روح الإشتراكية 24
تنقسم الأمم التى تقدر على المقاومة فى النزاع
القريب إلى قسمين : القسم الأول يحتوى على الأمم التى تقدمت فلاحتها تقدما كافيا
وظل عدد أفرادها من القلة بحيث يقدرون على القيام بحاجات أنفسهم معرضين عن التجارة
الخارجية تماما ، ويحتوى القسم الثانى على الأمم المزدانة بملكة الاستنباط
والإرادة وبالكفاءة الصناعية إزديادا تفوق به على ما يقابل هذه الصفات عند الأمم
الشرقية .
فأما الأمم التى تنتسب اليوم إلى القسم الأول
فقليل عددها ، ومن حسن الظن أن فرنسا معدودة منه فهى تنتج ما يكفى لمعيشة سكانها
على وجه التقريب وتسير بغريزة صادقة إلى
عدم الإفراط فى زيادة عدد سكانها مستخفة
بعويل رجال الإحصاء ونحيبهم ويكفى لوصولها إلى إنتاج ما يقوم بحياتها على أن تزيد
غلالها شيئا يسيرا أو تقلل عدد سكانها قليلا ، و لما كانت لا تنجح فى الصناعة
والتجارة عليها أن توجه جميع مجهوداتها نحو الزراعة دون أن تقيد نفسها بهما .
وأما الأمم من القسم الثانى فنعد منها الأمة
الانكليزية والأمة الأمريكية ، فهاتان الأمتان لا تقدران على تأييد تفوقهما إلا
بما تبذلانه من النشاط العظيم فى إتقان آلاتهما إتقاا مستمرا ، إذ النزاع فى هذا
المضمار سيكون بين أصحاب القابليات العليا وبين أصحاب القابليات المتوسطة والدنيا
.
إن ملكة الاستنباط والكفاءة
هما صفتان ضروريتان للاستمرار على هذا الطريق ، وهما على قلة الأمم التى تتحلى
بهما خير ميراث ترثه هذه الأمم القليلة وإن كان ينفر منهما الاشتراكيون ، إذ
بمثلهما يمكن اقتحام أشد المصاعب .
وسيجد الانغلو سكسونيون
دواء آخر إذا لم تكلل مجهوداتهم بالنجاح ، وقد أخذوا منذ زمن يفتشون عنه : فقد نجح
كثير من مموليهم فى مزاحمة الشرقيين بتأسيسهم مصانع فى الشرق نفسه يشتغل فيه عمال
شرقيون فلما عيل صبر الممولين البريطانيين من العمل بخسارة فى انكلترا شرعوا
يختارون الهند وطنا لهم ويزاحمون النتجات الانكليزية بأنفسهم ، وإذا عمت هذه
الهجرة – أى هجرة ذوى القابلية ورءوس الأموال – فإنها تترك العامل الانجليزى لا
عمل له فى بلده وتكون نتيجتها هداية الممولين إلى الطريق التى تسوقهم إليها مطالب
الاشتراكيين فى المستقبل .
وسوف
تنتشر الاشتراكية فى هذه البلاد دون أن يعوقها شئ وتوطد دعائم استعبادها الثقيل
بعد أن تخلو حسب هذه الصورة من رءوس الأموال ومن أصحاب المدارك السامية ولا يبقى
فيها سوى القليل من المال والذكاء .
والخلاصة أن عمل الفعلة سيكون كثير الصعوبة قليل الأجرة ،
وسيرينا المستقبل القريب – خلافا لأحلام الاشتراكيين – إن هذا العمل أكثر صعوبة
وأقل أجرة لأن المدنيات الكبيرة لا تستطيع أن تبقى إلا بالتدريج فى استرقاق طبقة
العمال ، ومن مقتضيات النظام الصناعى والنظام الآلى اشتداد ضغطهما يوما فيوما ،
وربما لا تقدر أمم أوربا الصناعية والتجارية على منازعة الشرق فى الميدان
الاقتصادى منازعة لا تفشل فيها إلا بما تقوم به من العمل الشاق والكد الهائل ،
وسيكون هذا النزاع حربا أشد فتكا وأدعى لليأس من ملاحم الماضى الحربية ،
لعدم
الوهم والأمل فيه ، فالضياء الترجرج الذى يخرج الآن من مصابيح إيمان أجدادنا
المفرج عن القلوب سينطفئ عن قريب وسوف لا يكون للرجل الذى كان يجاهد فى سبيل قومه
ووطنه وآلهته مثل أعلى يجاهد فى سبيله فى المعارك الالقدمة سوى الأكل كما يشتهى أو
عدم الموت جوعا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق