عن الحرب 51
ينتظر المدافع أن يهاجم فى موضعه ، فقد اختار
المكان المناسب وأعده لهذا الغرض ،
ويعنى ذلك أنه استطلعه بعناية ، وأقام دفاعات
حصينة فى بعض أكثر النقاط أهمية ،
وافتتح منظومة مواصلات ، وفتح بطارياته ، وحصن
بعض القرى ،
وعندما تصل المعركة ثلثها الأخير ،
وبعد أن يكون العدو قد كشف خططه
ونواياه واستخدم القسم الأكبر من قواته يسعى المدافع عندها لاستخدام احتياطه هذا
بكامله بضربة ضد جزء من قوة العدو ،
مفتتحا بذلك معركة تعرضية صغرى له هو ،
مستخدما فيها كافة عناصر ومبادئ الهجوم – الصولة ، والمباغتة ، والحركة على الجناح
.
قد
يكتشف المدافع ضياع خط انسحابه الرئيسى، ولو حدث ذلك فهذا يعنى تكبد المدافع ضررا
استراتيجيا .
ماذا
سيحدث ، من الناحية الأخرى ، إذا انتصر المدافع ؟
سيتجزأ الجيش المندحر وذلك أولا
سيجعل التراجع أكثر سهولة ، لكن ومع حلول اليوم التالى ، ستصبح مهمة توحيد الأجزاء
المشتتة هى هدفه الرئيسى ، أما إذا كان الانتصار حاسما ،
تابعه المدافع بحزم
وحيوية وإصرار ، فإن إنجاز التحشد سيكون مستحيلا فى أغلب الحالات .
قليلا
ما كانت الانتصارات الكبرى فى تاريخ الحرب نتيجة لمعارك دفاعية ، قياسا بالمعارك
الهجومية ، إلا أن ذلك لا يثبت أن المعارك الدفاعية أساسا هى الأقل احتمالا لأن
توصل إلى الانتصار ، بل بالعكس ، نتيجة للدفاع كذلك ، ووفقا لهذه الطريقة
التجريدية الغامضة أصبح الافتراض الأساسى هو ، أن المعركة الدفاعية تعنى فقط بصد
العدو ، وليس بتدميره .
ونرى أن ذلك هو أكثر الأخطاء شرا ، بل إنه فى الحقيقة خلط
مزرى بين الشكل والجوهر ( المضمون ) .
ونؤكد هنا وبوضوح تام أن شكل الحرب الذى
ندعوه الدفاع ، لا يقدم فرصة واحتمالا كبيرين للانتصار ، وأكثر من الهجوم وحسب ،
بل إن الانتصارات الدفاعية ستنال نفس النسب والنتائج .
وأكثر من ذلك ، فإن هذا لا
ينطبق تماما على النجاحات الكلية لجميع الاشتباكات التى تكون بمجموعها حملة ، بل
ولكل معركة منفردة ، شرط ألا يكون هناك نقص فى القوة والعزم .
ذهب
الزمان الذى كانت الأسوار والتحصينات فيه ، ودون أية استعدادات عسكرية أخرى تكفى
لحماية منطقة ما ضد سيول حرب تعم البلاد كلها ، ويدفعنا إلى اعتبار القلاع كحماية
غير مباشرة للبلاد من خلال قيمتها الاستراتيجية كعقد ومفاصل تشد البناء
الاستراتيجى كليا .
ونرى
أن القلاع تشكل وتوفر الإسناد الأول والأهم للدفاع وبالطرق التالية :
1- كمستودعات أمنية .
يحيا المهاجم خلال التعرض على ما يحصل عليه يوما بيوم ، أما المدافع ،
فعليه وكقاعدة التهيؤ لذلك بوقت مبكر ، لذلك لن يظل بوسعه الاعتماد كليا على موارد
المنطقة التى يحتلها – والتى سيتركها سليمة فى كل الأحوال كاحتياط له ، وعليه فهو
فى حاجة ماسة إلى مستودعات .
ومع
مواصلة المهاجم تقدمه فسيترك مواده التمونية خلفه مؤمنا لها الحماية بهذه الطريقة ،
بينما تظل موارد المدافع وسط منطقة العمليات ، ومالم تخزن فى أماكن حصينة فستتعرض
العمليات إلى أخطار بالغة . وغالبا ما يتم اختيار أوسع الأماكن وأكثرها انتشارا
وأقلها إثارة للانتباه لهذا الغرض لتوفير أقصى حماية ممكنة لها .
الجيش المدافع دون قلاع واهن فى كل مكان ، فهو هنا كالجسد دون درع حماية .
2- كحماية لمدينة كبيرة ومزدهرة .
ترتبط هذه الوظيفة بالعنصر الأول ، لأن مدنا كهذه ، وعلى الأخص التجارى
منها ، هى المورد الطبيعى لتموين الجيش .
3- كسد حقيقى .
4- كنقطة إسناد تعبوية .
يصل مدى نصف قطر دائرة تأثير مدفعية القلاع ، التى ليست عديمة الشأن كليا
إلى بضعة أميال ، وعليه ينبغى إعتبار القلاع واحدة من أفضل وأقوى نقاط الإستناد
لأجنحة الموضع .
5- كموضع لتحديد منطقة .
فعندما تكون القلاع على طول خطوط مواصلات المدافع ، وكما عليه الحال تقريبا
، فأنها تصبح أماكن توقف مناسبة للسابلة المنتقلة جيئة وذهابا على طول الخط ،
والخطر الذى تتعرض له خطوط المواصلات يعود أساسا إلى الغارات الدورية التى يشنها
الأنصار .
فلو تعرضت أية قافلة مهمة لخطر من هذا النوع وكان بوسعها الوصول إلى
قلعة ما إما بزيادة سرعتها أو رجوعها إليها ، فستكون بمأمن وبوسعها الانتظار عند
القلعة حتى تأمين الطريق ، كما توفر القلعة لكل القطعات المارة فرصة للراحة ليوم
أو اثنين لتواصل مسيرها بعد ذلك بحال أفضل ، ونظرا لأن أيام الراحة تعد من أكثر
الأوقات خطورة للقطعات ،
فالقلعة الكائنة فى منتصف خط مواصلات طوله (150) ميلا
ستنصف هذه المسافة
6- كملجأ للقوات الضعيفة أو
المندحرة .
7- كملجأ حقيقى ضد هجمات العدو .
8- كحماية لمعسكرات واسعة .
لا بد من التمعن فى النقاط التالية :
أ – يجب أن تستر القلعة نفسها أحد الطرق الرئيسية ، كما يجب أن تغطى وبدرجة
من الفاعلية مساحة من الأرض تمتد من (15- 20 ) ميلا .
ب – يجب أن تعتبر إما كموقع قوى
متقدم ، أو أنها توفر إشرافا تاما على الريف المجاور ، ويعزز ذلك بالاستخبارات
السرية .
ج –
أنها مصدر إسناد لوحدات صغيرة يمكنها أن تجد الحماية والأمن فيها . ينبغى بطبيعة
الحال اعتبار أى هجوم على خط الإيواء نفسه كمباغتة .
9- كحماية لمنطقة غير محتلة .
10 - كنقطة تركيز لعصيان عام .
بالإضافة إلى ذلك فالقلعة توفر المأوى للجرحى ، وقرا للسلطة المدنية ،
والخزينة ، وكذلك منطقة اجتماع للعمليات الكبيرة ، وغير ذلك ، بل وفوق ذلك ستكون
النقطة المركزية للمقاومة ، خلال مرحلة الحصار المعادى ، سيما حين يسمح الموقف ،
ويسهل شن الأنصار المحللين هجماتهم .
11 - كدفاع عن الأنهار والسلاسل
الجبلية .
تتواجد المدن الكبيرة والطرق الرئيسية معا
دائما ، ولكليهما صلة وانجذاب مع الأنهار الكبيرة والسواحل ، لذلك تتواجد تلك
الحاجات الأربعة فى آن واحد ودون تعارض ما ، أما الجبال فأمر آخر ، فلا توجد هناك
مدن مهمة إلا نادرا .
لذلك فإن ساعد مكان واتجاه السلسلة الجبلية لتشكل خطا دفاعيا مناسبا ، فمن
الضرورى عندها سد الطرق والمضائق بحصون صغيرة تشيد خصيصا لهذا الغرض ، وبأقل تكلفة
ممكنة ، أما القلاع الكبيرة والمحصنة بإمعان فينبغى أن تشيد قرب المدن الكبرى فى
السهول .
الجواب الواضح للسؤال هو أن مكان القلعة على الحدود ، فهى إنما توجد لحماية
البلاد ، والبلاد محمية ما دامت حدودها كذلك .
كل دفاع يعتمد كثيرا على المساعدة الخارجية ، سيعول كثيرا على كسب الوقت ،
ولابد أن نتذكر أهمية إعطاع قلاع العاصمة أسبقية أولى كلما سمحت الظروف ، كذلك
ووفقا لإمكانيتها المالية ينبغى تحصين العواصم الإقليمية والمدن التجارية كذلك .
0 التعليقات:
إرسال تعليق