13‏/11‏/2016

روح الإشتراكية 32

روح الإشتراكية 32


     كما أشرنا إلى أن أحد أسباب الحقد السائد الآن للطبقات هو أن بعض الطبقات يتصور البعض الآخر تصورا مخالفا للصواب كما أننا بينا – عند ما بحثنا عن أسس معتقداتنا – درجة عدم اطلاع بعض الناس على أحوال البعض الآخر واعتقادهم إمكان إزالته ،

 ومن يفتش عن علة الحروب الشديدة والمنازعات الدينية التى ضرجت العالم بالدم وقلبت وجه الحضارات والدول ير فى الغالب أنها عبارة عن عدم اطلاع بعض الأحزاب المتطاحنة على أحوال البعض الآخر ومخالفة تصوراتها للصواب .

     وقد يكون خطأ المبادئ سر قوتها فالخطأ الواضح لا يلبث أن يصبح حقيقة ناصعة فى نظر الجماعات إذا تكرر تكرارا كافيا . 

      فالذى يزيد المشكلة الاجتماعية فى الولايات المتحدة تعقيدا هو انقسام هذه الجمهورية العظيمة إلى بقاع متباينة المصالح متنازعة ، وهذا ما أوضحه الموسيو   " دوفارينى " ايضاحا حسنا فى السطور الآتية : 

      " إن واشنطن بلدة محايدة تحل فيها المشاكل السياسية من دون أن تجيش فيها ، وأما الحياة الحقيقية ففى غيرها حيث لا وحدة ولا تجانس ،

 فينطوى تحت ستار الاتحاد الظاهرى – والاتحاد هو غير الوحدة – اختلافات أساسية ومصالح متباينة ومنازع متناقضة ويشتد هذا الأمر كلما مرت الأيام فيتكون التاريخ ويتأصل بالحوادث كحرب الانفصال التى جعلت ما بين الاتحاد والدمار قاب قوسين أو أدنى

     " وإذا فحصنا عن كثب هذه الجمهورية الواسعة التى لا يفوقها مساحة سوى الصين وروسيا والتى هى الحامسة فى عدد السكان فإننا نرى قبل كل شئ جمعا جغرافيا وتجاريا يقسم الولايات المتحدة إلى ثلاثة أجزاء :
 الولايات الجنوبية الشمالية والغربية
 ثم الولايات الباسفية ، فيتولد عن هذه الأجزاء المتباينة مطاليب متناقضة وهذا ما أدى إلى عدم اكتشاف تعريفة عامة تنمو وتتقدم بها الصناعات المتطلبة نظاما خاصا بعد بحث خمسة عشر سنة ،
 فالجنوب ينتج المواد الأولية والسكر والقطن ، والشمال قطر صناعى ، والغرب قطر زراعى  ، والباسفيك قطر زراعى و معدنى ، فنظام الحماية الحاضر يضعضع الجنوب ويضايق العرب بإغنائه الشمال الذى تقوضه حرية المبادلة . 

     " ولم ينشأ الاختلاف عن تباين المصالح المادية فقط ، بل إن الشمال جمهورى والجنوب دموقراطى ، والشمال يسعى وراء المركزية والجنوب يؤيد حقوق الولايات ، والشمال يريد حكومة اتحادية ملتحمة الأجزاء والجنوب يطلب الاستقلال الداخلى وحق البحث فى ميثاق الاتحاد ، نعم قد غلب أحد الطرفين الآخر ولكن هذا لايصفح عن ذلك . " 

     " على أنه يجب أن لا يؤتى فى مصير الأمم بنبوءة قطيعة تكون قائمة على قرائن عامة ، فمصيرنا يحجبه عن أعيننا ضباب المستقبل الكثيف .   

              قد يمكن الشعور أحيانا بسير القوى التى تقودنا ولكن من العبث تعيين نتائجها وتغيير منخاها ، والأمر الذى نشاهده هو أن دفاع المجتمعات الطاعنة فى السن سيكون كثير الصعوبة ، 

فالتطور الحديث قد نقض أسس بناء الأجيال القديمة والجيش الذى هو دعامة هذا البناء الأخير ومثبته أخذ ينحل وتتكون كتائب أعدائه اليوم من الأفراد المتعلمين ، 

وقد أدى جهل بعض الحقائق النفسية المقررة الذى سوف يورث الدهش والحيرة عند مؤرخى المستقبل إلى عدول أكثر الحومات الأوروبية عن وسائل الدفاع بإقامتها مكان الجيوش المتخذة الجندية مهنة جموعا غير مدربة ظانة بأنها تستطيع تدريبها على الجندية الصعبة فى بضعة أشهر، 

فهذه الحكومات لا تجعل فى الحقيقة ملايين الناس بتعليمهم شيئا من الرياضة البدنية جنودا بل تجعلهم زمرة عاجزة عن الدفاع غير مدربة لا قيمة لها أى زمرا أشد خطرا على من يتصرف فيها منها على الأعداء . 


      لا ينشأ خطر هذه الجموع عن عدم كفاءتها الحربية فى الدفاع الاجتماعى فقط بل ينشأ عن روحها أيضا ، وينشأ من الجيوش التى تتخذ من الجندية مهنة طبقة خاصة يهمها الدفاع عن النظام الاجتماعى ، ويحق للمجتمعات أن تعتمد عليها فى أمور المدافعة ، 

ومتى يتيسر للجموع التى لا تقيم فى الفيالق سوى أيام تمل فيها الجندية وتمقتها مثل تلك المشاعر ؟
    فالتجربة هى الكتاب الوحيد الذى تؤدى مطالعته إلى تهذيب الأمم ، غير أن مطالعته تكلف الأمم ثمنا غاليا . 

 

0 التعليقات: