روح الإشتراكية 18
أخذ المجتمع القادم الذي يحلم به الشيوعيون
يتكون منذ زمن بعيد عند الأمم اللاتينية ، إذ أن الاشتراكية الحكومية نتيجة لماضى
تلك الأمم وهى المرحلة الأخيرة المؤدية حتما إلى الانقراض الذى لم تتخلص منه أى
حضارة ،
ولما نظمت الأمم اللاتينية فى سلسلة واحدة وسوت بينها تربية الجامعات
وطريقة الامتحانات التى أفرغتها فى قالب واحد وكانت تطمع فى المساواة وتنفر من
الحرية واعتادت الاضطهاد الإدارى والعسكرى والدينى وأضاعت ملكتى الاستنباط والعزم
ووطنت نفسها على تفريض أمرها إلى الحكومة فإنها خضعت بحكم الضرورة إلى الاشتراكية الحكومية
التى يدعو إليها الشيوعيون اليوم .
إن إحدى الغايات الأساسية الى ترمى إليها
الشيوعية هى أن تحتكر الحكومة الصنائع والمشاريع ، ثم أن الشيوعييين يودون أن ينزع
الصعاليك ما عند الطبقات القابضة على زمام الأمور فى الوقت الحاضر من سلطة سياسية
.
نعم لم يتم هذا
الأمر بعد ولكننا نسرع إليه الآن فقد أصبح العوام سادة بالتصويت العام ، وأخذوا
ينتخبون كثيرا من الاشتراكيين ليمتلوهم فى البرلمان ، وعندما تصير أكثرية البرلمان
اشتراكية يدخل أمر تحقيق الأهواء فى طور الإمكان فيلجأ الناس حينئذ إلى القياصرة كى يضعوا حدا لذلك ، ثم تدخل البلاد فى طور
الانقراض .
يخاف أكثر الناس الصراع ولذلك يتركون
الاشتراكية تنتشر غير مقاومين لها ،
مقتضيات الاقتصاد فى الوقت الحاضر أوشكت أن تقلب طرق معايش الأمم ، وأن لا
تجعل للأمم الضعيفة مكانا فى الحياة ، وسيصل ضعف الأمم اللاتينية قريبا إلى درجة
يستحيل النهوض منها ، ولا تمكن الحيولة
دون ذلك بالافتتان بالعبارات الزاهية والمجادلات العقيمة والافتخار بأعمال
الأجداد ،
فعصر الفروسية والبطولة واللباقة قد مضى وانقضى ، وما تأثير الخطب
الرقيقة والقصائد الطنانة التى تقال فى العدل والحق إلا كتأثير العصى التى ضرب بها
" سرخس " البحر ليعاقبه على تحطيم سفنه .
2 – الجمهوريات اللاتينية
الأمريكية – أسبانيا والبرتغال .
تعجز تلك الجمهوريات عن الاستفادة من
ثروة بلادها الواقعة فى أغنى بقاع الأرض ،
ومن ذلك لأنه يتكون من القائمين بها شعوب منهوكة القوى فاقدة النشاط وملكة
الاستنباط ، وصدق العزيمة .
ولو لم يهاجر إلى عواصم هذه البلاد
الفاسدة بعض الأجانب من انجليز وألمان للاستفادة من ثرواتها الطبيعية لرجعت منذ
عهد عهيد إلى طور الهمجية ، فالسبب فى
تمكين جمهورية الأرجانتين من وقاية نفسها قليلا من الخراب هو مهاجرة الأنجليز
إليها .
كانت أسبانيا متسلطة على الأقطار المذكورة قبل
تأسيس تلك الجمهوريات فيها ، نعم إن سكان هذه الجمهوريات استطاعوا بالثورة أن
يتخلصوا من حكم الرهبان الظالم ،
ومن ربقة الحكام الطامعين إلا أن ذلك وقع بعد
انقضاء الوقت المناسب أى بعد أن تأصلت العادات فى انفوس وتكونت الروح القومية
وأصبحت النهضة مستحيلة ،وقضى الرهبان على كل من ظهر عليه أثرمن الذكاء والاستقلال
الفكرى .
فحالة البرتغال وأسبانيا فى الوقت الحاضر
معلومة وتبدو لأقل السائحين تأملا بعد أن يقيم فيها مدة قصيرة ، حينئذ يرى أن
ماليتهما فى حالة سيئة ، وصناعتهما وتجارتهما معدومتان ،
وأن الأجانب هم الذين
يديرون ما يندر وجوده من فيهما من
الصناعات
كانت هاتان االمملكتان
صاحبتى حول وقوة ، وأما الآن فهما عاجزتان عن إدارة داخليتهما ومستعمراتهما التى
أضاعتاها بالتدريج ، وقد بقى أخيرا لأسبانيا جزائر الفلبين وكوبا ،
ولكن لما كان
استثمار هذه الدولة للجزائر استثمار جشع وطمع وكان الحكام الذين أرسلتهم إليها
ظلمة مرتشين قام أهلوها الأصليون بثورة عنيفة وتدخل الأجنبى فى الأمر .
0 التعليقات:
إرسال تعليق