07‏/11‏/2016

ثروة الأمم 28

ثروة الأمم 28



أولا – فى محصول الأرض الذى يمكن من دفع الريع دائما 
 
   وريع الأرض لا يتفاوت خصوبتها فحسب، مهما كان محصولها ، بل وبتفاوت موقعها ، أيا تكن خصوبتها . فالأرض الواقعة فى جوارإحدى المدن تعطى ريعا أكبر من أرض تضارعها خصوبة فى موقع قصى من الريف . كلفة نقل محصول الأرض الفصية إلى السوق أكثر . 

   إن الطرق والأقنية الجيدة ، والأنهر الصالحة للملاحة ، إذ تخفض نفقات الشحن ، تضع المناطق القصية من الريف أقرب إلى المساواة مع تلك القائمة فى محيط المدينة .
 وهى لذلك أهم الاصلاحات . 

   والاحتكار عدو لدود للإدارة الصالحة ، التى لا يمكن أن تكون شاملة إلا جراء تلك المنافسة الحرة والعامة التى تجبر الجميع على اللجوء إليها دفاعا عن النفس . 

   إيطاليا القديمة القريبة من روما ، فقد كانت هذه تجلب من الولايات المحتلة ، التى كان الكثير منها مجبرا ، بدلا من الضرائب ، على دفع العشر من محصولها بسعر محدد ، حوالى ستة بنسات للبك ، للجمهورية . ولابد أن السعر الرخيص الذى كانت توزع به الذرة على الشعب قد أثر فى إغراق سعر ما يمكن أن يؤتى به إلى سوق روما من اللاتيوم ، أى أراضى روما القديمة ، ولا بد أنه قد صرف عن زراعته فى ذلك الريف . 

   ومن شأن قطعة أرض جيدة التسييج متروكة للكلأ فى ريف مفتوح تغلب على محاصله الذرة ، أن تدر ريعا أعلى من أى حقل ذرة فى جوارها . 

فهى مناسبة لتغذية المواشى المستخدمة فى زراعة الذرة ، وريعها العالى إنما يدفع فى هذه الحال لا من قيمة نتاجها المخصوص بقدر ما يدفع من نتاج أراضى الذرة التى تفلح بواسطتها . 

ومن شأن هذا الريع أن يتدنى إذا ما سيجت الأراضى المجاورة كليا . 
ويبدو أن الارتفاع الحالى لريع الأراضى المسيجة فى إسكتلندا إنما يعزى إلى ندرة الأراضى المسيجة ، وأنه لن يدوم مدة أطول من هذه الندرة .

 إن مزية التسييج بالنسبة إلى الكلأ أعلى مما هى بالنسبة إلى الذرة . 

فهى توفر عمل حراسة الماشية ، التى ترعى أكثر أيضا عندما لا يزعجها الراعى أو كلبه . 

   فى بستان حشيشة الدينار ، أو بستان فاكهة ، أو بستان مطبخ يكون ريع مالك الأرض وريع المزارع أكبر إجمالا مما يكونان فى حقل ذرة أو كلأ للماشية . غير أن استصلاح الأرض لتكون على هذه الحال يستلزم المزيد من النفقات .

 ولذلك يستحق ريع أكبر لمالك الأرض .
 كما أنه يستلزم إدارة أمهر وأكثر تنبها . ولذلك يستحق ربح كبر للمزارع .

 يضاف إلى ذلك أن المحصول ، فى حديقة حشيشة الدينار أو حديقة الفاكهة أسرع تلفا . 
ولذلك فإن سعرها الحقيقى ينبغى أن يؤمن شيئا شبيها بربح التأمين ، فضلا عن كل الخسائر الطارئة .      

 إن أوضاع البساتنة المتوسطة إجمالا ، والمعتدلة دائما قد تقنعنا أن براعتهم العظيمة لا تحظى بتعويض مجز عادة .

 ذلك أن فنهم الممتع يمارسه عدد لا يستهان به من الناس الأثرياء للتسلية ، بحيث إن ما يمكن أن يكسبه الذين يمارسونه للربح قلما يحصلون منه على مزية تذكر ، لأن الأشخاص الذين يفترض بهم أن يكونوا أفضل زبائنهم يزرعون ويزودون أنفسهم بمحاصيل من أغلى منتجات البساتنة .  

   بيد أن ديمقريطس الذى كتب عن الزراعة منذ حوالى ألفى سنة ، والذى كان يعتبره القدماء من آباء هذا الفن ، كان يعتقد أن الذين يسيجون حديقة المطبخ يجانبون الحكمة فى فعلهم .

 فالربح الحاصل من ذلك ، على قوله ، ليس من شأنه أن يعوض كلفة الجدار الحجرى ، أما الطوب ( ولعله كان يعنى الطوب المجفف فى الشمس ) فيتفتت نتيجة المطر ، وعواصف الشتاء ، ويستلزم ترميما متواصلا ، ولا يجادل كولوميلا ، الذى يروى قول ديمقريطس هذا ، فى هذا القول ، ولكنه يقترح طريقة اقتصادية جدا فى التسييج بسياج من العليق أو الورد البرى الذى تبين بالتجربة أنه طويل العمر وغير قابل للاختراق . 

   فى فرجينيا وماريلاند تفضل زراعة التبغ على زراعة الذرة باعتبارها أربح ، ويمكن للتبغ أن يزرع زراعة مربحة فى القسم الأعظم من أوربا ، ولكنه أصبح فى كل ناحية من أوربا تقريبا مستهدفا بالضريبة بصورة أساسية ، كما اعتبر أن تحصيل الضريبة عليه من مزرعة فى البلد قد يزرع فيها التبغ من شأنه أن يكون أصعب من فرض رسم جمركى على استيراده من الخارج . 

وبناء على ذلك فقد حظرت زراعة التبغ بصورة عبثية فى معظم أنحاء أوربا ، وهذا ما يمنح بالضرورة نوعا من الاحتكار للبلدان التى يسمح فيها بذك . 

   وللحؤول دون حصول تخمة فى العرض بالسوق أيضا ، تراهم يعمدون ، فى سنوات الوفرة ، على ما يخبرنا الدكتور دغلاس ( وأظن أنه يروى عن ثقات) إلى إحراق كمية من التبغ عن كل زنجى ، على نحو ما يقال إن الهولنديين يعملونه بالأفاويه . 

ولئن كانت هذه الطرائق العنيفة ضرورية للإبقاء على أسعار التبغ مرتفعة ، فإن تفوق ربحيته على ربحية زراعة الذرة ، هذا إذا كان لا يزال له تفوق أصلا ، لن تدوم فى أرجح الظن طويلا . 

   الذرة فى أوربا هى محصول الأرض الأساسى المستخدم مباشرة لإنتاج الغذاء البشرى . 

   كما أن القيمة الحقيقية لريعه ، قدرته الحقيقية وسلطته ، سيطرته على ضروريات الحياة وكمالياتها . 

   أن حقل الأرز ينتج كمية من الغذاء أكبر يكثير من تلك التى ينتجها أخصب حقل من حقول الذرة ، موسمان فى السنة ، ففى بلدان الأرز تلك ، حيث الأرز هو الغذاء النباتى المفضل عند الناس ، حيث يطعم الفلاحون بصورة أساسية منه ، لابد أن تعود لمالك الأرض من فائضه حصة أكبر من حصة مالك الأرض فى بلدان الذرة .

   وفى كارولينا حيث المزارعون هم أجمالا ، كما فى سواها من المستعمرات البريطانية ، زارعون ومالكون للأرض ، وحيث يختلط الريع تاليا بالربح تعتبر زراعة الأرز أربح من زراعة الذرة ، وذلك على الرغم ما أن حقولهم لا تنتج إلا موسما واحدا فى السنة ، ورغم أن الأرز ليس الغذاء النباتى الشائع والمفضل عند الناس جراء غلبة التقاليد الأوربية . 

   حقل الأرز مستنقع فى كافة الفصول ، وهو فى أحد الفصول مستنقع مغمور بالماء ، وهو لا يلائم الذرة ، ولا الكلأ ، ولا الكرامة ، ولا أى محصول نباتى آخر ينفع البشر كثيرا . 

   الغذاء الذى ينتجه حقل بطاطا ليس أدنى من حيث الكمية من ذاك الذى ينتجه حقل أرز ، وهو أعلى بكثير من ذاك الذى ينتجه حقل حنطة . اثنا عشر ألف وزن من البطاطا من مساحة أكر من الأرض ليست محصولا أكبر من ألفى وزن من الحنطة والواقع أن الغذاء الصلب الذى يمكن أن يستمد من كل من هاتين النبتتين ليس متقايسا مع وزنهما ، وذلك جراء الطبيعة المائية للبطاطا . 

ولكن إذا ما سلمنا بأن نصف وزن هذا الجدار يذهب إلى الماء وهذا تسليم بوزن كبير ، فإن من شأن أكر كهذا أن ينتج ، مع ذلك ، ستة آلا ف وزن من الغذاء الصلب ، أى ثلاثة أضعاف الكمية التى ينتجها أكر من الحنطة . ثم إن أكر البطاطا يزرع بكلفة أقل من أكر الحنطة . 

   والأرض المهيأة للبطاطا تصلح لكل الخضار انافعة الاخرى تقريبا . 

   من الصعب الحفاظ على البطاطا على مدار السنة ، كما أنه من المستحيل تخزينها كالذرة لمدة سنتين أو ثلاث . 

والخوف من العجز عن بيعها قبل أن تفسد يصرف عن زراعتها ، ولعله كان المانع الأساسى من قبل أن تصبح كالخبز فى أى بلد كبير ، الغذاء النباتى الرئيسى لمختلف مراتب الناس .

0 التعليقات: