ثروة الأمم 29
ثانيا – فى محصول الأرض الذى يمكن أحيانا من دفع
الريع
وأحيانا لا يمكن من دفعه
يبدو أن الغذاء البشرى هو
المحصول الوحيد الذى يدر دائما وبالضرورة بعض الريع لمالك الأرض . ما بقية
المحاصيل فربما فعلت ذلك أحيانا وربما لم تفعل حسب اختلاف الظروف .
الكساء والمأوى هما ، بعد الغذاء
، الحاجتان الكبريان للبشرية .
ولكن عندما يؤدى استصلاح الأرض
وزراعتها إلى تمكين عائلة واحدة من توفير الغذاء لاثنتين ، يصبح عمل نصف المجتمع
كافيا لتوفير الغذاء للكل . ولذلك ، فإن النصف الثانى ، أو على الأقل ، القسم
الأكبر منه ، يمكن أن يستخدم فى توفير أشياء أخرى ، أو فى تلبية حاجات البشر
الاخرى ورغباتهم .
الكسوة والمسكن ، وأثاث المنزل ، وما يسمى أيضا اللوازم هى هدف
القسم الأكبر من تلك الحاجات والأهواء .
الرغبة فى الطعام تحدها رغبة كل
إنسان حدود سعة المعدة البشرية ، أما الرغبة فى الكماليات وزخارف المبانى ،
واللباس ، واللوازم ، وأثاث المنزل ، فتبدو بلا حدود يقينية .
مناجم الفضة فى البيرو ، وهى
الأخصب التى عرفت فى العالم . كما أن أرباح ملتزمى مناجم الفضة فى البيرو ليست
كبيرة جدا فى العادة ، ويخبرنا المؤلفان الجليلان العظيما الاطلاع بأنه عندما يعمد
أى شخص إلى تشغيل منجم جديد فى البيرو فإن الناس بأجمعهم ينظرون إليه باعتباره
رجلا كتب عليه الإفلاس والخراب ، وهم لذلك يتحاشونه ويبتعدون عنه .
فالاستثمار فى
المناجم ينظر إليه هناك ، مثلما ينظر إليه هنا ، باعتباره يانصيبا لا تكافئ فيه
قيمة الجوائز قيمة الأوراق غير الرابحة ، وإن كان عظم بعض الجوائز يغرى الكثير من
المغامرين بأن يرموا ثرواتهم فى مشاريع غير مثمرة كهذه .
ولكن لما كان حامل السيادة يستمد
قدرا لايستهان به من إيراداته من نتاج مناجم الفضة ، فإن القانون فى البيرو يقدم
كل تشجيع ممكن على اكتشاف مناجم جديدة وتشغيلها .
ويحق لكل من يكتشف منجما أن يقيس
مئتين وستة وأربعين قدما بالطول وفقا لما يفترض أنه اتجاه العرق ، ونصف ذلك بالعرض
، ثم يصبح مالكا لهذا القسم من المنجم ويستطيع أن يشغله من دون أن يدفع أى امتياز
لمالك الأرض .
وقد أفضت مصلحة دوق
كونوول إلى تنظيم مشابه تقريبا فى تلك الدوقية القديمة . ففى الأراضى اليباب وغير
المسيجة يحق لأى شخص يكتشف منجم قصدير أن يعين حدوده إلى حد ما ، وهو ما يسمى
بتحديد المنجم . ويصبح المحدد المالك الحقيقى للمنجم ، ويحق له إما أن يشغله بنفسه
، أو أن يؤجره من رجل آخر ، من دون رضى مالك الأرض ، الذى يجب أن يدفع له امتياز
صغير جد عند تشغيل المنجم .
وفى النظامين يضحى بالحقوق المقدسة للملكية الخاصة من
أجل المصالح الافتراضية للإيرادات العامة .
والذهب أيضا أطوع للتهريب من الفضة ، وذلك ليس بسبب قيمته العالية بالقياس
إلى حجمه ، بل وبسبب طريقة الطبيعة الخاصة فى إنتاجه .
فالفضة نادرا ما توجد
خالصة ، بل هى توجد كمعظم المعادن الأخرى ، مختلطة ببعض الأجسام الأخرى التى يتعذر
تخليصها منها بكميات تكفى لتسديد الكلفة ، إلا بعملية مضنية ومملة ، لا يمكن
القيام بها إلا فى مشاغل أنشئت لهذا الغرض ، وهى لذلك معرضة لتفتيش موظفى الملك ،
أما الذهب فهو يوجد على الضد من ذلك ، بصورة شبه دائمة خالصا من الشوائب ، وهو
يوجد أحيانا قطعا ذات أجرام ، وهو حتى عندما تشوبه بعض الأجسام الخارجية ، فمن
الممكن فصله عنها عبر عملية قصيرة جدا وبسيطة ، ويمكن إنجازها فى أى منزل خاص من
قبل أى شخص يممتلك كمية قليلة من الزئبق .
والطلب على المعادن ينشأ إلى حد
ما من منفعتها وإلى حد آخر من جمالها . فالاستمتاع الرئيسى بالثروة عند السواد
الأعظم من الأثرياء يكمن فى استعراض الثروات ، هو لا يستكمل قط فى أنظارهم إلا
عندما يظهرون بمظهر المالك لعلامات الترف تلك التى لا يمكن لأحد غيرهم أن يمتلكها
.
وفى أنظارهم أن مزية أى شئ يمكن أن يكون نافعا أو جميلا إلى أى حد كان تتعزز
بندرته ، أو بالعمل الكبير الذى استلزمه تجميع أى قدر كبير منه ، وهو عمل لا قبل
لأحد غيرهم أن يدفع ثمنه .
ومزايا
المنفعة، والجمال، والندرة هى الأساس
الأولى لغلاء سعر هذين المعدنين .
فالنتاج الذى يستمد قيمته
الأساسية من ندرته ، تتدهور قيمته جراء غزارته .
إن غزارة الغذاء الذى يقع تحت
تصرف الكثير من الناس بكمية تفوق ما يستطيعون استهلاكه ، جراء استصلاح الأرض هى
السبب الأكبر للطلب على المعادن النفيسة والأحجار الكريمة ، علاوة على كل
الكماليات وحلى اللباس ، والمسكن ، وأثاث المنزل ولوازمه ، فالغذاء لا يشكل الجزء
الأساسى من ثروات العالم ، بل إن وفرة الغذاء هى التى تمنح الجزء الرئيسى من قيمه
أنواع عديده من الثروات .
كان سكان كوبا وسانت دومينغو
المساكين يضعون قطعا صغيرة من الذهب لتزيين شعرهم وأقسام أخرى من لباسهم يوم
اكتشفهم الأسبانيون . ويبدو أنهم كانوا يقدرونها مثلما نقدر نحن حصى صغيرة يخرج
حسن منظرها عن المألوف ، ويعتبرون أنها لا تستحق أكثر من التقاطها ولا تستاهل أن
تمنع عمن يطلبها .
وكانوا يمنحونها لضيوفهم الجدد عند أول طلب من دون أن يبدو عليهم أنهم
يعتقدون أنهم قدموا هدية قيمة جدا ، وكانوا يندهشون من رؤية الأسبانيين فى سعيهم
المحمموم للحصول عليها ، ولم يكن لديهم أية فكرة أنه يمكن أن يوجد أى بلد يكون تحت
تصرف العديد من الناس فيه تلك الكمية الفائضة من الغذاء ، النادر جدا فى ديارهم هم
، بحيث يعطون منه برضاهم ولقاء كمية صغيرة جدا من تلك الحلى التافهة ما يكفى
لإعالة عائلة كاملة العدد لعدة سنوات .
ولو كان من المستطاع إفهامهم ذلك ، لما كان
شغف الأسبانيين أدهشهم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق