12‏/11‏/2016

روح الإشتراكية 14

روح الإشتراكية 14


     لا يمكن الاطلاع على سير الاناظيم إلا بالرجوع الى منابعها فيظهر عندئذ أن نظام الامة الزاهر صدر عن تطور سابق .

     أحسن طريقة نكتشف بها نظام الامة السياسى خلف الظواهر هو أن نبحث عن شأن الحكومة وشأن الافراد فى الامور العامة أى أن نعين الكيفية التى تتلقى بها الامة الحكومة . 

      ان الانجليز مثال للأمم التى حصلت لها روح قومية ثابتة فروحهم تتجلى فى جميع أعمالهم صغيرة كانت أم كبيرة ، ولا خطر عليهم من اللامركزية لأنهم لما كانوا ذوى فكر مشترك فأنهم يسيرون على نسق واحد .

     أما الأمم اللاتينية المركبة من أفراد قليلي التجانس غير متفقين فى جميع الامور عاطلين من روح قومية متينة فالمركزية ضرورية لها منعا لما قد يعتورها من الانحلال إذ المركزية هى التى تقوم مقام الروح العامة عند هذه الأمم الفاقدة لمثل تلك الروح .

      تتصف الأمم اللاتينية ولا سيما الأمة السلتية بالصفات الاتية : 
حدة الذكاء مع ضعف ملكة الاستنباط و الارادة ، ولما كانت عاجزة عن القيام بالمجهودات العظيمة فإنها تميل الى الانقياد عازية كل فشل و اخفاق يصيبها الى قادتها لا إلى نفسها وهى و ان كانت – كما قال عنها يوليوس قيصر – تتصدى للحروب بسرعة من غير سبب فإنها تخمد حالا اذا لاحت لها بادرة من النوائب ، وهى تشبه النساء فى تقلبها الذى سماه ذلك الفاتح العظيم (بالنقيصة الغواوية) وهذا التقلب يجعلها خاضعة لجميع المحرضات ، و ربما كان وصفها البارز هو فقدان الادب الباطنى الذى يسير صاحبه به نفسه غير مسير بأحد .

      ولا تهمها حقائق الامور وتستهويها ظواهرها وهى مع كونها تظهر كثيرة التحول قائمة بالثورات فأنها فى الواقع شديدة المحافظة ، إذ تقوم بالثورات فى سبيل الألفاظ ولا تغير غير الألفاظ .

       سلطان هذه الألفاظ السحرى يجعل الأمم اللاتينية تمزق نفسها غير ناظرة الى ما تذهب ضحيته من الأوهام .

      ان كانوا لا يطيقون رؤية احد فوقهم فذلك لأنهم يودون ان يكون جميع الناس دونهم ، فهم يخصصون جزءا كبيرا من أوقاتهم للسعى وراء نيل لقب ووسام يتخذونهما وسيلة للاستخفاف بمن ليس عنده مثلهما .

      أما افتقارهم الى الحرية فضعيف الى الغاية و إذ انالوها فإنهم يتركونها لسيد يقودهم ويدبر امورهم ، وما كان شأنهم التاريخى عظيما إلا فى الأزمنة التى كان فيها على رأسهم رجال عظام .
      اللاتيني هو خلاف الانغلوسكسونى الذى يخضع لحقائق الأمور ولا يعزو ما يصيبه من النوائب الى حكومته ولا يعتنى بظواهر المقولات إلا قليلا .

      اُنس اللاتيني ولا سيما الفرنسى كبير ولكن ميلهم إلى التضامن ضعيف جدا ، والانجليزى بالعكس قليل الاُنس متضامن مع أفراد شعبه تضامنا قلبيا ، وقد بينا ان هذا التضامن سبب قوته ، فالأثرة الشخصية هى المسيرة لللاتين والأثرة القومية هى المسيرة للانغلوسكسونيين .

      يعجز اللاتين عن إدراك أفكار غيرهم فالناس عندهم متماثلون فى الخلقة والفكر والشعور . 

وهذا العجز هو سبب تعصبهم الشديد .


      الحرية عندهم هم أن يكونوا ذوى حق فى إيذاء من لم يفكر مثلهم . اثبتت الأمم اللاتينية بأنها ذات شجاعة عظيمة ، ولكن ما اتصفت به من خلق التردد وعدم التبصر وفقدان التضامن وعدم الاعتدال والفزع من التبعة يحرمها الاستفادة من هذه الشجاعة إذا لم تقد قيادة حسنة .

      من قبل كان الذكاء ورشاقة اللسان والبطولة والمواهب الأدبية والفنية عوامل اساسية للحضارة ، وبما أن الأمم اللاتينية تتصف بهذه الصفات اتصافا كبيرا فأنها قد ظلت زمنا طويلا على رأس جميع الأمم ولكن تطور الصناعة والاقتصاد يجعل الآن تفوق الأمم فى الحياة متوقفا على موهبتى النشاط و الإقدام وملكة الاستنباط وروح الانتظام ، وما عند الأمم اللاتينية من هذه المزايا قليل جدا ؛ إذ اخذت ملكة الاستنباط و الارادة والنشاط عندها تتدرج الى الوهن ، ولهذا نراها تتخلى شيئا فشيئا عن مكانها لمن يملك تلك الصفات .

       الأمم لا تنحط وتزول إذا تناقص ذكاء أبنائها بل إذا سقطت اخلاقها .

0 التعليقات: