ثروة الأمم 19
إن ثروة البلد ، وإن كانت كبيرة جدا ، فهى إذا
ما ظلت راكدة فترة طويلة ، فيجب ألا نتوقع رؤية أجور العمل مرتفعة فيه .
الصين لم تزل من أغنى البلدان ، وأخصبها ، وأكثرها زراعة وصناعة وسكانا فى
العالم ، غير أنها تبدو راكدة منذ منذ زمن طويل ، فماركو بولو ، الذى زارها منذ
أكثر من خمس مئة عام ، يصف زراعتها ، وصناعتا وازدحامها بالسكان ، بنفس الألفاظ
التى يصفها بها الرحالة فى هذه الأيام .
ومن الجائز أن تكون قد توصلت حتى ،
من قبل ماركو بولو ، إلى ذلك التمام من الثروات التى تسمح لها طبيعة قوانينها
ومؤسساتها بأن تكتسبه . إن روايات كل الرحالة ، غير المتماسكة فى الكثير من الوجوه
، تتوافق على تدنى أجور العمل فيها ، وعلى الصعوبة التى يعانيها العامل فى إعالة
أسرته فى الصين . فإذا استطاع بعد حفر الأرض طيلة اليوم ،
أن يحصل ما يشترى له
كمية من الأرز فى المساء رضى بما حصل . كما أن حال أصحاب الحرف اليدوية أسوأ
.
فبدلا من أن يجلسوا فى محترفاتهم ،
لا مبالين ، منتظرين دعوة الزبائن لهم ، كما هى الحال فى أوربا ، فهم يدورون
باستمرار فى الشوارع ومعهم عدة حرفتهم ، يعرضون خدماتهم ، كما لو أنهم يتسولون
العمل .
والفقر الذى تعانى منه طبقات الشعب الدنيا فى الصين يتجاوز بكثير كل ما
يعرف عن أكثر أمم أوربا تسولا .
إلا أن الصين ، وإن صح أنها
راكدة ، لا تبدو فى حال تقهقر ، فالسكان لم يهجروا أيا من مدنها . والأراضى التى
كانت مزروعة ليست مهملة فى أى مكان ، لا بد إذا من أن تتم تأدية نفس الأعمال أو ما
يقاربها سنويا .
السخاء فى مكافأة العمل مؤشر على
تزايد ثروة الأمة بقدر ما هو نتيجة ضرورية من نتائج هذا التزايد ، أما هزال
الإبقاء على الكادحين الفقراء مؤشر طبيعى على أن الأمور واقفة ، كما أن حال الفاقة
والتضور فمؤشر على أن الأحوال تتدهور بسرعة
ثمة تمييز فى كل أنحاء بريطانيا
العظمى ، حتى فى أدنى أنواع العمل ، بين أجور الصيف وأجور الشتاء ، فأجور الصيف
أغلى دائما .
إن عدم التماثل فى تغيرات سعر
العمل وتغيرات سعر المواد التموينية لا يقتصر على المكان أو الزمان ، بل كثيرا ما
تكون تلك التغيرات متعاكسة .
ففى إسكتلندا تؤكد بينة التصرفين
المطلقين Fiars
العلنية ، وهى تقويمات سنوية ، السنوية تجرى بعد قسم اليمين ، وفقا لحال الأسواق
الفعلية ، لكل أنواع الحبوب فى كل مقاطعة من مقاطعات إسكتلندا .
ولا يمكن يقينا لأى مجتمع أن
يكون مزدهرا وسعيدا ، إذا كان السواد الأعظم من أفراده فقراء بائسين . لا بل إنه
لمن الإنصاف ، فضلا عن ذلك ، أن يكون لأولئك الذين يطعمون الكل ، ويكسونهم ،
ويؤونهم حصة من نتاج عملهم الخاص تكفل إطعامهم ، وكسوتهم ، وإيواءهم بشكل معقول
ومرض .
على أن الفقر ، وإن كان بلا شك
يثنى عن الزواج ، فهو لا يحول دونه ، لا بل إنه يبدو مؤاتيا للإنجاب ، من ذلك
أنامرأة نصف جائعة من الهضاب العليا هايلاند كثيرا ما تنجب أكثر من عشرين ولدا ،
بينما تعجز سيدة مرفهة رائقة فى كثير من الأحيان عن إنجاب ولد واحد ، كما أنها
تنهك إجمالا بعد إنجاب ولدين أو ثلاثة ،
العقم شائع جدا بين النساء المترفات ،
نادر جدا بين نساء الطبقة الدنيا . فالترف عند الجنس اللطيف ، وإن استطاع إثارة
الرغبة فى التمتع ، يبدو أنه يضعف دائما ، وأحيانا يقضى نهائيا على قوى التناسل .
فزيجاتهم ، وإن كانت إجمالا أوفر
نسلا من الناس المترفين ، فإن نسبة ضئيلة من أولادهم يبلغون سن النضج .
يتكاثر كل نوع من أنواع الحيوان
بصورة طبيعية تتناسب مع وسائل بقائه ، ولا يمكن لأى نوع من أن يتكاثر أكثر من ذلك
.
فكما أن العرض السخى للعمل هو
نتيجة من نتائج الثروة المتزايدة ، فهو أيضا سبب فى تزايد السكان ، فالشكوى منه
إنما هى التباكى على النتيجة الضرورية والسبب الأول فى الازدهار العام الأعظم .
تبدو حال العمال الفقراء ، حال
السواد الأعظم من الشعب ، كأسعد وأرفه ما تكون . وهى حال عسر فى المجتمع الراكد ،
وبؤس فى المجتمع المتقهقر ، فالدولة المتقدمة هى فى الحقيقة الدولة القوية العزم
المنشرحة الصدر بالنسبة إلى كافة مراتب المجتمع ، أما الراكدة فمغمومة البال ،
وأما المتقهقرة فكئيبة .
إن العوض السخى للعمل من كد عوام
الناس مثلما يشجع على تكاثرهم ، فحيث تكون الأجور مرتفعة نجد دائما العامل أنشط
وأصبر ، وأسرع من المواضع التى تكون فيها متدنية .
والكد المفرط خلال أربعة أيام فى
الأسبوع غالبا ما يكون السبب الحقيقى للبطالة خلال الأيام الثلاثة الأخرى .
أعتقد
أن الرجل الذى يعمل باعتدال يمكنه من العمل باستمرارلا يحافظ على صحته لأطول مدة
ممكنة فحسب ، بل هو الذى ينتج الكمية الكبرى من العمل على مدار السنة .
كل المصانع الكبرى التى تبيع هذا
النتاج فى أماكن قصية من أن يعتمد بالضرورة على على الظروف المؤثرة فى الطلب فى
البلدان التى يستهلك فيها ، وعلى السلم والحرب ،
وعلى ازدهار المصانع الأخرى
المنافسة أو انحطاطها ، وعلى إعتدال مزاج زبائنها الرئيسيين أو اعتكاره ، أكثر من
اعتماده على غلاء المواسم أو رخصها فى البلدان التى صنع فيها .
فالسعر النقدى
للعمل ينتظم ضرورة بظرفين : الطلب على العمل ، وسعر ضروريات الحياة وكمالياتها .
إن الزيادة فى أجور العمل تزيد
بالضرورة سعر الكثير من السلع ، وذلك عبر زيادة ذلك القسم منها الذى يعود إلى أجور
العمل ، وتميل إلى تقليص استهلاكها فى الوطن وخارجه ، ولكن السبب نفسه الذى يرفع
أجور العمل ، وزيادة رأس المال ،
يميل غلى زيادة طاقته الإنتاجية ، وإلى جعل كمية
صغرى من الجهد تنتج كمية كبرى من العمل .
0 التعليقات:
إرسال تعليق