07‏/11‏/2016

ثروة الأمم 29

ثروة الأمم 29



ثانيا – فى محصول الأرض الذى يمكن أحيانا من دفع الريع            
                         وأحيانا لا يمكن من دفعه   

   يبدو أن الغذاء البشرى هو المحصول الوحيد الذى يدر دائما وبالضرورة بعض الريع لمالك الأرض . ما بقية المحاصيل فربما فعلت ذلك أحيانا وربما لم تفعل حسب اختلاف الظروف .

   الكساء والمأوى هما ، بعد الغذاء ، الحاجتان الكبريان للبشرية . 

   ولكن عندما يؤدى استصلاح الأرض وزراعتها إلى تمكين عائلة واحدة من توفير الغذاء لاثنتين ، يصبح عمل نصف المجتمع كافيا لتوفير الغذاء للكل . ولذلك ، فإن النصف الثانى ، أو على الأقل ، القسم الأكبر منه ، يمكن أن يستخدم فى توفير أشياء أخرى ، أو فى تلبية حاجات البشر الاخرى ورغباتهم . 

الكسوة والمسكن ، وأثاث المنزل ، وما يسمى أيضا اللوازم هى هدف القسم الأكبر من تلك الحاجات والأهواء . 

   الرغبة فى الطعام تحدها رغبة كل إنسان حدود سعة المعدة البشرية ، أما الرغبة فى الكماليات وزخارف المبانى ، واللباس ، واللوازم ، وأثاث المنزل ، فتبدو بلا حدود يقينية . 


   مناجم الفضة فى البيرو ، وهى الأخصب التى عرفت فى العالم . كما أن أرباح ملتزمى مناجم الفضة فى البيرو ليست كبيرة جدا فى العادة ، ويخبرنا المؤلفان الجليلان العظيما الاطلاع بأنه عندما يعمد أى شخص إلى تشغيل منجم جديد فى البيرو فإن الناس بأجمعهم ينظرون إليه باعتباره رجلا كتب عليه الإفلاس والخراب ، وهم لذلك يتحاشونه ويبتعدون عنه .

 فالاستثمار فى المناجم ينظر إليه هناك ، مثلما ينظر إليه هنا ، باعتباره يانصيبا لا تكافئ فيه قيمة الجوائز قيمة الأوراق غير الرابحة ، وإن كان عظم بعض الجوائز يغرى الكثير من المغامرين بأن يرموا ثرواتهم فى مشاريع غير مثمرة كهذه . 

   ولكن لما كان حامل السيادة يستمد قدرا لايستهان به من إيراداته من نتاج مناجم الفضة ، فإن القانون فى البيرو يقدم كل تشجيع ممكن على اكتشاف مناجم جديدة وتشغيلها .

 ويحق لكل من يكتشف منجما أن يقيس مئتين وستة وأربعين قدما بالطول وفقا لما يفترض أنه اتجاه العرق ، ونصف ذلك بالعرض ، ثم يصبح مالكا لهذا القسم من المنجم ويستطيع أن يشغله من دون أن يدفع أى امتياز لمالك الأرض . 

 وقد أفضت مصلحة دوق كونوول إلى تنظيم مشابه تقريبا فى تلك الدوقية القديمة . ففى الأراضى اليباب وغير المسيجة يحق لأى شخص يكتشف منجم قصدير أن يعين حدوده إلى حد ما ، وهو ما يسمى بتحديد المنجم . ويصبح المحدد المالك الحقيقى للمنجم ، ويحق له إما أن يشغله بنفسه ، أو أن يؤجره من رجل آخر ، من دون رضى مالك الأرض ، الذى يجب أن يدفع له امتياز صغير جد عند تشغيل المنجم .

 وفى النظامين يضحى بالحقوق المقدسة للملكية الخاصة من أجل المصالح الافتراضية للإيرادات العامة .
   

والذهب أيضا أطوع للتهريب من الفضة ، وذلك ليس بسبب قيمته العالية بالقياس إلى حجمه ، بل وبسبب طريقة الطبيعة الخاصة فى إنتاجه .

 فالفضة نادرا ما توجد خالصة ، بل هى توجد كمعظم المعادن الأخرى ، مختلطة ببعض الأجسام الأخرى التى يتعذر تخليصها منها بكميات تكفى لتسديد الكلفة ، إلا بعملية مضنية ومملة ، لا يمكن القيام بها إلا فى مشاغل أنشئت لهذا الغرض ، وهى لذلك معرضة لتفتيش موظفى الملك ، أما الذهب فهو يوجد على الضد من ذلك ، بصورة شبه دائمة خالصا من الشوائب ، وهو يوجد أحيانا قطعا ذات أجرام ، وهو حتى عندما تشوبه بعض الأجسام الخارجية ، فمن الممكن فصله عنها عبر عملية قصيرة جدا وبسيطة ، ويمكن إنجازها فى أى منزل خاص من قبل أى شخص يممتلك كمية قليلة من الزئبق . 

   والطلب على المعادن ينشأ إلى حد ما من منفعتها وإلى حد آخر من جمالها . فالاستمتاع الرئيسى بالثروة عند السواد الأعظم من الأثرياء يكمن فى استعراض الثروات ، هو لا يستكمل قط فى أنظارهم إلا عندما يظهرون بمظهر المالك لعلامات الترف تلك التى لا يمكن لأحد غيرهم أن يمتلكها .

 وفى أنظارهم أن مزية أى شئ يمكن أن يكون نافعا أو جميلا إلى أى حد كان تتعزز بندرته ، أو بالعمل الكبير الذى استلزمه تجميع أى قدر كبير منه ، وهو عمل لا قبل لأحد غيرهم أن يدفع ثمنه . 

  ومزايا المنفعة، والجمال، والندرة  هى الأساس الأولى لغلاء سعر هذين المعدنين . 

   فالنتاج الذى يستمد قيمته الأساسية من ندرته ، تتدهور قيمته جراء غزارته . 

   إن غزارة الغذاء الذى يقع تحت تصرف الكثير من الناس بكمية تفوق ما يستطيعون استهلاكه ، جراء استصلاح الأرض هى السبب الأكبر للطلب على المعادن النفيسة والأحجار الكريمة ، علاوة على كل الكماليات وحلى اللباس ، والمسكن ، وأثاث المنزل ولوازمه ، فالغذاء لا يشكل الجزء الأساسى من ثروات العالم ، بل إن وفرة الغذاء هى التى تمنح الجزء الرئيسى من قيمه أنواع عديده من الثروات . 

   كان سكان كوبا وسانت دومينغو المساكين يضعون قطعا صغيرة من الذهب لتزيين شعرهم وأقسام أخرى من لباسهم يوم اكتشفهم الأسبانيون . ويبدو أنهم كانوا يقدرونها مثلما نقدر نحن حصى صغيرة يخرج حسن منظرها عن المألوف ، ويعتبرون أنها لا تستحق أكثر من التقاطها ولا تستاهل أن تمنع عمن يطلبها . 

وكانوا يمنحونها لضيوفهم الجدد عند أول طلب من دون أن يبدو عليهم أنهم يعتقدون أنهم قدموا هدية قيمة جدا ، وكانوا يندهشون من رؤية الأسبانيين فى سعيهم المحمموم للحصول عليها ، ولم يكن لديهم أية فكرة أنه يمكن أن يوجد أى بلد يكون تحت تصرف العديد من الناس فيه تلك الكمية الفائضة من الغذاء ، النادر جدا فى ديارهم هم ، بحيث يعطون منه برضاهم ولقاء كمية صغيرة جدا من تلك الحلى التافهة ما يكفى لإعالة عائلة كاملة العدد لعدة سنوات . 

ولو كان من المستطاع إفهامهم ذلك ، لما كان شغف الأسبانيين أدهشهم .   

0 التعليقات: