من الواضح أن فوائدا حاسمة كهذه يمكن تحقيقها بتغيير كهذا فى اتجاه خط التراجع – وهوشئ متوقع إن كانت المسافة المقطوعة طويلة بقدر كاف :

1-   تجعل الاستدارات من المستحيل على العدو الإحتفاظ بخطوط مواصلاته الحالية ، ومن الصعب على الدوام إنشاء خطوط جديدة ، وأكثر من ذلك ، فإن التغيير فى الاتجاه يحدث تدريجيا ، الأمر الذى يفرض إنشاء خطوط مواصلات جديدة لمرات عديدة .

2-   النتيجة هى اقتراب الجيشان معا من الحدود ثانية ، ولن يظل بوسع المهاجم استخدام موضعه لستر الاراضى التى احتلها ، وسيجبر على الأكثر على التخلى عنها ، وفى بلاد مترامية الأطراف كروسيا فبوسع الجيشان وبكل سهولة أن يلعبا مع بعضيهما لعبة (الاستغماية) .

   والإجابة على هذا السؤال تنحصر بتجنب الأسلوب الثانى ( التراجع على أكثر من طريق ) 
للأسباب الآتية :

1-   لأن ذلك يعنى المزيد من تشتت القوات ، بينما يشكل حشدها فى مكان واحد عائقا رئيسيا يواجه الغزاة .

2-   سيمنح هذا النوع من التراجع العدو حرية وميزة التحرك على الخطوط الداخلية .

3-   ليست العمليات المركزية ( المتحدة المركز Concentric ) ملائمة للجانب الأضعف .

4-   يلغى التراجع المتشعب ( على عدة طرق ) بعضا من نقاط ضعف العدو .

   فطول خطوط المواصلات ، وكشف جناح استراتيجى ، هما من نقاط الضعف الرئيسية لهجوم يندفع يعيدا فى أرض العدو ، كما أن التراجع على عدة طرق يجبر المهاجم على تعريض جبهة جزء من قوته أمام جناح المتراجع .

   الغاية الوحيدة التى تبرر انسحابا على خطوط متباعدة ، هى الغاية التى تتوخى حماية المناطق التى لو تركت دون حماية لاحتلها العدو .

   فإن قدرة أى طرف على منع احتلال ما ، بوضع قطعاته فى المناطق التى يحتمل احتلالها ، هى من الأمور التى يصعب التنبؤ بها ، إنها فى معظمها مسألة اقدرة على القرار .

   وكقاعدة ، ينبغى أن يتم التراجع إلى دخل الوطن ، وينفذ من قبل قوة موحدة وغير ضعيفة أو مندحرة ، كما ينبغى أن يتم التراجع على الفور أمام القوة الرئيسية للعدو ، وبأبطأ ما يمكن ، ومن خلال المقاومة المستمرة ، ينبغى "إبقاء العدو فى حالة حذر ويقظة دائمين ، ودفعه إلى المغالاة الملكة فى الحذر التعبوى إن جاز قول ذلك . 



0 التعليقات: