ثروة الأمم 14
وحالما تصبح أراضى بلد ، ملكا خاصا ، يحب
المالكون كسائر الناس ، أن يجنوا مالم يزرعوا ، وأن يطلبوا ريعا حتى من نتاجها
الطبيعى ، فحطب الغابات ، وعشب الحقول ، وكل ثمار الأراضى الطبيعية التى لم تكن ،
يوم كانت الأرض مشتركة تكلف العامل إلا عناء قطافها ، صارت كلها تصل إليه بثمن إضافى يفرض عليها .
فعليه عندئذ أن يدفع ثمن الترخيص بجمعها ، وعليه أن يتنازل لمالك الأرض عن جزء
مما جمعه بعمله أو أنتجه ، وهذا الجزء ، أو ثمن هذا الجزء ، وهو الشئ نفسه ، يشكل
ريع الأرض ، وهو يشكل مكونا ثالثا من مكونات القسم الأكبر من السلع .
القيمة الحقيقية لكافة الأقسام
المختلفة المكونة للسعر ، إنما تقاس بكمية العمل الذى يستطيع كل منها أن يبتاعها
أو يستحقها ، فالعمل لا يقتصر على قياس قيمة ذلك القسم من السعر الذى يعود إلى
العمل ، بل ذلك الذى يعود إلى الريع ، وذاك العائد إلى الربح .
ففى سعر الحنطة مثلا ، قسم يؤدى
ريع مالك الأرض ، وقسم أجور العمال أو صيانة الدواب العاملة فى إنتاجه ، والقسم
الثالث ريع المزارع ، تبدو هذه الأقسام الثلاثة بمثابة المكونات المباشرة أو
النهائية لكامل سعر الحنطة ، وربما جائز لقائل أن يقول إن ثمة قسما رابعا لا بد
منه لتجديد رأس مال المزارع ، وتعويض استهلاك دوابه العاملة وسواها من أدوات
الزراعة .
كحصان الفلاحة ، هو نفسه مكون من الأقسام الثلاثة نفسها ، ريع الأرض
التى ربى فيها ، وعمل العناية به وتربيته ، وأرباح المزارع الذى قدم ريع هذه الأرض
وأجور هذا الشغل ، لذلك ، ومع أن سعر الحنطة قد يدفع ثمن الحصان والعناية به ، فإن
السعر الكلى ما زال ينحل إلى الأقسام الثلاثة نفسها ، الريع ، والعمل ، والربح .
فى ثمن دقيق القمح ، علينا أن
نضيف سعر القمح ، وأرباح الطحان ، وأجور خدامه ، وفى ثمن الخبز ، أرباح الخباز ،
وأجور خدامه ، وفى سعر الاثنين ، عمل نقل القمح من منزل صاحب المزرعة إلى منزل
الطحان ، ومن منزل الطحان إلى منزل الخباز مقرونة بأرباح أولئك الذين يقدمون أجور
هذا العمل .
كلما كانت أية سلعة مخصوصة أكثر
تصنيعا ، فإن سعر ذلك القسم الذى ينحل إلى الأجور والأرباح يصبح أكبر ، قياسا إلى
ذلك العائد إلى الريع .
ولا تقتصر الزيادة فى تطور
الصناعة ، على زيادة عدد الأرباح ، بل إن كل ربح لاحق أكبر من الذى سبقه ، إذ لا
بد لرأس المال الذى استمد منه هذا الربح من أن يكون دائما أكبر .
فرأس المال الذى يستخدم الحياكة مثلا ، ينبغى أن يكون أكبر من ذلك الذى
يستأجر الغزالين ، لأنه لا يقتصر على الحلول محل رأس المال ذلك بأرباحه ، بل هو
يدفع أيضا أجور الحياكة ، ولابد للأرباح من أن تتقايس دائما ، بصورة ما ، مع رأس
المال .
ولكن ثمة دائما فى المجتمعات
الأكثر تطورا بعض السلع القليلة التى ينحل سعرها إلى قسمين فحسب ، وهما أجور العمل
، وأرباح رأس المال .
كل السلع التى تشكل مجمل نتاج
عمل كل بلد ، إذا ما أخذ بجملته ، إذا ما أخذ بجملته ، يجب أن ينحل إلى الأقسام
الثلاثة نفسها ، إما كأجور لأعمال أهله ، وإما لأرباح رأس مالهم ، أو ريع أرضهم .
فالأجور ، والربح ، والريع ، هى المصادر الأصلية لكل دخل ولكل قيمة تبادلية .
ولابد لكل من يستمد دخله من مال
يملكه ، من أن يستمده من عمله ، أو رأس ماله ، أو من أرضه ، والدخل المستمد من العمل
يسمى أجرا ،والدخل المستمد من قبل الشخص الذى يديره ويستثمره يسمى ربحا ، وذلك
المستمد منه من قبل الشخص الذى لا يستثمره بنفسه ، بل يقرضه لآخر، يسمى فائدة ،أواستغلالا
للمال .
إنه التعويض الذى يدفعه المقترض للمقرض ، عن الربح الذى تسنى له أن يحققه
باستغلال المال ، ويعود جزء من هذا الربح طبعا إلى المقترض ، الذى يتحمل المخاطرة
ومشقة استغلال المال ، وقسم إلى المقرض الذى أتاح له فرصة تحقيق هذا الربح ، أما
فائدة المال فهى دخل مشتق ، ينبغى أن يدفع من مصدر آخر للدخل إذا لم يدفع من الربح
المتحقق باستغلال المال ، والدخل المستمد كليا من الأرض يسمى ريعا ، وهو يعود
لمالك الأرض .
فالسيد الثرى الذى يزرع قسما من
عقاره الخاص يكسب ، بعد دفع كلفة الزراعة ، ريع مالك الأرض وربح المزارع ، ولكنه
ميال لأن يطلق على مكسبه كله عبارة ربح ، وأن يخلط الريع بالربح ، فى اللغة
السائرة على الأقل .
فإن من شأن قيمة نتاج كل سنة
تالية أن تكون أكبر بكثير جدا من قيمة السنة التى سبقتها، ولكن ليس من بلد يستعمل
فيه كامل النتاج السنوى فى تلبية حاجات المجدين ،
فالمتبطلون يستهلكون قسطا كبيرا
منه أينما كان ، واعتمادا على مختلف النسب التى يقسم فيها سنويا بين هذين الصنفين
المختلفين من الناس ، فلابد لقيمته المتوسطة أو العادية من أن تزيد سنويا أو تنقص ،
أو تستمر على حالها من سنة إلى سنة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق