عن الحرب 7
فى العبقرية العسكرية
يحتاج
كل نشاط معقد إلى موهبة فكرية مناسبة ، ومزاج خاص ، فإن توافرت هذه المزايا وأفصحت
عن نفسها بشكل وفى انجازات غير استثنائية ، جاز لنا وصف مالكها ب " العبقرى
" ، فهي جدارة عقلية عالية ومتطورة
فى حرفة أو اختصاص معين .
تنسجم
العبقرية فى مزيج متناغم من العناصر ، يتزامن إمتلاك العبقرية العسكرية مع ارتفاع
درجة التمدن .
الحرب
ساحة الخطر لذا فالشجاعة هى أول مستلزمات الجندى ، تكون الشجاعة على نوعين : شجاعة
فى مواجهة خطر شخصى ، وشجاعة فى تحمل المسئولية إما بوجه سطوة قوى خارجية أو أمام
قوة ضمير الانسان نفسه .
النوع
الأول أكثر ضمانا ويمكن التعويل عليه ، حتى ليعد كطبيعة ثانية ، ولن تخون صاحبها ،
أما النوع الآخر فغالبا ما تكون الأقوى فى الانجاز ، هناك الكثير من الاعتماد (
التعويل ) فى الأول ، والكثير من الجرأة فى الثانى ، يترك الأول العقل هادئا ، بينما يميل الثانى إلى الإثارة ، إلا أنها
يمكن أن تكون عمياء ، وأعلى أنواع الشجاعة هو مزيج من الاثنين .
لو
تتبعنا المتطلبات التى تفرضها الحرب على ممارسيها ، فسنصل ألى المنطقة التى تتحكم
فيها قوة الفكر Powers of intellect
.
الحرب مجال الضبابية واللامعلوم
، وتغرق ثلاثة أرباع العوامل التى يعتمد العمل الحربى فى ضباب يزيد وينقص من
اللايقين .
ستدعو
الحاجة إلى قرار متفهم ومتميز فى دقته ، وفكر ثاقب لتحرى واكتشاف الحقيقة .
(
الحرب مجال الصدفة ، تجعل الصدفة كل شئ محتمل وغير مؤكد كما أنها تتدخل فى المسار
الكلى للأحداث . )
إذا
أريد للعقل أن يخرج دون أذى من صراعه المرير مع ما ليس متوقعا
فلا يمكن الاستغناء
عن ميزتين :
-
الأولى : ذكاء متوقد حتى فى أشد
الساعات حرجا ، وقادر على الاحتفاظ ببعض ومضات من النور الداخلى الذى يقود الحقيقة
.
-
الثانية : الشجاعة لمتابعة ذلك
الضوء الخافت حيث اتجه .
الفهم بلمحة خاطفة ، والثانية بالعزم ، لا
يشير إلى الرؤيا المادية ( بالعين المجردة ) ، بل إلى وعلى الأكثر " العين
الداخلية " – البصيرة - .
العزم
فى مثال واحد ليس إلا تعبيرا عن الشجاعة ، أما إذا أصبح سمة شخصية ، أصبح عادة
عقلية . إلا أننا نشير هنا إلى شجاعة مادية بل إلى الشجاعة فى تحمل المسئولية ،
شجاعة فى مواجهة خطر معنوى . وغالبا ما تدعى هذه بالشجاعة الروحية ، لأنها من صنع
العقل : إنها من أعمال الطبع ( المزاج ) . فالفكر لوحده ليس شجاعة ، وغالبا ما نرى
أن أكثر الأذكياء من المترددين ، طالما كان الرجل عند تسارع الأحداث محكوما
بمشاعره أكثر مما بفكره ، سيحتاج الفكر لاستثارة ميزة الشجاعة ، ثم دعمها
والمحافظة عليها خلال العمل .
ولو
نظرنا إلى العزم بهذه الطريقة فدوره تقليص مخاوف الشك وخطر التردد عندما لا تكون
دوافع ومحفزات العمل كافية .
الخلاصة ، نحن نعتقد أن العزم ينبثق عن عقل من نوع خاص ، العقل القوى وليس
اللامع ، وبوسعنا تقديم برهان آخر على هذا التفسير ، وذلك بإيراد الكثير من
الأمثلة عن رجال أظهروا كثير من البسالة وقوة العزم عندما كانوا ضباطا صغارا ، إلا
أنهم فقدوا ذلك مع تقدمهم فى سلم الرتب . فهم ومع إدراكهم قوة الحاجة لأن يكونوا
حازمين ، يدركون أيضا أبعاد ومخاطر أى قرار خاطئ ، وطالما لم يعتادوا بعد المعضلات التى باتوا يواجهونها ، فقدت عقولهم
جديتها ووضوحها .
أربعة
عناصر تشكل مناخ الحرب ، وهى الخطر والجهد والمجهول ، والفرصة ، لتحقيق التقدم فى
التعامل ووسط تلك العناصر الطاغية ، بشئ من النجاح والطمأنينة يستخدم كتاب ومؤرخو
الحرب ووفقا للظروف مصطلحات مثل ، الطاقة ، و الصلابة ، والصمود ، والتوازن
العاطفى ، وقوة الشخصية .
0 التعليقات:
إرسال تعليق