15‏/10‏/2016

عن الحرب 22

عن الحرب 22

الإقدام Boldness

      لا بد من اعتبار الإقدام ، هذه الطاقة النبيلة التى تعلو وتقهر أكثر المخاطر بشاعة وتهديدا .

   فحيثما تفوق الإقدام ، فيستفيد من ضعف خصمه ، ولا يشكل الإقدام ميزة واضحة إلا فى مواجهة الحذر المدروس فقط ، فالجبن هو جذر التعقل فى معظم الرجال .

   ليس تطوير الجرأة لدى معظم الجنود بالأمر الضار بالنسبة للمزايا الأخرى ، لأن منتسبى القطعات يخضعون بحكم الواجب وظروف الخدمة إلى سلطة أعلى ، أى أنهم يقادون من عقل خارجى عنهم ، ويعمل الإقدام لديهم كالنابض الحلزونى " Coiled Spring " يمكن فلاته فى أية لحظة .

   وسعيد هو الجيش الذى غالبا ما تحدث فيه أعمال الإقدام والجرأة حتى فى أوقات ليست مناسبة ، قد يكون ذلك من النباتات الضارة ، أو من بذور الترف إلا أنها إشارة أكيدة على خصوبة التربة التى ظهرت فيها ، بل وحتى الأعمال الطائشة – اى الإقدام دونما هدف أو غاية – لا يجوز ازدرائها ، فهى أساسا نتاج الشجاعة والجرأة التى تكون قد تفجرت فى مثل هذه الحالات بفعل هيجان عاطفى غير محكوم بالعقل .   
    
 أما عندما تشكل الجرأة عصيانا وتمردا على الطاعة والانضباط ، وعندما تتجاهل أوامرا صريحة وواضحة فيجب أن تعامل فى هذه الحالة كإساءة وكجريمة وأن توقف عند حدها ، ولا يسبب خاصية الجرأة والإقدام لذاتها ، بل لأن أمرا لم يطاع ، وللطاعة فى الحرب أهمية أساسية حد التقديس .

   مع ذلك وفى ظروف فكرية أو عقلية متساوية فمخاطر الجبن فى الحرب تزيد ألف مرة على مخاطر الجرأة والتهور .

  تنامى وتعاظم الجرأة أقل شيوعا فى الرتب العليا ، " سأطلع على السفح معتم على القمة " ، يلاحظ أن كل القادة المعروفين لدينا تاريخيا كقادة متوسطى أو محدودى القدرة ، بل وحتى مترددين ، أنهم كانوا عزومين ومندفعين فى الرتب الدنيا .

   الأقدم المسيطر عليه بفكر متفوق هو إحدى علامات البطل ، يمكن أن يمنح الإقدام أجنحة للفكر والبصيرة ، وكلما قويت تلك الأجنحة ، كلما تعالى واتسع الرأى ، وكلما كانت النتائج أروع ، لا يمكن تصور وجود قائد فذ بشكل متميز دون إقدام . 

   أما الآن فما من وسيلة عملية تمرس الشعب بروح الإقدام هذه غير الحرب ، على أن تشن بقيادة شجاعة .

المثابرة

   لاتسير الأمور ولا تنتهى فى الحرب وأكثر مما فى أى مجال آخر ، كما نتوقع لها ، تنهال على القائد فى الحرب سيول التقارير الصحيحة والكاذبة ، وبالرعب الناجم من الخوف والإهمال ، أو التسرع ، وبعدم الإطاعة الناجم عن تفسير خاطئ أو صحيح ، أو بسبب وهن الإرادة ، 

أو بفعل إحساس دقيق أو خاطئ بالواجب أو بفعل الكسل واللامبالاة ، أو بسبب الانهاك ، كما قد يقع ذلك بفعل الصدفة التى ليس بوسع أحد توقعها مسبقا أو أخذها بالحسبان 

 الخلاصة ، أنه يتعرض لما لا حصر له من التأثيرات ، معظمها مما يثير الحيرة والارتباك والقليل منها فقط مشجع ومريح ، تخلق التجربة الطويلة فى الحرب القدرة على تقويم سريع لتلك الظواهر                                               
  فمن الصعوبة بمكان أن نجد مشروعا أو مهمة ذات شأن فى الحرب لا يتطلب تنفيذها جهودا ومشاكل وقسوة وحرمان لا نهاية لها .

   روى لى أحد الضباط " أن الانهاك البدنى كان يبلغ حدا يصعب احتماله وعلى الأخص فى الحروب الجبلية ساعتها كان بوسع أضعف انسان أن يجردنا من أسلحتنا بكل بساطة حتى إن كان هذا الانسان فتاة ضعيفة ، كما أن الضغوط المعنوية ونيران العدو التى كانت تصطاد كل من يكشف ولو عن جزء صغير من جسمه حتى الكف أو غطاء الرأس...عندها كانت قوة الإرادة أو ما ادعوه بسم الأفعى الذى يجرى فى الأعصاب لا فى الشرايين هو وحده ما يبقى الجسم منتصبا والأقدام تتابع المسير " . 

  وحين سألته عن سم الأفعى هذا ، قال " ألا ترى أن ذنب الأفعى يتراقص بعد قطعه عن الجسم .. ما الذى يحركه .. أليس ما بقى فيه من سم الأفعى هذا " ، وتابع أو سمه ما شئت .

التفوق العددى

   يعد التفوق العددى تعبويا واستراتيجيا أكثر عناصر النصر شيوعا وأهمية ، تحدد الاستراتيجية الوقت ( متى ؟ ) والمكان ( أين ؟ ) والقوات ( بماذا ؟ ) سنخوض هذا القتال ، ومن خلال هذه الأنشطة الثلاثية تمارس تأثيرا هاما على نتائج الاشتباكات .

   أية ظروف مشابهة يظل العامل الرئيسى هو امتلاك قوة ( تفوق ) فى نقطة حاسمة فعلا ، وهذا عادة أكثر العوامل أهمية حقيقية ، يعتمد تحقيق التفوق فى النقطة الحاسمة على قوة الجيش ، وعلى المهارة التى ستستخدم فيها تلك القوة .

   لذلك ينبغى أن تكون القاعدة الأولى هى : زج أكبر ( قوة ) ممكن فى الميدان ، وقد يبدو ذلك تافها ، إلا إنه ليس كذلك فى الواقع .

   لو اقتنع المرء حقيقة ، بامكانية تحقيق الكثير بالتفوق ( العددى ) الكبير ، فمثل هذه القناعة جديرة بالتأثير على الاستعداد للحرب ، ستكون عندها السيطرة على الميدان بأكبر قوة ممكنة ، إما لتكون لنا اليد العليا ، أو للتأكد على الأقل من حرمان العدو مثل هذه المكانة .

  يجب استخدام القوات المتيسرة بنوع من المهارة التى وإن تعذر معها تحقيق التفوق المطلق ، أمكن تأمين تفوق نسبى فى النقطة الحاسمة .

   لتحقيق ذلك يبدو أن حسابات الوقت والمسافة هى أكثر العوامل أهمية ، ولمعادلة الوقت والمسافة الأولوية والأساس لكل شئ آخر ، وأنها الخبر اليومى ( daily bread  ) للاستراتيجية ، وإن جاز لنا قول ذلك ، إلا أنها ليست الأكثر صعوبة ولا العامل الحاسم كذلك .

   الاستعداد لمواجهة الخطر الذى يواجههم وقتها ، بقوات أقل ، وطاقة للتنقل السريع ، وإقدام على شن هجمات سريعة ، والزيادة فى الفعالية التى يستثيرها الخطر فى الرجال العظام .   

     كثيرا ما يعتمد التفوق النسبى ، أى الحشد الماهر لقوة متفوقة فى نقطة حاسمة . 

المباغتة

   وهى مفاجئة الخصم على حين غرة ، كانت هذه الرغبة هى الأساس فى كل العمليات تقريبا ، إذ يصعب بدونها تصور التفوق فى النقاط الحاسمة .

   حيثما تتحقق المباغتة على نطاق واسع فإنها ستربك العدو وتقلل كثيرا من معنوياته .

   العاملان اللذان ينتجا المباغته هما السرية والسرعة ، فالمطلوب قدر كبير من الكفاية ، ومن الخطأ اعتبار المباغتة عاملا مهما للنجاح فى الحرب ، المباغتة كمبدأ شديد الجاذبية نظريا ، أما عمليا فغالبا ما تتعثر بفعل الاضطراب فى الماكنة الحربية ككل .

   تستغرق الاستعدادات للحرب عادة أشهرا عديدة ، ويتطلب ذلك حشد القطعات فى مناطق التجمع عموما ، وانشاء مستودعات التموين والأعاشة ، وكذلك العديد من عمليات تنقل القطعات ، التى سيمكن تخمين الغرض منها بسهولة كافية . 
            
   لذا فمن النادر جدا أن تباغت الول بعضها لبعض ، والحالات التى قادت فيها المباغتة إلى نتائج كبرى قليلة جدا ، يمكن أن نستنتج من ذلك مدى وضخامة الصعوبات المتأصلة هنا .


   فالبنسبة للطرف القادر على الاستفادة من التأثيرات النفسية للمباغتة ، فكلما ازداد الموقف سوء ، كلما ازدادت منافعه ، فى الوقت الذى سيجد فيه العدو نفسه غير قادر على اتخاذ قرار متماسك ،

 ويصح ذلك ليس لكبار القادة فقط ، بل ولجميع ذوى العلاقة ، لأن أحد السمات الغريبة للمباغتة هى أنها تفكك عوامل الشد والتماسك ، وأن أعمالا منفردة يمكن أن تتحول وببساطة إلى أشياء هامة . 

0 التعليقات: