07‏/11‏/2016

ثروة الأمم 27

ثروة الأمم 27



إن التفوق الذى يتمتع به جهد أهل المدن فى كل مكان من أوربا على أهل الريف لا يعود فى كليته إلى النقابات وقوانينها . 

بل إنه يرتكز أيضا إلى العديد من التنظيمات الأخرى ، فالرسوم المرتفعة على الصناعات الأجنبية ، وسائر السلع التى يستوردها التجار الأجانب ، تميل كلها نحو الغاية نفسها ،

 فقوانين النقابات تمكن أهل المدينة من أن يرفعوا أسعارهم دون خشية من المضاربة فى السعر جراء منافسة مواطنيهم . 

وتلك التنظيمات تحميهم أيضا من منافسة الأجانب . فارتفاع الأسعار الذى سببه الأمران إنما يدفع ثمنه أصحاب الأراضى ، والمزارع ، والفلاحون الريفيون ، الذين قلما اعترضوا إنشاء احتكارات كهذه . فهم لا يميلون عادة ولا يقتدرون على الدخول فى اتحادات . 

   ويبدو أن تفوق جهد المدن على جهد الريف .

 ورأس المال المتراكم فيها يصل مع الوقت إلى أن يكبر إلى حد لا يعود من الممكن استخدامه مع الربح نفسه فى ذلك النوع من الجهد المميز لها . 

ولهذا الجهد حدوده ككل جهد آخر ، وتزايد رأس المال ، إذ يزيد المنافسة ، يحد ضرورة من الربح 

 وانخغاض الربح فى المدينة يجبر راس المال على الخروج إلى الريف 
 حيث يرفع سعر الأجور بإيجاده طلبا جديدا على العمل الريفى ، ثم ينتشر على وجه الأرض ، ثم من خلال استخدامه فى الزراعة يعود منه جزء إلى الريف الذى كان رأس المال قد تراكم على حسابه ، وإلى حد بعيد ، فى المدينة أصلا . 

 أهم التحسينات التى طرأت على الريف فى كل أنحاء أوربا ، إنما كانت من جراء فيضان رءوس الأموال التى تراكت أصلا فى المدن ، وإنى كانت بعض البلدان قد توصلت عبر هذه الوسيلة إلى درجة معتبرة من الثراء ، فهذا أمر بطئ فى ذاته بالضرورة ، وغير مؤكد ، وعرضة للعرقلة والاضطراب جراء عدد لا يحصى من الطوارئ ، وهو مخالف للطبيعة والعقل من كل وجه .

   الناس العاملون فى المهنة نفسها قليلا ما يجتمعون ، حتى من أجل اللهو والترويح عن النفس ، ولكن الحديث ينتهى بمؤامرة على الجمهور ، أو بحيلة ما لزيادة الأسعار . 

والواقع أنه من المستحيل الحؤول دون اجتماعات كهذه .           

القانون وإن كان لا يستطيع منع الأشخاص العاملين فى المهنة نفسها من الاجتماع معا فى بعض الأحيان ، فإن من واجبه ألا يفعل شيئا لتسهيل اجتماعات كهذه ، ولا جعلها ضرورية طبعا .

   فالنظام الذى يجبر كل العاملين فى الصنعة ذاتها فى مدينة معينة أن يدونوا أسماءهم وأماكن إقامتهم فى سجل عام ، يسهل أمثال هذه الاجتماعات . 

فهو يصل ما بين أفراد ما كان من شأنهم أن يعرف أحدهم بالآخر ، ويعطى كل رجل من أصحاب تلك الصنعة إرشادا إلى كيفية الوصول إلى كل فرد من أصحابها . 

   والاتحاد فى نقابة لا يجعل هذه الاجتماعات ضرورية فحسب ، بل يجعل فعل الأكثرية ملزما للجميع . 

   أما الزعم بأن النقابات ضرورية لإدارة الصنعة إدارة فضلى فزعم لا أساس له من الصحة . فالضبط الحقيقى والفعال الذى يمارس على صاحب لصنعة ليس ذاك الذى تفرضه نقابته بل زبائنه . فالخشية من فقدان طلباتهم هى التى تقمع عشه وتقوم إهماله . 

ومن شأن النقابة الحصرية أن تضعف قوة هذا تضعف قوة هذا الضبط بالضرورة .               

 ولهذا السبب لا يمكنك أن تجد فى أية من المدن الكبرى ذات الاتحادات النقابية أى صاحب صنعة مقبول ، فإذا شئت أن ترى عملك منفذا بطريقة مقبولة فلابد من إنجازه فى الضواحى ، حيث يفتقر أصحاب الصنائع ولا يملكون ما يعتمدون عليه إلا جودة عملهم ، ثم عليك أن تهرب ذلك إلى المدينة حسبما تستطيع .


   وقد اعتبر البعض أن تعليم عدد مناسب من الشبان تعليما يؤهلهم لشغل المهن ، على جانب من الأهمية ، يدفع الجمهور ، ويحرك نحوه بعض المؤسسين لتأسيس العديد من المعاشات والمنح والإعانات الدراسية .       

   وفى اعتقادى أن السواد الأعظم من رجال الكنيسة فى كافة البلدان المسيحية تمول على هذا النحو ، والقلة القليلة منهم يحصلون علومهم تلك من  نفقتهم الخاصة ، ولذلك فإن التربية الطويلة والمنهكة والمكلفة لأولئك الذين يفعلون ذلك لن تعود عليهم بالمكافأة الملائمة ،

 إذ إن الكنيسة مزدحمة بأناس مستعدين ، بغية الحصول على عمل ، للقبول بمكافأة أقل بكثير مما كان من شأن ذاك المستوى من التعليم أن يؤهلهم ، لولا ذلك ، لأن يتقاضوه ، وبهذه الطريقة تذهب منافسة الفقراء بمكافأة الأغنياء . 

   ذلك أنه يوم حرم الفقراء ، جراء تقويض الأديرة ، من إحسان تلك المنازل الدينية ، وبعد محاولات غير مجدية ، تقرر فى السنة الثالثة والأربعين من عهد إليزابث ،  أنه يتعين على كل أبرشية أن تعيل فقراءها ، وأنه يجب أن يعين سنويا مشرفون على الفقراء مكلفون بأن يجمعوا ، بالتعاون مع وكلاء الكنيسة ، مبالغ مناسبة لهذه الغاية . 

فالمتدرج نادرا ما يكون متزوجا . 



   الريع من حيث اعتباره الثمن المدفوع لقاء استعمال الأرض ،هو أعلى ما يستطيع المستأجر دفعه فى الظروف الواقعية للأرض .

 فى سياق تحديد شروط العقد يجتهد مالك الأرض فى أن لا يترك له من نتاج الأرض حصة أكبر من تلك التى تكفى للحفاظ على رأس المال الذى يستثمره لشراء البذار ، وتسديد أجور العمال ، وشراء الماشية وأعلافها وسوى ذلك من الأدوات الزراعية ، فضلا عن أرباح رأس المال الزراعية المألوفة فى الجوار .

 وهذه الحصة الصغرى التى يستطيع أى مستأجر أن يرتضيها من دون أن يكون خاسرا ، وقليلا ما يرضى مالك الأرض بأن بقى له شيئا أكثر من ذلك . 

   ومن الجائز أن يظن أن ريع الأرض ليس فى كثير من الأحيان أكثر من ربح معقول ، أو فائدة على رأس المال الذى أنفقه مالك الأرض على استصلاحها . 

ربما كانت هذه هى الحال جزئيا فى بعض الأحيان، لأنها لاتكاد تكون قط أكثر من ذلك . فمالك الأرض يطلب ريعا حتى عن الأرض غير المستصلحة . 

والفائدة المفترضة أو الربح على نفقة الاستصلاح لا تتم من رأس مال المستأجر أحيانا .

 وعندما يحين موعد تجديد عقد الإيجار ، فإن مالك الأرض يطلب عادة الزيادة نفسها وكأن الاستصلاح قد تم على نفقته . 

   لا بل إنه يطلب أحيانا ريعا عما لا يمكن للإنسان استصلاحه . فثمة نوع من أعشاب البحر يسمى كلب Kelp ، وهو إذا ما أحرق يستخرج من رماده ملح قلوى ،

 يستعمل فى صناعة الزجاج ، والصابون ، وعدة أغراض أخرى ، وهو ينبت فى مناطق عدة من بريطانيا العظمى ، ولا سيما فى إسكتلندا ، على تلك الصخور التى تقع داخل نطاق مياه المد ، التى تغمرها مياه البحر مرتين كل يوم . 

   ولذلك فإن الريع على ، ما يلاحظ ، يدخل فى تركيب سعر السلع على نحو مختلف عن الأجور والربح

0 التعليقات: