23‏/10‏/2016

عن الحرب 51

عن الحرب 51

     ينتظر المدافع أن يهاجم فى موضعه ، فقد اختار المكان المناسب وأعده لهذا الغرض ، 
ويعنى ذلك أنه استطلعه بعناية ، وأقام دفاعات حصينة فى بعض أكثر النقاط أهمية ، 
وافتتح منظومة مواصلات ، وفتح بطارياته ، وحصن بعض القرى ، 
وعندما تصل المعركة ثلثها الأخير ، 
وبعد أن يكون العدو قد كشف خططه ونواياه واستخدم القسم الأكبر من قواته يسعى المدافع عندها لاستخدام احتياطه هذا بكامله بضربة ضد جزء من قوة العدو ، 

مفتتحا بذلك معركة تعرضية صغرى له هو ، مستخدما فيها كافة عناصر ومبادئ الهجوم – الصولة ، والمباغتة ، والحركة على الجناح .

   قد يكتشف المدافع ضياع خط انسحابه الرئيسى، ولو حدث ذلك فهذا يعنى تكبد المدافع ضررا استراتيجيا .

   ماذا سيحدث ، من الناحية الأخرى ، إذا انتصر المدافع ؟
 سيتجزأ الجيش المندحر وذلك أولا سيجعل التراجع أكثر سهولة ، لكن ومع حلول اليوم التالى ، ستصبح مهمة توحيد الأجزاء المشتتة هى هدفه الرئيسى ، أما إذا كان الانتصار حاسما ،
 تابعه المدافع بحزم وحيوية وإصرار ، فإن إنجاز التحشد سيكون مستحيلا فى أغلب الحالات .

   قليلا ما كانت الانتصارات الكبرى فى تاريخ الحرب نتيجة لمعارك دفاعية ، قياسا بالمعارك الهجومية ، إلا أن ذلك لا يثبت أن المعارك الدفاعية أساسا هى الأقل احتمالا لأن توصل إلى الانتصار ، بل بالعكس ، نتيجة للدفاع كذلك ، ووفقا لهذه الطريقة التجريدية الغامضة أصبح الافتراض الأساسى هو ، أن المعركة الدفاعية تعنى فقط بصد العدو ، وليس بتدميره . 

ونرى أن ذلك هو أكثر الأخطاء شرا ، بل إنه فى الحقيقة خلط مزرى بين الشكل والجوهر ( المضمون ) . 

ونؤكد هنا وبوضوح تام أن شكل الحرب الذى ندعوه الدفاع ، لا يقدم فرصة واحتمالا كبيرين للانتصار ، وأكثر من الهجوم وحسب ، بل إن الانتصارات الدفاعية ستنال نفس النسب والنتائج . 

وأكثر من ذلك ، فإن هذا لا ينطبق تماما على النجاحات الكلية لجميع الاشتباكات التى تكون بمجموعها حملة ، بل ولكل معركة منفردة ، شرط ألا يكون هناك نقص فى القوة والعزم .

   ذهب الزمان الذى كانت الأسوار والتحصينات فيه ، ودون أية استعدادات عسكرية أخرى تكفى لحماية منطقة ما ضد سيول حرب تعم البلاد كلها ، ويدفعنا إلى اعتبار القلاع كحماية غير مباشرة للبلاد من خلال قيمتها الاستراتيجية كعقد ومفاصل تشد البناء الاستراتيجى كليا .

   ونرى أن القلاع تشكل وتوفر الإسناد الأول والأهم للدفاع وبالطرق التالية :

1-   كمستودعات أمنية .            

   يحيا المهاجم خلال التعرض على ما يحصل عليه يوما بيوم ، أما المدافع ، فعليه وكقاعدة التهيؤ لذلك بوقت مبكر ، لذلك لن يظل بوسعه الاعتماد كليا على موارد المنطقة التى يحتلها – والتى سيتركها سليمة فى كل الأحوال كاحتياط له ، وعليه فهو فى حاجة ماسة إلى مستودعات .  

      ومع مواصلة المهاجم تقدمه فسيترك مواده التمونية خلفه مؤمنا لها الحماية بهذه الطريقة ، بينما تظل موارد المدافع وسط منطقة العمليات ، ومالم تخزن فى أماكن حصينة فستتعرض العمليات إلى أخطار بالغة . وغالبا ما يتم اختيار أوسع الأماكن وأكثرها انتشارا وأقلها إثارة للانتباه لهذا الغرض لتوفير أقصى حماية ممكنة لها .        

       الجيش المدافع دون قلاع واهن فى كل مكان ، فهو هنا كالجسد دون درع حماية .

2-   كحماية لمدينة كبيرة ومزدهرة .   

    ترتبط هذه الوظيفة بالعنصر الأول ، لأن مدنا كهذه ، وعلى الأخص التجارى منها ، هى المورد الطبيعى لتموين الجيش .

3-   كسد حقيقى .

4-   كنقطة إسناد تعبوية .    
    يصل مدى نصف قطر دائرة تأثير مدفعية القلاع ، التى ليست عديمة الشأن كليا إلى بضعة أميال ، وعليه ينبغى إعتبار القلاع واحدة من أفضل وأقوى نقاط الإستناد لأجنحة الموضع .

5-   كموضع لتحديد منطقة .    
     فعندما تكون القلاع على طول خطوط مواصلات المدافع ، وكما عليه الحال تقريبا ، فأنها تصبح أماكن توقف مناسبة للسابلة المنتقلة جيئة وذهابا على طول الخط ، والخطر الذى تتعرض له خطوط المواصلات يعود أساسا إلى الغارات الدورية التى يشنها الأنصار . 

فلو تعرضت أية قافلة مهمة لخطر من هذا النوع وكان بوسعها الوصول إلى قلعة ما إما بزيادة سرعتها أو رجوعها إليها ، فستكون بمأمن وبوسعها الانتظار عند القلعة حتى تأمين الطريق ، كما توفر القلعة لكل القطعات المارة فرصة للراحة ليوم أو اثنين لتواصل مسيرها بعد ذلك بحال أفضل ، ونظرا لأن أيام الراحة تعد من أكثر الأوقات خطورة للقطعات ،

 فالقلعة الكائنة فى منتصف خط مواصلات طوله (150) ميلا ستنصف هذه المسافة

6-    كملجأ للقوات الضعيفة أو المندحرة .

7-   كملجأ حقيقى ضد هجمات العدو .

8-   كحماية لمعسكرات واسعة .    

     لا بد من التمعن فى النقاط التالية :       

     أ – يجب أن تستر القلعة نفسها أحد الطرق الرئيسية ، كما يجب أن تغطى وبدرجة من الفاعلية مساحة من الأرض تمتد من (15- 20 ) ميلا .  

     ب – يجب أن تعتبر إما كموقع قوى متقدم ، أو أنها توفر إشرافا تاما على الريف المجاور ، ويعزز ذلك بالاستخبارات السرية .   

    ج – أنها مصدر إسناد لوحدات صغيرة يمكنها أن تجد الحماية والأمن فيها . ينبغى بطبيعة الحال اعتبار أى هجوم على خط الإيواء نفسه كمباغتة .

9-   كحماية لمنطقة غير محتلة .

10 - كنقطة تركيز لعصيان عام .    
    بالإضافة إلى ذلك فالقلعة توفر المأوى للجرحى ، وقرا للسلطة المدنية ، والخزينة ، وكذلك منطقة اجتماع للعمليات الكبيرة ، وغير ذلك ، بل وفوق ذلك ستكون النقطة المركزية للمقاومة ، خلال مرحلة الحصار المعادى ، سيما حين يسمح الموقف ، ويسهل شن الأنصار المحللين هجماتهم .

11 - كدفاع عن الأنهار والسلاسل الجبلية .

   تتواجد المدن الكبيرة والطرق الرئيسية معا دائما ، ولكليهما صلة وانجذاب مع الأنهار الكبيرة والسواحل ، لذلك تتواجد تلك الحاجات الأربعة فى آن واحد ودون تعارض ما ، أما الجبال فأمر آخر ، فلا توجد هناك مدن مهمة إلا نادرا .   

 لذلك فإن ساعد مكان واتجاه السلسلة الجبلية لتشكل خطا دفاعيا مناسبا ، فمن الضرورى عندها سد الطرق والمضائق بحصون صغيرة تشيد خصيصا لهذا الغرض ، وبأقل تكلفة ممكنة ، أما القلاع الكبيرة والمحصنة بإمعان فينبغى أن تشيد قرب المدن الكبرى فى السهول .

   الجواب الواضح للسؤال هو أن مكان القلعة على الحدود ، فهى إنما توجد لحماية البلاد ، والبلاد محمية ما دامت حدودها كذلك .   

 كل دفاع يعتمد كثيرا على المساعدة الخارجية ، سيعول كثيرا على كسب الوقت ، ولابد أن نتذكر أهمية إعطاع قلاع العاصمة أسبقية أولى كلما سمحت الظروف ، كذلك ووفقا لإمكانيتها المالية ينبغى تحصين العواصم الإقليمية والمدن التجارية كذلك . 

0 التعليقات: