12‏/11‏/2016

روح الإشتراكية 17

روح الإشتراكية 17


         إن مقايسة نفقات المصنوعات الخاصة التى تصنع للربح ونفقات مصنوعات الحكومة أمر مهم للغاية ، إذ ظهر من هذه المقايسة التى أتى بها منذ زمن بعيد أن ما تصنعه الحكومة نفسها يكون أغلى مما يصنعه الأفراد بزيادة (25 ) إلى (50 ) فى المئة وأن الفرق بين ثمن المدرعة فى انكلترا وبينه فى فرنسا خمسة وعشرون فى المئة كما جاء فى تقرير الموسيو" دوكير جيكو ".             
                                 
     لغلاء مصنوعات الحكومة أسباب كثيرة ، ومن بين هذه الأسباب نشير إلى وجود سبب نفسى بجانب ما فى النظم والمعاملات من التعقيد ، وهذا السبب هو عدم مبالاة المرء بالمشاريع التى لا يكون له فيها منفعة شخصية ، فقد سقطت جميع المشاريع الصناعية التى يديرها الوسطاء بدلا من أن يديرها أفراد يهتمون بنجاحها . 

            أنشأت شركة أجنبية على نفقتها فى فرنسا خط للترام يصل بين مركزين صناعيين كبيرين وأخذت تديره بنفسها فسار أمره سيرا حسنا ، إذ بلغ دخله السنوى 1000، 1000، 1 فرنك مع إن نفقاته الإدارية لم تتجاوز ال47 فى المئة ، غير أن الحكومة المحلية أفصحت إلى تلك الشركة عن استيائها لوجود رجل أجنبى على رأسها فرضيت الشركة حينئذ بإقامة مهندس فرنسى مكانه ، شرع هذا المهندس قبل كل شئ بتنظيم الدواوين من جديد وبإفعامها بالموظفين كنائب للمدير ورئيس للحسبة ورئيس للقضايا وخازن إلخ  ، ثم وضع لها نظاما معقدا تجلت فيه ما فى الروح اللاتينية من البراعة فنشأ عن ذلك أن تضاعفت النفقات الإدارية فى مدة تقل عن سنة وبلغت ثمانين فى المئة . 

       ولما أحست الشركة بقرب الزمن الذى تفلس فيه شرح مديرها للحكومة المحلية حقيقة الأمر وعرض عليها أن يبقى المهندس لقبه وراتبه على ألا يتدخل فى أمور الدواوين فقبلت اقتراحه فأعيدت الأدارة على حالتها السابقة فعادت النفقات إلى رقمها الأصلى أى إلى 47 فى المئة ، وقد كلفت هذه التجربة الإدارة اللاتينية الشركة ما يقرب من نصف مليون فرنك . 

       وقد نشأ عن تطبيق أسلوبنا الإدارى فى المستعمرات تدرها نحو الخراب   
لاينفق الانجليز سوى شئ يسير فى سبيل مستعمراتهم وأما نحن فإننا ننفق فى سبيل مستعمراتنا 110ملايين كل سنة مع أن ما تناله تجارتنا فيها من الأرباح لا يبلغ عشرة ملايين وبذلك تكون خسارتنا فادحة ، 

ثم إن المبلغ الذى ننفقه عليها يؤدى إلى ترويج تجارة الأمم الأخرى المزاحمة لنا ، إذ كنا عاجزين عن الإنتاج بأسعار معادلة لأسعار تلك الأمم فإن سكان مستعمراتنا يشترون سلعهم منها ، ولكنها تثقل  تلقاء ذلك كاهل ميزانية فرنسا ، وتهزم المستعمرين الأوربين الذين يسارعون فى الهجرة إلى المستعمرات الانجليزية الجاورة فرارا من شبكة أنظمتنا المستغلة وجورنا . 

     وهكذا نحو الإفلاس تسير جميع المشاريع التى لابد للحكومة من أن تتولى إدارتها  يوما من الأيام  ، وأن النتيجة التى تؤدى إليها الاشتراكية الحكومية هى خراب الصناعة . 

    وما نشاهده عند جميع الأمم اللاتينية الأخرى من نتائج المركزية وابتلاع الحكومة لجميع أمورها أشد مما نشاهده فى فرنسا ، فقد بلغت الأمور فى ايطاليا مبلغا دفع الحكومة إلى الاقتراح على البرلمان فى جلسته المنعقدة فى 21 شباط سنة 1894 أن يمنح الملك سلطة مطلقة يتمتع فيها بسنة واحدة ليتمكن من السعى وراء إصلا ح الأنظمة ومن دواعى الأسف رفض البرلمان لهذا الإقتراح الذى لو طبق لظهر لنا أن السعى وراء إصلاح الأنظمة الناشئة عن أحوال الأمة النفسية لا يجدى نفعا .

     نستنج مما تقدم أن اللوم كله يقع علينا فى ما ينشأ عن توسع شأن الحكومة من النتائج ، ولا لوم على الحكومات فى ذلك إذ أن شأن الحكومات واحد عند جميع الأمم اللاتينية سواء كانت جمهورية أم امبراطورية أم اشتراكية أم ملكية ،

 وسواء كان رئيسها " هليو غابال " أم لويس الرابع عشر أم روبسبيرأم قائد منصور ، فهذا الشأن نتيجة لحاجات العنصر اللاتينى النفسية ، ومن مقتضيات مزاجنا النفسى إسنادنا جميع النقائص إلى الحكومة ، واعتقادنا أن كل شئ يتحول بتبديل النظم والرؤساء . 

        " ليس من الخطر فى انتصار الشيوعية وتوليها إدارة المجتمع وتنظيم شؤونه كما تريد وإنما الخطر فيما يتسرب إلى النفوس والأنظمة من الاستخفاف برأس المال والأعمال وما ينشأ عنه من النظم – كشركات الائتمان والمصارف – وبملكة الاستنباط  الفردية المبخوسة – لما تقوم به الحومات من الاحتكارات – وبالتوفير وبالملكية الشخصية وبالمواريث وبالأجور الموافقة للمزايا وفائدة المنتجات وبالوسائل التى تنفع فى رفع مستوى الوضعاء وبصيانة المجتمع بالمجهودات الكثيرة التى تحركها المنفعة الذاتية  " .  

        "على هذه الصورة نسعى فى زيادة شأن الحكومة بأن نحملها عبأ القيام  بإدارة الخطوط الحديدية والمناجم والمصرف ، وربما زدنا عليها الاهتمام بإدارة مشاريع الملاحة والتأمين والمخازن الكبيرة ، ونسعى فى فرض الضرائب الباهظة على أموال جميع الأغنياء وعلى المواريث وعلى كل ما يدفع المرء للإتيان بالمخترعات والمشاريع تتطلب إقداما وصبرا وعلى كل ما يجعله مفكرا فيما يتعلق بالإجيال القادمة ، ونسعى فى تنفير العالم العالم من القيام بالأعمال الصعبة ومن الاقتصاد والتقدم ، أى أننا نسعى فى تنقيص رغائب المرء وآماله ونشاطه ومواهبه ووضعه تحت وصاية حكومية مبتلعة لكل شئ وفى تحويل الرجل الذى تحرضه منافعه الذاتية على العمل إلى رجل شبيه بالموظفين  " .

0 التعليقات: