روح الإشتراكية 15
يقتضى
ان تكون هذه الأنظمة والمعتقدات ملائمة لأخلاق من تطبق عليهم من الناس
ولاحتياجاتهم .
المجتمعات تشبه الحيوان فى كونها لا تتطور
إلا بتبدلات إرثية صغيرة متوالية .
لما كانت الشعوب اللاتينية مشربة بمبادئ
السلطة القاهرة فقد حرمت هذه المبادئ على الأمم المذكورة مدة ثلاثة قرون التفكير و
الارادة والعمل وما كان للتربية نتيجة غير تثبيت هذه المحرمات الثلاث ، فالدين كان
يمنع الناس من التفكير و الاشتغال بالمعقولات وولاة الأمور كانوا يريدون ويعملون
لأجل المجموع ،
وهكذا اعتاد الناس الانقياد الى تعاليم الكنيسة التى عدت بأنها لا
تخطئ والى أوامر الملوك الذين كانوا يستمدون سلطانهم من الله ولا يخطئون . كان هذا
الخضوع سببا لازبا لوحدة الشعوب اللاتينية وقد منحها فى بعض الأحوال و الأحيان قوة
عظيمة ، إذ من خصائص هذه الشعوب ان تصبح زاهرة إذا كان على رأسها رجال نوابغ ولا
تزهر إلا بذلك .
قد يتحمل الناس فى البلاد التى نمت فيها
ملكة الاستنباط منذ زمن بعيد و اصبح شأن الحكومة عندها صغيرا نتائج التطور
الاقتصادى الحاضر ،
و أما الأمم التى لا يتصف افرادها بتلك الملكة فقد صارت عزلاء
وطلبت الى قادتها الذين كانوا يحلون مكانها فى التفكير والعمل مديد المعونة اليها
.
ربما لا يوجد على وجه الأرض أمة أتت بثورات
كالأمم اللاتينية مع أنه لا يوجد أمة أشد تعلقا منها بنظم الماضى ، ولم تفض
ثوراتها الدامية الى غير تسمية انظمتها القديمة بأسماء جديدة .
كانت الحياة المحلية فى المديريات خامدة كما
هى الآن لتدرج البلاد نحو المركزية التى لم تكن ثمرة لحكم الملوك المطلق بل كانت
نتيجة لعدم اكتراث السكان .
-----------------------------------
ان مبدأ التربية نتيجة لمبدأ الحكومة عند
الأمم اللاتينية ، إذ انه لما كان على حكومتها ان تدير كل شئ وجب عليها ان تدير
التربية أيضا ، ولما كان عليها ان تفكر وتعمل لأجل سكان البلاد وجب عليها ان تسعى
لتطبع النفوس على حب الطاعة وتقمع كل ميل الى الاستقلال الشخصى ، فالتلميذ يطلب
اليه ان يقتصر على ما فى الكتب الموجزة من الخطط الدالة على ما قررته السلطة
السياسية و الدينية و الفلسفية و العلمية من المسائل .
هذا هو مثل اليسوعيين
الأعلى القديم الذى أتمه نابليون بمهارة ، ولا تزال الجامعات كما كونها هذا
المستبد الكبير مثالا للطرق المؤدية الى استعباد الذكاء وانحطاط الأخلاق وتحويل
الشبيبة اللاتينية الى أرقاء أو عصاه متمردين .
تختلف التربية اللاتينية عن التربية
الانغلوسكسونية من حيث انها تؤدى بأنظمتها الدقيقة القاسية الى هدم ملكة الاستنباط
و الاستقلال النفسى و الارادة عند الطالب .
ليست برامج الجامعات هى التى يجب تبديلها
بل طرق التعليم .
الخلاصة ان هذه المبادئ الثلاثة الأساسية –
أى مبدأ الحكومة و مبدأ التربية و المبدأ الدينى – أعانت على تكوين الروح اللاتينية
وأدت الى ظهورها بشكلها الحاضر ، وقد خضعت جميع الأمم التى نالت قسطا من الحضارة
لأحكام هذه المبادئ ولم تشذ واحدة منها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق