13‏/11‏/2016

روح الإشتراكية 25

روح الإشتراكية 25


الفصل الثالث
النزاع الاقتصادى بين أمم الغرب

                         ما لقابلية الأمم الأرثية من النتائج  

      أن ما كان سببا فى تفوق الأمم من القابليات لم يكن من نوع واحد فى جميع أدوار التاريخ ،
 إذ أن الأمة لا تقدر على حيازة جميع القابليات دفعة واحدة ، وما تحوزه منها يؤدى إلى اجتيازها أدوار العظمة والانقراض حسب ما تجعل الأحوال تلك المزايا ضارة أو نافعة . 

         ظل تقدم الحضارة يتطلب مدة طويلة بعض المزايا أى الشجاعة والروح الحربية والبلاغة ورشاقة اللسان والذوق الأدبى والفنى ، ولما كانت الأمم اللاتينية على شئ كثير منها فإنها بقيت قابضة على زمام الحضارة وقتا طويلا ، وأما اليوم فقد صارت قيمة تلك المزايا أقل منها فى الماضى ، والدلائل تدل على أنه سوف لا يبقى عمل لبعضها ، إذ نتج عن تطور العالم الحديث صعود القابليات الصناعية والتجارية إلى الدرجة الأولى بعد أن كانت ثانوية فى الماضى ، وهذا ما جعل الأمم الصناعية والتجارية فى أعلى المراتب الآن وأدى إلى تبديل مراكز الحضارة . 


     نتائج هذه الأمور على جانب عظيم من الأهمية ، فعلى الأمة العاجزة عن تغيير قابليتها أن تعلم ذلك جيدا . 

    إن الأمم اللاتينية هى كما تقتضيه مبادئها الإرثية التى بناها سابقا ذات قابليات ضعيفة فى الصناعة والتجارة ولا سيما فى الاستعمار مع حاجتها إلى هذه القابليات اليوم وهى أمم حربية  زراعية متفننة مخترعة . 

    ومهما كانت قابليات الأمم اللاتينية فى التجارة والصناعة والاستعمار فقد كانت كافية فى الماضى حيث لا مزاحمة بين الامم . 

   ذلك من لوازمها ، فأسبانيا بلغت الحد الأخير فى الانحطاط التدريجى وأوشكت ايطاليا أن تلحق بها وأما فرنسا فلا تزال تجاهد ولكن علائم الانحطاط تظهر عليها كل يوم ظهورا واضحا .
     إذ ليس فى ميدان الصراع التجارى والصناعى فى الوقت الحاضر سلم ولا تحالف . 

 إنهم يعقدون المعاهدات التجارية ولكن هذه المعاهدات مؤدية إلى حرب لا تعرف المهادنة أو الرحمة وتزيد على حروب المدافع بأحقادها التى لا تشفى ، وبخطرها الذى يقضى على حياة الملايين من غير أن يسمع له صوت أو يشاهد له دخان . 

        وقد جاء فى الجورنال : " إن أحد تجار أمريكا الجنوبية أراد منذ سنة إصدار جلود حملان من بلاده إلى فرنسا وألمانيا ففاوض فى هذا الشأن أحد بيوتنا التجارية وأرسل له 000، 20 جلد كما أنه أرسل هذا العدد فى الوقت نفسه إلى بيت ألمانى فى " همبرغ " وبعد ي الألمانى الذى هو أشد حركة من النة أرسل إليه البيتين حساب البيع ، فأما البيت الفرنسى فلاقى صعوبة فى بيع السلعة وادى حسابه بخسارة عشرة فى المئة ، وأما البيت الذى هو أشد حركة وأحسن آداة فأدى حسابه بربح 12 فى المئة ، ولا حاجة إلى التعليق على الأمر . " 

    أحد فصول كتابى الذى وضعته من عشرين سنة وسميته "الانسان والمجتمعات" تجلى فيه انحطاط رجال صناعتنا ، فقد رفضت بيوت تجارية عديدة فى أسبوع واحد تسليمى آلات يبلغ ثمنها خمسمئة فرنك متعللة بأن تسليمها يستدعى بعض الانزعاج ، فالشئ الأول الذى كنت أطلبه مصباح كهربائى ولكننى فاوضت التاجر قبل الحصول عليه لأسأله هل يرضى بتركيبه وإنارته أمامى ، وبما أنه لم يجب عن كتابى فقد أرسلت إليه أحد أصدقائه ليسأله عن سبب سكوته فأجابه قائلا : " يجب على المرء أن لا يزعج نفسه بالبيع حسب هذه الشروط . "   

 وكان الشئ الثانى الذى طلبته هو أداة كبيرة يوضع فيها أنبوب ماء على قطعة معدنية فلم يكن عند التاجر الذى هو مدير بيت تجارى عظيم فى باريس عامل قادر على إنجاز هذا العمل ،   

وكان الشئ الثالث الذى طلبته هو مقياس كهربائى " غالفانوميتر " يوضع عليه حدان متممان ، ومع أن انجازه لا يتطلب عمل ربع ساعة وكان عند صاحب المصنع عمال يقومون به فقد أجابنى " بأن شريكى لا يرتاح لإزعاجى الفعلة ببيع شئ لايبلغ ثمنه مئتى فرنك . " 

0 التعليقات: