عن الحرب 38
الترتيب العام للجيش
هناك
وفى معظم الحالات فاصلة كبيرة ما بين التعبئة (Mobilization) الأولية للقطعات ، وبين لحظة إكمال وتنفيذ كل القرارات الحاسمة ،
عندما تكون الاستراتيجية قد أوصلت الجيش إلى النقطة المهمة . وتخصص التعبية لكل
وحدة مكانها ودورها .
وينطبق ذلك وبنفس الدرجة على الوقت ( الفاصلة الزمنية ) ما
بين حدث حاسم وآخر .
لم
تكن هذه الفواصل تبدو فى الماضى وكأنها جزء من الحرب ، المثال الماريشال لوكسمبرج
وأساليبه فى التعسكر والمسير .
لقد
كان الاشتباك فى الماضى هو النصل الحقيقى للسيف ، أما الفترات ما بيت الاشتباكات
فقد كانت غمده ، كان الأول هو الشفرة الفولاذية ، أما الثانى فكان الغمد أو المقبض
الخشبى الذى ألصق بالنصل . فقد كان " الكل " مؤلف من أجزاء مفقودة لا
علاقة بينها .
أما فى أيامنا هذه فقد أصبح الاشتباك حافة السيف ، أما الوقت خارج
لاشتباك فهو الحافة الأخرى . فلكل غدا ملتحم الأجزاء بشكل يتعذر معه تحديد بداية
النصل الفولاى من الحافات الحديدية .
وهناك
ثلاثة حالات ممكنة للقطعات ، فهى إما أن تكون فى : المأوى (Billet) أو المسير أو المعسكر .
فإن
لم يعين الجيش هدفا ما ، فإن همه الوحيد عندها سيكون فى المحافظه على كيانه ،
وبالتالى توفير الأمن الضرورى له ، لابد لأى جيش من القدرة على الكينونة دون أى
صعوبة محددة ، وأن يقاتل كوحدة واحدة ، الاعتبارات التالية المتعلقة بوجود وأمن
الجيش :
1- سهولة التموين .
2- سهولة الإسكان .
3- أمن المناطق الخلفية .
4- ساحة مفتوحة فى الجبهة .
5- كون الموضع نفسه فى أرض وعرة ( متموجة ) .
6- نقاط استرتيجية للإسناد .
7- قوات فرعية ( ثانوية ) مناسبة .
يوحى الاثنان الأولان أن من المرغوب فيه البحث
عن مناطق زراعية ، ومدن وطرق رئيسية . وتأثيرهما عام وليس محددا .
أما
معنى " أمن المناطق الخلفية " فسيوضح فى الفصل السادس عشر ، الخاص بخطوط
المواصلات .
والمطلب الأول والأساس هنا أن يشكل الموضع زاوية جيدة مع اتجاه أو قرب
خط الانسحاب .
أما
النقطة الرابعة ، فليس من الممكن فعلا أن يسيطر الجيش على منطقة كاملة من الأرض
بالطريقة التى يسيطر فيها على ساحة المعركة فى الانفتاح التعبوى . وعليه استخدام
" طليعة " كعين استراتيجية ، أو
أن يستخدم لذلك مفارزا منفردة ، أو جواسيس وغير ذلك ، وستكون مهمات الرصد التى
يقومون بها أسهل عليهم بطبيعة الحال فى الأراضى المفتوحة منها فى التلال والأراضى
المتموجة .
الاستراتيجية وبطبيعتها العامة تتحرك فى أبعاد الوقت والمسافة اللذان هما
أكبر من مثيلاتهما فى التعبية . فلو اتخذ جيش ما مواضعه على نهر أو على مبعدة من
ميل من الساحل ، أو من نهر كبير فسيعتبر أنه قد استند عليها استراتيجيا ، إذ
سيتعذر على العدو العثور على فسحة أو مجال لأى حركة إحاطة استراتيجية . ولن يورط
نفسه بمسيرات طويلة تستغرق أياما وأسابيعا فى مجال كهذا
تعتبر القلاع والحصون
نقاطا استراتيجية نسبة لحجومها وتأثيراتها على أجواء العمليات .
المتطلب العام الأول هو دفع " مقدمة
" ووحدات أخرى لواجبات رصد العدو .
أما الثانى فهو أن يوضع احتياط الجيش الكبير على مبعدة أميال فى الخلف ،
كيما يسهل انفتاحه وزجه بأجزاء منفصلة .
تصبح
الأجنحة ضعيفة فقط عندما لا تعود الظروف متوازنة مع بعضها البعض ، كأن يتفوق علينا
العدو من حيث القوة ، وعندما تكون خطوط مواصلات العدو أكثر أمانا .
من
السهل القرار على المسافة التى توضع فيها المقدمات ، وما دامت هذه ستنسحب فى
النهاية إلى الموضع الرئيسى للجيش ، فيمكن أن توضع وعلى الأكثر على مسيرة يوم واحد
دون أن تتعرض لمخاطر خوض معركة منفصلة .
إن
اشتباكا عاديا تخوضه فرقة تعدادها من (8-10) آلاف رجل سيطول عادة لعدة ساعات أو
حتى نصف يوم قبل حسم المعركة . لذلك يمكن وضع فرقة كهذه ودون أى قلق على مسيرة بضع
ساعات – ولنقل من (5-10) أميال . ولنفس السبب يمكن وضع فيلق مؤلف من (3-4) فرق على
مسيرة يوم واحد – أو من (15-20) ميلا .
وهكذا
تحدد طبيعة الأشياء الترتيب العام لمواضع القسم الأكبرفى أربع أو خمسة أجزاء وعلى
مسافات معينة .
تنبع الضرورة
لهذا التقسيم عادة من الظروف والإجراءات التى يفرضها عامل الوقت ، فعند اقتراب
العدو بحثا عن قرار حاسم يتحقق باشتباك رئيسى ، تنتهى إذ ذاك الصفحة الاستراتيجية ،
ويتركز كل شئ بعدها على دقائق المعركة .
كما تنتهى كل أسباب
ومبررات تجزأة الوضع الآن . وحال دخول المعركة تعلق كذلك قضايا التموين والاسكان
.
إن أفضل مقياس لقيمة المواضع المجزأة هو أن ذلك التوزيع المنفصل ليس سوى
حالة ظرفية ، وشر لابد مه ، بينما يظل خوض القتال بقوات وقطعات مشتركة هو الهدف
الحقيقى .
0 التعليقات:
إرسال تعليق