عن الحرب 58
-
سيجد المهاجم زيادة كبيرة فى مصاعب تموين وإيواء قطعاته .
-
ستقل سرعة التقدم مع تزايد عدد القطعات .
-
كلما زاد حجم القوات المشتبكة ، كلما زاد حجم الجهد الذى تفرضه المتطلبات
التعبوية والاستراتيجية .
ستؤثر كل هذه المعضلات على الجيش المتراجع
أيضا ، إلا أن تأثيرها أشد وأثقل على المهاجم بسبب أن :
1- لديه أعداد أكبر من الرجال ( لقد افترضنا تفوق
المهاجم منذ البداية ) .
2- بالتخلى عن الأرض يحصل المدافع على الحق فى
توجيه العملية وفى إجبار المهاجم على الاستجابة والتوافق مع أعماله (المدافع) ،
كما أنه قادر على التخطيط المسبق وعلى التمسك بنواياه ( توخى الهدف ) ، أما
المهاجم فقادر مع ذلك على ترتيب قواته بعد أن يكون خصمه قد اتخذ مواضعه ، التى
عليه أولا وقبل كل شئ استطلاعها .
لنتذكر بأننا نناقش هنا مطاردة جيش لم يندحر بعد ، بل حتى لم يخسر معركة ما
.
3- يتكبد الجيش المتراجع الكثير من أجل تسهيل
تراجعه ، إذ يتولى إصلاح الطرق والجسور ، مع اختيار أفضل الأماكن لإقامة المعسكرات
، وغير ذلك ، كما يسعى ومن الناحية الاخرى لوضع العراقيل بوجه المطاردة باذلا كلما
يسعه الحال بما فى ذلك تخريب الجسور ،
وإتلاف الطرق ولو من خلال استخدامه لها ،
وحرمان العدو من الإقامة فى الأماكن الأكثر ملائمة ، ولاسيما التى تتوافر فيها
المياه وذلك باحتلالها بنفسه ، وغير ذلك من الأعمال .
أخيرا لا بد أن نذكر حركات الأنصار التى تحظي
بالتأييد والدعم الشعبيين إذ يشكل هؤلاء عاملا مهما بشكل استثنائى .
والسؤال الذى لابد من تفحصه أولا هو الاتجاه الذى سيتخذه التراجع .
فهو لابد أن يتجه إلى داخل البلاد – وإن أمكن فى
الحقيقة أن يكون ذلك إلى نقطة يغدو فيها العدو مطوقا بأرضنا من جميع الجهات ،
ومعرضا كليا إلى كل التأثيرات التى يعنيها ذلك ، ولن يتعرض المدافع فى حاله كهذه
إلى الابتعاد عن قلب بلاده ، كما سيكون عليه الأمر فى حالة انسحابه على خط قريب
جدا من الحدود ، وهذا ما كان الروس سيقعون فيه ببساطة سنة 1812 لو اختاروا
الانسحاب جنوبا لا شرقا .
يدخل
هذا الشرط ضمنيا فى الغاية التى تحدد للتراجع ، فأين هى النقطة المناسبة فى البلاد،
وما مدى تناسبها وملائمتها مع الاهتمام المباشر بتغطية العاصمة أو أية مراكز مهمة
أخرى ، أو دورها فى إبعاد العدو عن تلك الأماكن المهمة – وكل هذه الأمور تتوقف على
الظروف .
إن
التراجع الروسى لم يكن آنذاك نتيجة لتخطيط سابق ، بل إنهم انسحبوا لكل المسافة
التى قطعوها بسبب موقفهم آنذاك ، وكلما لاحت لهم فرصة الدخول إلى معركة ، كانوا
يشعرون أن قوتهم لا تكفى لفعل ذلك ، كما وجهت كل أرتال التموين والتعزيزات نحو
الطريق من موسكو إلى سمولنسك ، كما لم يفكر أى رجل فى سمولنسك باحتمال التخلى عنها
، بالإضافة إلى ذلك فإن انتصارا فى مكان ما ، بين سمولنسك وكالوجا ، لم يكن ليبرر ،
فى أعين الروس ، خطيئة ترك موسكو دون حماية ، ومعرضة لخطر احتلال محتمل .
هى
التغيير المفاجئ فى الاتجاه ، من الواضح أن فوائدا حاسمة كهذه يمكن تحقيقها بتغيير
كهذا فى اتجاه خط التراجع – وهوشئ متوقع إن كانت المسافة المقطوعة طويلة بقدر كاف
:
1- تجعل الاستدارات من المستحيل على العدو الإحتفاظ
بخطوط مواصلاته الحالية ، ومن الصعب على الدوام إنشاء خطوط جديدة ، وأكثر من ذلك ،
فإن التغيير فى الاتجاه يحدث تدريجيا ، الأمر الذى يفرض إنشاء خطوط مواصلات جديدة
لمرات عديدة .
2- النتيجة هى اقتراب الجيشان معا من الحدود ثانية ،
ولن يظل بوسع المهاجم استخدام موضعه لستر الاراضى التى احتلها ، وسيجبر على الأكثر
على التخلى عنها ، وفى بلاد مترامية الأطراف كروسيا فبوسع الجيشان وبكل سهولة أن
يلعبا مع بعضيهما لعبة (الاستغماية) .
والإجابة على هذا السؤال تنحصر بتجنب الأسلوب
الثانى ( التراجع على أكثر من طريق )
للأسباب الآتية :
1- لأن ذلك يعنى المزيد من تشتت القوات ، بينما
يشكل حشدها فى مكان واحد عائقا رئيسيا يواجه الغزاة .
2- سيمنح هذا النوع من التراجع العدو حرية وميزة
التحرك على الخطوط الداخلية .
3- ليست العمليات المركزية ( المتحدة المركز Concentric ) ملائمة للجانب الأضعف .
4- يلغى التراجع المتشعب ( على عدة طرق ) بعضا من
نقاط ضعف العدو .
فطول خطوط المواصلات ، وكشف جناح استراتيجى ،
هما من نقاط الضعف الرئيسية لهجوم يندفع يعيدا فى أرض العدو ، كما أن التراجع على
عدة طرق يجبر المهاجم على تعريض جبهة جزء من قوته أمام جناح المتراجع .
الغاية الوحيدة التى تبرر انسحابا على خطوط متباعدة ، هى الغاية التى تتوخى
حماية المناطق التى لو تركت دون حماية لاحتلها العدو .
فإن
قدرة أى طرف على منع احتلال ما ، بوضع قطعاته فى المناطق التى يحتمل احتلالها ، هى
من الأمور التى يصعب التنبؤ بها ، إنها فى معظمها مسألة اقدرة على القرار .
وكقاعدة ، ينبغى أن يتم التراجع إلى دخل الوطن ، وينفذ من قبل قوة موحدة
وغير ضعيفة أو مندحرة ، كما ينبغى أن يتم التراجع على الفور أمام القوة الرئيسية
للعدو ، وبأبطأ ما يمكن ، ومن خلال المقاومة المستمرة ، ينبغى "إبقاء العدو
فى حالة حذر ويقظة دائمين ، ودفعه إلى المغالاة الملكة فى الحذر التعبوى إن جاز
قول ذلك .
0 التعليقات:
إرسال تعليق