13‏/11‏/2016

روح الإشتراكية 21

روح الإشتراكية 21



    تلك هى حال الأمم اللاتينية وحال الأمم التى اعتنقت البادئ اللاتينية فى الوقت الحاضر ، فلا يغيبن عن بال الأمم المذكورة أنه لامكان لغير الأقوياء الآن وأن الأمم الضعيفة ستصبح فريسة للأمم المجاورة لها عندما تغلق الأسواق البعيدة أبوابها عنها . 


        هذه هى الحقيقة وقد أشار إليها اللورد " سالسبورى " فى خطبة مشهورة ألقاها منذ بضع سنين أيام كان رئيسا للوزارة الانكليزية أنقل منها العبارات الآتية : 

     " تنقسم الامم إلى قسمين : حية وميتة فأمامنا أمم كبيرة ذات نفوذ عظيم تسعى فى زيادته وفى إنماء ثروتها وتوسيع أملاكها وإتقان نظامها          
    
     " وبجانب هذه الأمم الزاهرة ذات المطالب المتباينة التى ربما لا يؤلف بينها فى المستقبل غير الحسام أمم لا أرى أكثر من تسميتها بالأمم الميتة ، وعلى نسبة ازدياد عظمة الأمم الحية والتئامها تسرع هذه الأمم فى الانقراض وتصبح واهية فقيرة سائرة نحو أجلها المقدر .  

    " لا شفاء لنظام هذه الأمم الحكومى الفاسد فليست المجتمعات والهيئة الرسمية والإدارة عندها سوى كتل فساد لا يقوم بناء إصلاحى عليها ، ولذلك فإن منظر الأمم المذكورة عند طبقة العالم المتمدن الراقية حالك ، ويشتد هذا المنظر ظلاما كلما اطلعت الأمم الأخرى على هذه التفاصيل وفتشت عن دواء لمثل تلك الأمراض مدفوعة بسائق الرحمة والمنفعة معا 

     " وإلى متى تدوم هذه الحال ؟ إننى لا أحاول التكهن فى ذلك غير أنى أشير إلى أن قوة الأمم ذات البأس الشديد تزداد على نسبة وهن الأمم الضعيفة ، وإلى أن الأمم ستتطاول بالتدريج على الأمم الميتة. "

    أفيجب إخضاع الأمم المزعزعة الأركان المنقسمة المتأخرة كالأمم اللاتينية لأحكام الاشتراكية ؟ ألا يزيدها ذلك ضعفا ويجعلها فريسة سائغة للأمم القوية ؟ واحسرتاه لم يدرك ساستنا ذلك بعد ، 

فمثلهم مثل علماء اللاهوت فى القرون الوسطى حيث كانوا غمار المجادلات الدينية فى صوامعهم غير سامعين أصوات الأمم المتبربرة التى كانت تزعزع أركانهم وتتأهب لقتلهم .

    وهل يقتضى القنوط من مصير الدول اللاتينية بعد بيان ما تقدم ؟ إن الضرورة قوة قاهرة قادرة على تغيير أكثر الأمور ، فقد تنال الامم اللاتينية ما تحتاج إليه من صفات بعد أن تجربها المصائب الشديدة وبذلك تتخلص من مطامع جيرانها الكامنين لها ، على أنها تقدر الآن على تغيير نمطها فى التربية  

ولا يسعنا إلا أن نشكر الرسل الذين يأخذون على أنفسهم دعوة الناس إلى مثل هذا العمل ، فالرسل قادرون على أشياء كثيرة منها تحويل الرأى العام وذلك بما يأتون به من المجهودات العظيمة تبديدا لأوهامنا الباطلة فى التربية ، ومع ذلك يجب علينا أن لا نكون شديدى التطير ، لأن التاريخ لما كان حافلا بالحوادث الفجائية فإنه يتعذر علينا كشف مصير الدول . 

       الجيل الحاضر هو أكثر الأجيال إتيانا بتبدلات عديدة فى وقت قصير وتنشأ هذه التبدلات من عوامل تختلف عن العوامل التى استحوذت على على المجتمعات حتى الأيام الأخيرة  .  

 إننا نعد من مميزات الوقت الحاضر تحول العلل المؤدية إلى تطور الأمم ، فمع أن العوامل الدينية والسياسية ظلت عصورا كثيرة ذات تأثير قوى فقد ضعف هذا الأثير فى أيامنا ، وذلك بخلاف العوالمل الاقتصادية والصناعية التى أصبحت مهمة بعد أن كان شأنها ضئيلا إلى الغاية . 

 وصيرورة العالم سوقا واسعة بعيدة عن تأثير الحكومات ، ولهذا لم يكن للثورات الدامية والحروب الطويلة ما للمخترعات العلمية من النتائج . 

     وماهى الخسارة التى ستصيبها من وراء هذه الحوادث المشابهة لحرب المئة سنة أو ثورة الإصلاح الدينى أو التورة الفرنسية ؟ يمكننا تقدير ما لهذه التقلبات التجارية من النتائج إذا نظرنا إلى الخسارة التى لحقت بفرنسا فى عشر سنين من استيلاء حشرات " الفيلو كسيرا " على كرومها فقد خربت هذه الحشرات منذ 1877 حتى سنة 1887 مليون هكتار من الكروم أى ما قيمته سبعة مليارات ، وتقرب هذه البلية العددية من المبلغ الذى أنفقناه فى حربنا سنة 1870 . 

 ثم إن اسبانيا اغتنت من هذه الخسارة لابتياعنا منها ما احتجنا من خمور فكانت نتيجة ذلك معادلة من الوجهة الاقتصادية لقهر جيوش اسبانيا إيانا وإرغامنا على دفع غرامة سنوية إليها . 

     ومع أنه لا يمكن الاطناب كثيرا فى بيان الانقلابات الصناعية الكبيرة التى هى من مقتضيات الزمن الحاضر المقدرة والتى لاتزال فى بداءتها فإننا نرى أن أهم نتائجها هو نزع كل ثبات من طرق الحياة التى كانت ثابتة فى الماضى ثباتا كافيا على توالى العصور. 

0 التعليقات: