روح الإشتراكية 2
إن
دراسة متون أحد المذاهب الدينية أو الخلقية أو السياسية ليس كبير الأهمية كما يُظن
وإنما الذى يجب الاطلاع عليه على الخصوص هو البيئات التى أينع ذلك المذهب فيها
والمشاعر التى دعمته وطبيعة النفوس التى اعتنقته .
العقائد لا يكمل بناؤها إلا بعد فوزها ، وهى
تبقى مضطربة شاردة حتى يتم لها ذلك ، وهذا التقلب سر من أسرار نجاحها فيه تتمكن من
الالتئام مع مقتضيات الزمان ومن ارضاء الرغائب التى لا حد لها عند جماهير الساخطين
الكثيرى العدد فى بعض الأحوال والأحيان .
بيد أن علم النفس هو الذى يمكنه ايضاح
الصفة التى تتكون بها المذاهب الجديدة وما لهذه المذاهب من التأثير فى طبقات
العوام والمتعلمين ، فأنه يبلغ الى جذور الحوادث العميقة التى تتفرع منها أغصانها
ويبين إزهارها .
كل من يسبر غور الحضارات يرى أن المجتمع فى
نظمه ومعتقداته وفنونه عبارة عن حلقات مشتبكة من المشاعر والعادات والأفكار تأصلت
فى النفوس بالوراثة وتكونت من مجموعها قوته ، ولا يكون المجتمع ملتحم الاجزاء إلا
إذا كانت هذه الوراثة الأدبية متأصلة فى النفوس لا فى القوانين ، ويتعرض للزوال
اذا انحلت اذا انحلت تلك الاجزاء وينقرض تماما إذا تم ذلك الانحلال .
كانت
من الاوهام السائدة أيام الثورة الفرنسية حين كان الفلاسفة و المشرعون يحسبون
المجتمع شيئا صنيعا يقدر على تجديده مستبد عادل .
لا يُستخف بتلك النظريات لأنها من العوامل
الرهيبة المؤثرة كثيرا فى التخريب ، فالقدرة على البناء من خصائص الزمان . ولا تتعلق
بإرادتنا مباشرة ، وأما الهدم فمن الأمور التى نقدر عليها ، ويمكن القضاء على
مجتمع بسرعة لا مثيل لها ولكن تجديده لا يتم إلا رويدا رويدا ، وعلى الانسان أن
يجد عصورا طويلة فى إقامة ما نقضه فى يوم واحد .
ما يدخل فى حوزة المشاعر لا تناله يد البحث
.
لا
يقدر العلم الذى حارب الالهة أن يجحد سلطانها العظيم ، فلم تقم الحضارات حتى إلا
على غيرها ، ومن ينعم النظر ير أن جميع المدنيات الزاهرة استندت الى تعاليم دينية
ليست على شئ من المنطق والصحة والعقل السديد ، ولم تلق مقاليد هداية الأمم الى
العقل والمنطق فى وقت من الاوقات ، وأما غير المعقول فهو أعظم ما عرفه البشر من
بواعث العمل .
0 التعليقات:
إرسال تعليق