07‏/11‏/2016

ثروة الأمم 26

ثروة الأمم 26



   تستمد كل مدينة كافة موارد بقائها ، وكل المواد اللازمة لصناعتها من الريف ، وهى تدفع ثمن ذلك أساسا بطريقتين : 

أولا : بإرسال جزء صغير من تلك المواد المصنعة إلى الريف ، بحيث يرتفع سعرها جراء أجور العمال ، وأرباح معلميهم أو أرباب عملهم المباشرين ، 

ثانيا : بأن ترسل إليها جزءا من الناتج الخام أو المصنع المستورد إلى المدينة من بلدان أخرى و من أنحاء قصية من الريف نفسه ، وفى هذه الحال يضاف إلى السعر الأصلى لهذه السلع أجور الحمالين او البحارة ، فضلا عن أرباح التجار الذين استخدموهم 

 وفى ما يكتسب من الفرع الأول من فرعى التجارة هذين يقع المكسب الذى تحققه المدينة من خلال مشاغلها ، وفى ما يكتسب من الفرع الثانى يقع المكسب من التجارة الداخلية والخارجية . 

   ولذلك فإن التنظيمات ، مهما كانت ، تميل إلى زيادة تلك الأجور والأرباح إلى حد يفوق ما قد تكون عليه لولاها  وتميل إلى تمكين المدينة من أن تشترى بكمية عملها الصغرى ، نتاج كمية أكبر من عمل الريف . 

  فهم يمنحون أصحاب الصنائع والعمال المهرة فى المدينة مزية على أصحاب الأرض ، والمزارع ، والفلاحين فى الريف ، ويكسرون تلك المساواة الطبيعية التى من شأنها أن تقع فى المعاملات القائمة بينهم لولا ذلك .

 فكامل النتاج السنوى لعمل المجتمع ينقسم سنويا بين هاتين المجموعتين من الناس ، وبواسطة هذه التنظيمات تصل حصة منه إلى أيدى سكان المدينة أكبر مما كان من شأنه أن يصل إليهم لولا هذه التنظيمات ، ويصل إلى أيدى سكان الريف حصة أصغر . 

   فالثمن الذى تدفعه المدينة فعلا للمؤن والمواد التى تستوردها هى كمية المواد المصنعة وسواها من السلع التى تصدرها . وكلما باعت صادرتها بسعر أغلى إشترت وارداتها بسعر أرخص . 

وذلك يصبح جهد المدينة أربح وجهد القرية أقل ربحا . 

   أما أن الجهد المبذول فى المدن أربح فى كل مكان فى أوربا من نظيره المبذول فى الريف ، فأمر يمكننا الاقتناع به عبر ملاحظة بسيطة وواضحة ، ففى كل بلد من بلدان أوربا نجد على الأقل مئة شخص جمعوا ثروات طائلة من بدايات صغيرة فى التجارة والصنائع اليدوية ، وهوالجهد المنتمى إلى المدن بخاصة ، مقابل واحد تمكن من فعل ذلك بالجهد المنتمى إلى الريف بخاصة ، 

وذلك بجنى المحصول الخام بإصلاح الأرض وزراعتها . لذلك ينبغى للجهد أن يكون أفضل مكافأة ، وينبغى لأجور العمل وأرباح رأس المال أن تكون أكبر فى الحالة الأولى مما هى فى الحالة الثانية ، ولكن رأس المال والعمل يطلبان دائما الاستخدام الأربح . 

ولذلك يلجآن بصورة طبيعية وقدر المستطاع إلى المدينة ، ويهجران الريف . 

   إن سكان المدينة يضمهم مكان واحد ، لذلك فهم أقدر على الاتحاد فيما بينهم . روح الاتحاد النقابى ، والغيرة من الأجانب ، والنفور من إتخاذ المتدرجن ، و البوح بسر الصنعة ، يسود صفوفهم إجمالا ، وغالبا ما يعلمهم عبر الروابط والإتفاقات الطوعية ، أن يحولوا دون التنافس الحر الذى لا يستطيعون حظره بواسطة الأنظمة الداخلية . 

والحرف التى لا تستخدم إلا عددا قليلا من الأيدى تنخرط فى روابط كهذه بمنتهى السهولة       

                  
   وهم إذا ما اتحدوا على عدم إتخاذ متدرجين فهم لا يقتصرون على احتكار العمل ، بل يختزلون الشغل اليدوى كله إلى ضرب من العبودية لهم ، ويرفعون سعر عملهم أعلى بكثير مما تستحقه طبيعة عملهم . 

   أما سكان الريف المتناثرون فى أماكن متباعدة فلا يستطيعون الاتحاد بسهولة . فالأمر لا يقتصر على أنهم لم يتحدوا فى نقابة من قبل فحسب ، لا بل إن الروح النقابية لم تسد فى صفوفهم قط . 

   والفلاح العادى وإن كان يعتبر إجمالا كنموذج للحماقة والجهل ، قلما يكون قليل الحنكة والحصافة . 

فهو أقل اعتيادا على العلاقات الاجتماعية من الميكانيكى المقيم فى المدينة ، صوته ولغته أجفى وأعسر على الفهم على أولئك الذين لم يألفوهما .

 أما فهمه الذى اعتاد النظر فى تشكيله أكبر من الأشياء ، فيتفوق إجمالا على فهم الآخرين الذين يتركز انتباههم كله من الصبح إلى المساء على القيام بعملية بسيطة أو اثنتين . 

أما مدى تفوق أدنى مراتب الناس فى الريف فعليا على أهل المدينة فأمر معروف تماما لكل رجل دعاه عمله أوفضوله إلى التحادث طويلا مع كلا الفريقين . 

ولذلك نجد فى الصين وهندوستان أن مرتبة وأجور العمال الريفين أعلى ، فى ما يروى ، من مرتبة وأجور القسم الأكبر من العمال المهرة وأصحاب الصنائع .

 والأرجح أن يكونوا على هذا النحو فى كل مكان ، لولا أن حالت قوانين النقابات وروحيتها دون ذلك .

0 التعليقات: