01‏/11‏/2016

ثروة الأمم 17

ثروة الأمم 17



فى أجور العمل

   نتاج العمل يشكل الجزاء الطبيعى أو أجور العمل .   
      
 فى تلك الحال لبدائية ، التى سبقت استملاك الأرض ومراكمة رأس المال ، كان نتاج العمل بكامله ملكا للعامل ، لم يكن يعرف مالكا للأرض ، ولا سيدا يشاركه عمله . 

   لو قيض لتلك الحال أن تستمر ، لكانت أجور العمل قد تزايدت مع كل تلك التحسينات التى أدخلت على قواه الإنتاجية ، جراء تقسيم العمل . وكان من شأن الأشياء كلها أن تتدنى أسعارها شيئا فشيئا ، كان من شأن إنتاجها أن يستهلك كمية أقل من العمل ، 

وربما أنه من شأن السلع المنتجة بكميات متساوية من العمل أن تبادل فى تلك الحال ، بعضها ببعض ، فإن من شأنها بالمثل أن تشترى بنتاج كمية أقل . 

   وما أن أضحت الأرض ملكية خاصة ، حتى راح المالك يطلب حصة من كل نتاج يستطيع العامل أن يجنيه أو يجمعه منها ، فريعه يقوم بأول إنقاص من نتاج العمل الذى يتم على الارض . 

   ونادرا ما يحدث ان يكون للشخص الذى يحرث الأرض ما يقوم بأوده حتى يجنى محاصيله ، فهو يحصل قوته عموما مما يقدمه رب عمله له من رأس مال ، أى المزارع الذى يستخدمه ، 

والذى لا مصلحة له فى استخدامه ما لم تكن له حصة فى نتاج عمله ، أو مالم يعوض عن رأس ماله بربح ما ، وهذا الربح يشكل الإنقاص الثانى من نتاج العمل الذى يتم على الارض . 

   فكون أرباب العمل أقل عددا ، فهم أقدر على التحالف بمزيد من السهولة ، كما أن القانون يسمح ، أو على الأقل لا يحظر تحالفاتهم ، بينما يحظر تحالف العمال ، فلا وجود لقوانين صادرة عن البرلمان ضد التحالف لتخفيض سعر العمل ، بل ثمة الكثير منها ضد التحالف لرفعه . 

وفى استطاعة أرباب العمل أن يصمدوا لفترة أطول فى كافة النزاعات المماثلة ، ففى وسع صاحب الأرض ، والمزارع ، ورب الصنعة ، أو التاجر ، أن يعيشوا سنة أو سنتين إجمالا من رأس المال الذى اكتسبوه ، وإن لم يستخدموا عاملا واحدا ،

 أما العمال فالكثير منهم لا يكاد يقدر على البقاء أسبوعا ، وقلة قليلة تقدر على البقاء شهرا ، والنادر النادر منهم من يقدر على البقاء سنة من دون عمل ، ربما كان العامل على المدى الطويل ضروريا لرب العمل كضرورة هذا العمل ، ولكن الضرورة ليست فورية .  

   نحن نادرا ما نسمع ، على ما قيل ، عن تحالفات أرباب العمل ، بينما نسمع تكرارا عن تحالفات العمال ، ولكن من يظن ، اعتمادا على هذا ، أن أرباب العمل قلما يتحالفون إنما هو جاهل بالعالم كجهله بالموضوع ، فبين أرباب العمل على الدوام ، وفى كل مكان ، شئ كالتحالف الضمنى ، الثابت والمطرد على عدم رفع أجور العمل فوق الحد الفعلى القائم 

 وتجرى هذه التحالفات تحت ستار من الصمت والسرية القصوى حتى لحظة التنفيذ ، غير أن أمثال هذه التحالفات تواجه مرارا بتحالفات دفاعية من قبل العمال الذين يتحالفون أيضا بمحض اتفاقهم ومن دون أى استفزاز من هذا القبيل ، فعى غالبا تنتشر على الملأ . وهم يلجأون دائما إلى أضخم أشكال الصخب والصياح ، ويعتمدون أعنف أشكال التعبير عن السخط والغضب ، 

بغية التوصل إلى قرار سريع . إنهم يائسون ويتصرفون برعونة اليائسين وجنونهم ، إذ لا خيار أمامهم إلا الموت جوعا أو إخافة أرباب عملهم بحيث يستجيبون فورا لمطالبهم ، ولا يقل أرباب العمل عن العمال صخبا فى هذه المناسبات ، ولا يتوقفون عن مطالبة السلطات المدنية وبصوت عال ، بالمساعدة ، وبالتنفيذ الدقيق للقوانين التى سنت بكثير من القسوة ضد تحالفات الخدام 

 ولذلك فنادرا ما يحصل العمال على أى مكسب من عنف تلك التحالفات الصاخبة التى لا تكاد تصل إلى شئ غالبا ، إلا معاقبة قادة التحرك أو خرابهم ، وذلك جراء تدخل السلطات المدنية من جهة ، وجراء قدرة أرباب العمل على مزيد من الصمود من جهة ثانية ، وجراء الضرورة التى ينصاع لها القسم الأكبر من العمال لتحصيل أقواتهم اليومية من جهة ثالثة . 

   ولكن بالرغم من أن أرباب العمل لابد لهم فى خصوماتهم مع العمال من أن يكونوا الغالبين إجمالا ، فثمة مع ذلك حد معين يبدو أنه من غير الممكن أن تتدنى عنه الأجور العادية لأية مدة طويلة من الزمن ، وإن كانت من أجور أدنى أنواع العمل . 

   فلابد للعامل من أن يعيش من عمله ، ولابد لأجوره من أن تكون على الأقل كافية للقيام بأوده ، لا بل ينبغى لهذه الأجور أن تزيد عن ذلك فى أكثر الأحيان ، وإلا فسوف يستحيل عليه أن يعيل أسرته ، وبذلك لا يستمر نسل هذا النوع من العمال إلى ما بعد الجيل الأول .

 ويبدو أن السيد كانتيلين يفترض ، بناء على ذلك ، أن العامل من النوع الأدنى من العمال العاديين ، ينبغى ان يكسب أينما كان ، ضعف قوته اليومى الخاص ، وذلك بغية أن يتمكن مع زوجته من تربية ولدين . 

   فندرة الأيدى العاملة تتسبب بالتنافس بين أرباب العمل الذين يزايد بعضهم على بعض للحصول على العمال ، ويكسرون طوعا التحالف الطبيعى القائم بينهم على الإحجام عن زيادة الأجور .

0 التعليقات: