ثروة الأمم 27
ولذلك فإن الريع على ، ما يلاحظ ، يدخل فى
تركيب سعر السلع على نحو مختلف عن الأجور والربح
إن التفوق الذى يتمتع به جهد أهل المدن فى كل مكان من أوربا على أهل الريف
لا يعود فى كليته إلى النقابات وقوانينها .
بل إنه يرتكز أيضا إلى العديد من
التنظيمات الأخرى ، فالرسوم المرتفعة على الصناعات الأجنبية ، وسائر السلع التى
يستوردها التجار الأجانب ، تميل كلها نحو الغاية نفسها ،
فقوانين النقابات تمكن
أهل المدينة من أن يرفعوا أسعارهم دون خشية من المضاربة فى السعر جراء منافسة
مواطنيهم .
وتلك التنظيمات تحميهم أيضا من منافسة الأجانب . فارتفاع الأسعار الذى
سببه الأمران إنما يدفع ثمنه أصحاب الأراضى ، والمزارع ، والفلاحون الريفيون ،
الذين قلما اعترضوا إنشاء احتكارات كهذه . فهم لا يميلون عادة ولا يقتدرون على
الدخول فى اتحادات .
ويبدو أن تفوق جهد المدن على جهد
الريف .
ورأس المال المتراكم فيها يصل مع الوقت إلى أن يكبر إلى حد لا يعود من
الممكن استخدامه مع الربح نفسه فى ذلك النوع من الجهد المميز لها .
ولهذا الجهد
حدوده ككل جهد آخر ، وتزايد رأس المال ، إذ يزيد المنافسة ، يحد ضرورة من الربح
وانخغاض الربح فى المدينة يجبر راس المال على الخروج إلى الريف
حيث يرفع سعر
الأجور بإيجاده طلبا جديدا على العمل الريفى ، ثم ينتشر على وجه الأرض ، ثم من
خلال استخدامه فى الزراعة يعود منه جزء إلى الريف الذى كان رأس المال قد تراكم على
حسابه ، وإلى حد بعيد ، فى المدينة أصلا .
أهم
التحسينات التى طرأت على الريف فى كل أنحاء أوربا ، إنما كانت من جراء فيضان رءوس
الأموال التى تراكت أصلا فى المدن ، وإنى كانت بعض البلدان قد توصلت عبر هذه
الوسيلة إلى درجة معتبرة من الثراء ، فهذا أمر بطئ فى ذاته بالضرورة ، وغير مؤكد ،
وعرضة للعرقلة والاضطراب جراء عدد لا يحصى من الطوارئ ، وهو مخالف للطبيعة والعقل
من كل وجه .
الناس العاملون فى المهنة نفسها
قليلا ما يجتمعون ، حتى من أجل اللهو والترويح عن النفس ، ولكن الحديث ينتهى
بمؤامرة على الجمهور ، أو بحيلة ما لزيادة الأسعار .
والواقع أنه من المستحيل
الحؤول دون اجتماعات كهذه .
القانون وإن كان
لا يستطيع منع الأشخاص العاملين فى المهنة نفسها من الاجتماع معا فى بعض الأحيان ،
فإن من واجبه ألا يفعل شيئا لتسهيل اجتماعات كهذه ، ولا جعلها ضرورية طبعا .
فالنظام الذى يجبر كل العاملين
فى الصنعة ذاتها فى مدينة معينة أن يدونوا أسماءهم وأماكن إقامتهم فى سجل عام ،
يسهل أمثال هذه الاجتماعات .
فهو يصل ما بين أفراد ما كان من شأنهم أن يعرف أحدهم
بالآخر ، ويعطى كل رجل من أصحاب تلك الصنعة إرشادا إلى كيفية الوصول إلى كل فرد من
أصحابها .
والاتحاد فى نقابة لا يجعل هذه
الاجتماعات ضرورية فحسب ، بل يجعل فعل الأكثرية ملزما للجميع .
أما الزعم بأن النقابات ضرورية
لإدارة الصنعة إدارة فضلى فزعم لا أساس له من الصحة . فالضبط الحقيقى والفعال الذى
يمارس على صاحب لصنعة ليس ذاك الذى تفرضه نقابته بل زبائنه . فالخشية من فقدان
طلباتهم هى التى تقمع عشه وتقوم إهماله .
ومن شأن النقابة الحصرية أن تضعف قوة هذا
تضعف قوة هذا الضبط بالضرورة .
ولهذا
السبب لا يمكنك أن تجد فى أية من المدن الكبرى ذات الاتحادات النقابية أى صاحب
صنعة مقبول ، فإذا شئت أن ترى عملك منفذا بطريقة مقبولة فلابد من إنجازه فى
الضواحى ، حيث يفتقر أصحاب الصنائع ولا يملكون ما يعتمدون عليه إلا جودة عملهم ،
ثم عليك أن تهرب ذلك إلى المدينة حسبما تستطيع .
وقد اعتبر البعض أن تعليم عدد
مناسب من الشبان تعليما يؤهلهم لشغل المهن ، على جانب من الأهمية ، يدفع الجمهور ،
ويحرك نحوه بعض المؤسسين لتأسيس العديد من المعاشات والمنح والإعانات الدراسية
.
وفى اعتقادى أن السواد الأعظم من رجال الكنيسة فى كافة البلدان المسيحية
تمول على هذا النحو ، والقلة القليلة منهم يحصلون علومهم تلك من نفقتهم الخاصة ، ولذلك فإن التربية الطويلة
والمنهكة والمكلفة لأولئك الذين يفعلون ذلك لن تعود عليهم بالمكافأة الملائمة ،
إذ
إن الكنيسة مزدحمة بأناس مستعدين ، بغية الحصول على عمل ، للقبول بمكافأة أقل
بكثير مما كان من شأن ذاك المستوى من التعليم أن يؤهلهم ، لولا ذلك ، لأن يتقاضوه ،
وبهذه الطريقة تذهب منافسة الفقراء بمكافأة الأغنياء .
ذلك أنه يوم حرم الفقراء ، جراء
تقويض الأديرة ، من إحسان تلك المنازل الدينية ، وبعد محاولات غير مجدية ، تقرر فى
السنة الثالثة والأربعين من عهد إليزابث ، أنه يتعين على كل أبرشية أن تعيل فقراءها ، وأنه يجب أن يعين سنويا
مشرفون على الفقراء مكلفون بأن يجمعوا ، بالتعاون مع وكلاء الكنيسة ، مبالغ مناسبة
لهذه الغاية .
فالمتدرج نادرا ما يكون متزوجا .
فالمتدرج نادرا ما يكون متزوجا .
الريع من حيث اعتباره الثمن المدفوع لقاء
استعمال الأرض ،هو أعلى ما يستطيع المستأجر دفعه فى الظروف الواقعية للأرض .
فى
سياق تحديد شروط العقد يجتهد مالك الأرض فى أن لا يترك له من نتاج الأرض حصة أكبر
من تلك التى تكفى للحفاظ على رأس المال الذى يستثمره لشراء البذار ، وتسديد أجور
العمال ، وشراء الماشية وأعلافها وسوى ذلك من الأدوات الزراعية ، فضلا عن أرباح
رأس المال الزراعية المألوفة فى الجوار .
وهذه الحصة الصغرى التى يستطيع أى مستأجر
أن يرتضيها من دون أن يكون خاسرا ، وقليلا ما يرضى مالك الأرض بأن بقى له شيئا
أكثر من ذلك .
ومن الجائز أن يظن أن ريع الأرض
ليس فى كثير من الأحيان أكثر من ربح معقول ، أو فائدة على رأس المال الذى أنفقه
مالك الأرض على استصلاحها .
ربما كانت هذه هى الحال جزئيا فى بعض الأحيان، لأنها
لاتكاد تكون قط أكثر من ذلك . فمالك الأرض يطلب ريعا حتى عن الأرض غير المستصلحة .
والفائدة المفترضة أو الربح على نفقة الاستصلاح لا تتم من رأس مال المستأجر أحيانا
.
وعندما يحين موعد تجديد عقد الإيجار ، فإن مالك الأرض يطلب عادة الزيادة نفسها
وكأن الاستصلاح قد تم على نفقته .
لا بل إنه يطلب أحيانا ريعا عما
لا يمكن للإنسان استصلاحه . فثمة نوع من أعشاب البحر يسمى كلب Kelp ، وهو إذا ما
أحرق يستخرج من رماده ملح قلوى ،
يستعمل فى صناعة الزجاج ، والصابون ، وعدة أغراض
أخرى ، وهو ينبت فى مناطق عدة من بريطانيا العظمى ، ولا سيما فى إسكتلندا ، على
تلك الصخور التى تقع داخل نطاق مياه المد ، التى تغمرها مياه البحر مرتين كل يوم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق