عن الحرب 70
الكتاب الثامن
خطط الحرب
فليس سوى عبقرية القائد ، وقدرته على رؤية
الأشياء ببساطة ومطابقة كل أعمال الحرب تماما مع ما فى نفسه ، وذلك هو جوهر وأساس
الزعامة (generalship) الجيدة .
الحرب المطلقة والحرب الحقيقية
الهدف
الأول هو هذفها السياسى ، أما الآخر فهو غاية العمليات العسكرية ، هذا هو المبدأ
الحاكم الذى سيحدد مسارها ، ويعين أنطقة الوسائل والجهد المطلوبين لذلك .
الحرب
تعتمد على تفاعل وتداخل الأمكانيات والاحتمالات ، وعلى الحظ الحسن أو السئ كذلك ،
وعلى الظروف التى غالبا ما لا تلعب فيها الحجج المنطقية جدا أى دور نهائى ، والتى
تلعب وعلى العكس من ذلك دور الأدوات الفكرية المعرقلة أو غير المناسبة .
متى
يمكنه عمل شئ ما ، ومتى يتوجب عليه القيام به .
الاعتماد المتبادل لعناصر الحرب
هناك
نتيجة واحدة مهمة وذات جدوى : الانتصار النهائى ، ولن يحسم أى شئ حتى يتحقق ذلك ،
ولن بربح أو يخسر أى شئ ، وعلينا فى رب من هذا النوع أن نضع نصب أعيننا وعلى
الدوام ، أن النهاية هى التى تتوج العمل ، لذا فالحرب ضمن مفهوم الحرب المطلقة ،
حرب لا تتجزأ ، وأجزائها المركبة (الانتصارات المنفردة) ليست بذات قيمة إلا بقدر
علاقتها بالكل
فلم
يكن لاحتلال موسكو ونصف روسيا 1812 أية فائدة لنابليون بونابرت مالم تحقق له
السلام الذى كان يريد ، إلا ـن تلك الانتصارات ليست سوى أجزاء من خطته للحملة :
ومالم يتحقق بعد هو دحر الجيش الروسى ،
ولو أضيف هذا الإنجاز إلى البقية ، كان
السلام الذى يسعى إليه نابليون سيتحقق دون شك وبأفضل شكل يريده ، إلا أنه فات أوان
إنجاز القسم الثانى من خطته ، ففاته الحظ وولت الفرصة . لذا لم يضيع نابليون
الموقف المؤزر بالانتصارات وحسب بل تحول الأمر كله إلى مأساة (اندحار)
نطاق الأهداف العسكرية ، وقياس
الجهد الواجب لقيام به
تعتمد
درجة القوة التى يجب استخدامها ضد العدو على حجم المتطلبات السياسية للطرفين .
نادرا
ما تكون معروفة بشكل تام – ولعل ذلك أحد الأسباب فى عدم بذل الطرفين أو اجهاد
نفسيهما بنفس الدرجة .
ولا
تتشابه أيضا مواقف وظروف المتحاربين أيضا ، ويمكن أن يشكل هذا عاملا ثانيا .
كذلك
حال التفاوت فى الحكومات من حيث قوة الإرادة ، والمزايا والسمات وكذلك فى القدرات
.
تنتج
هذه الاعتبارات الثلاث ، الشكوك التى تجعل من الصعب قياس حجم المقاومة التى ستواجه
، وبالتالى الوسائل المطلوبة وما يجب تعيينه من أهداف .
القدرة على استخدام ملكة التمييز للعثور على أكثر العناصر أهمية وحسما من
بين الخليط الهائل من الحقائق والمواقف .
للوقوف على حجم الموارد الواجب تعبئتها للحرب ، علينا التمعن أولا فى
غايتنا السياسية ، وغايات العدو ، كما يجب علينا تفحص وقياس قوة وموقف الدولة
المعادية ، وتفحص شخصية وقدرات حكومتها وشعبها وفعل الشئ نفسه مع مثيلاتها لدينا ،
وأخيرا على تقويم التعاطف السياسى للدول الأخرى وحجم التأثير الذى ستصبه الحرب
عليها ، يتطلب التقدير السريع والصحيح لكل ذلك بوضوح حدسا وقدرات عبقرية .
تنفرد
حروب الإسكندر بنهجها الخاص ، إذ وبجيش صغير ولكنه فائق التنظيم والتدريب ، تمكن
الإسكندر من تحطيم الدويلات الآسيوية الهشة .
يمكن
اعتبار عهد لويس الرابع عشر فى نهاية القرن السابع عشر النقطة التى وصل عندها تاريخيا
الجيش الدائم ومرحلة النضج وغدا بشكل مشابه لجيش القرن الثامن عشر .
لقد اعتمد
الجيش على الأموال والتجنيد ، كما أنجزت الدول الأوربة الوحدة الوطنية التامة .
كان
الإنفاق على الجيوش يتم من الخزانة التى كان الحكام يعتبرونها كيسهم الخاص للصرف ،
أو على الأقل من أموال الحكومة وليست ملكا للشعب ، وفيما عدا بعض الأمور التجارية ،
لم تكن العلاقات مع الدول الأخرى لتعنى شيئا للشعب ، بل فقط لوزارة المالية (Treasury) أو الحكومة ، وكان هذا هو الاتجاه السائد على الأقل إذ كانت
الحكومة تتصرف وكأنها تمتلك وتدير ملكية كبيرة تسعى دائما لتوسيعها – بجهد لا يمكن
أن نتوقع أن يبدى الشعب أى اهتمام به .
هكذا
غدت الحرب اهتماما وحيدا للحكومة وألى الحد الذى تنهى فيه الحكومة شراكتها مع
الشعب وتتصرف وكأنها الدولة ، كما باتت وسائلها لإشعال الحرب تتألف من النقود
الموجودة فى خزاناتها ومن أولئك المشردين الذين بوسعها جمعهم إما من أبناء الشعب
أو من الأغراب ( من الخارج ) .
0 التعليقات:
إرسال تعليق