13‏/11‏/2016

روح الإشتراكية 37

روح الإشتراكية 37


                                  نقابات الأنتاج   

                  1 – انتشار ناموس اتحاد المصالح المتماثلة 

       جمع مواثقة ، ويراد بالمواثقة شركة مؤلفة من عدة شركات من نوعها لاحتكار صنع شئ أو بيعه . 

                            2 – المواثقات الأمريكية  

        ممولون وأن يصبح هؤلاء رؤساء مطلقين عليها ، ويشبه حصر الإنتاج الاحتكار ولكنه يفرق بينهما ، فالاحتكار هو أمر تجارى قصير الأجل ، إذ المحتكر يشترى سلعة – لا يصنعها ولا يراها غالبا – لتصبح نادرة ثم يبيعها بثمن غال ، 

وأما نقابة الإنتاج فإنها تحتكر الصناعة ولا تحتكر السلعة ، وما لها من المنفعة فى تبطئة صنع المنتج – ليزداد ندرة ومن ثم قيمة – فمقيد بمحذور ارتباك مصانعها ومحذور ارتفاع نفقاتها التى تقل كلما تزايد الإنتاج . 

     وليت غابة النقابات انحصار الصناعة مقتصرة على خفض هذه النقابات بل ترمى إلى المزاحمة بين المعاهد المتماثلة ومن ثم إلى الحيلولة دون هبوط ثمن البيع إلى أقل من المستوى المقرر . 

      والمبدأ الثابت لتكوين المواثقات فيها هو أن تكون فى قبضة رجل واحد ، فالأمريكيون وإن كانوا يسيرون فى السياسة على النظام النيابى فإنهم يفضلون فى الصناعة والتجارة الاستبداد المطلق . 

     ولهذا المبدأ لا يدير المواثقة الأمريكية سوى رئيس واحد ، خذ مواثقة زيت البترول مثلا تر أنها كناية عن اتحاد كثير من معامل التصفية تحت رئاسة رئيس واحد ، وكذلك مواثقة الفولاذ التى تحتوى على جميع مصانع المعادن فى أمريكا تقريبا وتلك تملك أسطولا هوأهم من أساطيل كثير من الدول الأوربية فإنها فى قبضة رئيس واحد . 

     يدير هؤلاء الملوك والأمراء كيفا يشتهون فيعزلون مديرى المصانع الذين لا يستحسنونهم وبعينون مقدار الإنتاج وأجور العمال وثمن البيع ويسعون فى جعل كل مصنع متخصصا تقليلا للنفقات العامة وزيادة للأنتاج ، ولايخافون أية مزاحمة أجنبية نظرا لمكوس الحماية التى يثابر على إبقائها المشترعون الذين يتقاضون رواتب منهم . 

     وأما الطريقة التى يتم بها تأسيس هذه المواثقات فواحدة وهى أن يشترى واحد من الماليين – سواء أساعدته إحدى نقابات الممولين أم لم تساعده – جميع المصانع المتخصصة لصنع شئ معين حتى يحصره حصرا تاما ،

 ولا يتم هذا العمل إلا إذا كان القائم به ممولا قديرا ولا سيما إذا كان المشروع يتطلب مبلغا كبيرا كالخمسة مليارات التى دفعها أخيرا أحد الماليين لاشتراء جميع مصانع المعادن فى أوروبا . 

    على انه لا يقتضى أن يكون منشأ هذه المشاريع الجسيمة مالكيين لما يعرضونه من المالييات بل ليس عليهم أن ينفقوا دانقا واحدا إذا كانوا من ذوى النفوذ ، 

إذ يسهل على الممول أن يدفع مقومات بخمسة مليارات من غير أن ينفق إذا وجد من يقرضه هذا المبلغ ، والجمهور هو المدان الوحيد فى ذلك بحكم الطبيعة فما على الممول إلا أن يصدرأسهما يشتريها الجمهور منه ويدفع أثمان المصانع إلى أصحابها بما يجمعه من الدراهم . 

      وإذا سأل سائل عن هذه الفائدة التى تعود على المصانع من اندماجها فى إحدى الواثقات خاسرة حريتها فنجيبه بأنها تندمج معتبرة بما حل بالمصانع التى رفضت ذلك فى البداءة ثم خضعت فى النهاية ، إذ لما كان مؤسسو المواثقات قابضين على زمام أكثر السكك الحديدية فإنهم يضعون المصنع الجامح حيث يستحيل عليه أن ينقل سلعه من مكان إلى آخر نظرا لما يفرضون عليه من الأجور الباهظة ، وإذا كان المصنع يستطيع نقل منتجاته فإنه لا يأمن الخسران أيضا لأن المواثقة تبيع بخسارة حتى يدرك هذا المصنع الإفلاس ، فيفضل غالبا أن يشترى على أن يضمحل .  
     كان فى أمريكا سنة 1899(353) مواثقة يقدر رأس مالها ب29 مليار فرنك ،

 وهذه المواثقات تنظم قيم سلع الاستهلاك من غلال وقطن ومعادن الخ حسبما تقتضيه استفادة شركائها فقط ولا تخشى أية مزاحمة أجنبية لما يفرض على الواردات من المكوس الكبيرة ، وأما ما تصدره الواثقات من السلع فتنزل ثمنه لتسبب خسارة المصانع الأجنبية . 

    لم ينظر إلى منفعة الجمهور فى ذلك ، وأظن أن القارئ لا يتصور أن مثل هذه المشاريع تحسب حسابا لهذه المنفعة ، فمنفعة الجمهورعند مؤسسى المواثقات هى كمنفعة المسروق ماله عند السارق ومنفعة الضأن المعد للذبح عند الجزار . 

       المواثقة هى التى تحصر صنع إحدى السلع تسعى بحكم الطبيعة لترفع ثمنها ولكنها ترى فى النهاية أنها إذا باعت بثمن رخيص زاد مقدار مبيعاتها فتخفض ثمن منتجاتها حتى يصل إلى دون ما كان عليه قبل تأسيسها .  

      يعد رؤساء المواثقات أنفسهم ملوكا أقوياء ، فإليك بعض ما دار بين محرر (الجورنال) وبين مدير مواثقة الفولاذ فى أثناء إقامته فى باريس : 

       " نعم إننا أقوى من أى ملك ظهر ، ولماذا ننكر ذلك ؟ فواثقنا المسماة " بشركة الفولاذ والحديد فى الولايات المتحدة " والتى أرأسها تؤدى كل سنة أجورا إلى ال 000 ، 600 عامل الذين تستخدمهم فى عمل ما قيمته مئتا مليون دولار أى مليار فرنك ، ويلحق بمستخدمينا مباشرة خمسة أو ستة ملايين نفس وبصورىة غير مباشرة (15) مليون ، وتملك مواثقتنا خطوطا حديدية و217 باخرة وهى من القوة بحيث تستطيع أن تملى رغباتها على شركات السكك الحديدية التى يعجبها أن تنتفع بآلاتها وعددها ، نعم إننا شديدو القوة . " 

      " إن طرقكم تحرم الوطنى الفقير التمتع بشئ من الإرادة وبها يصبح ذاتا حقيرة معتقلة فى شبكة من فولاذ لا حق لها ولا قدر . "  


  ثم قهقه ضاحكا وقال : " لقد لاحظت أن الناس لا يبالون كثيرا بحقوقهم إذا كسبوا رزقهم . " 

     ولما سأله المحرر عن مناهج الصناعة الفرنسية أجاب : 

     " إنها عادية أى على الطراز القديم وهى جديرة بالقرون الوسطى ، وليس فى أوروبا أدخلت فى صنائعها أرقى المناهج غيرألمانيا فأرباب الصنائع فيها مبدعون ولم تجعلهم المتحدات المهنية مفاليج كزملائهم فى انجلترا . " 

      وإذا صرفنا النظر عن مناهج المواثقات البربرية وعن إزدرائها لكل ما هو مشروع حلال وعن الطريقة التى تسلب بها الجمهور، وأجلنا الطرف فى ما تؤول إليه فإننا نرى أنها تؤدى إلى نتيجة واحدة لم تقصدها وهى تفوق الولايات المتحدة صناعة وتجارة ، ويظهر لنا هذا التفوق من زيادة الصناعات الأمريكية . 

     يضر هذا الغزو الأمريكى ألمانيا وانجلترا ضررا عظيما ، فالمنازعات الاقتصادية التى يشاهدها العالم فى هذه الأيام وإن كانت فى الظاهر أقل سفكا للدماء من الحروب فإنها ليست أقل فتكا بالمغلوبين ، إلا أن ذلك لم يدر فى خلد أنصار السلم .

0 التعليقات: