12‏/11‏/2016

روح الإشتراكية 6

روح الإشتراكية 6


      نُظُم الامم تصدر كما بينا عن مزاجها النفسى الذى ينتقل اليها بالإرث لا عن قواعد فلسفية ملفقة لا قيمة للخيالات الاجتماعية والمبادئ النظرية .

 أما ما يأتى به أقطاب السياسة وفرسان البيان فى الغالب فهو عبارة عن افراغ رغائب الزمان والشعب الصامتة فى قالب تستمرئه النفوس . 

على هذا النحو سار نوادر الكتاب الذين أثروا بمؤلفاتهم فى العالم ، كآدم سميث فى انجلترا وروصو فى فرنسا ، فهؤلاء صاغوا ما كان شائعا من الافكار فى قالب واضح ولكنهم لم يبتكروه ، أما نسبته اليهم فخطأ نشأ عن تقادم العهد .

      ان العناصر التى تسمو بها الحضارات من علوم وفلسفة وأديان وجيوش وغير ذلك نتيجة لأعمال بعض الأفراد لا لأعمال المجتمعات ،

 فبنوابغ الأفراد الذين هم ثمار الامم النادرة تزكوا أغراس المخترعات والمبتكرات العظيمة التى يستفيد منها البشر قاطبة ، والامم التى نمت عندها (الفردية) اكثر مما عند غيرها هى القابضة على زمام الحضارة المتسلطة على العالم .

     الحرية اى المزاحمة هى كناية عن تنازع دائم هو أساس كل تقدم ، 
ولا يخرج من هذا التنازع ظافرا إلا اصحاب الكفاءة أما الضعيف فيبيد ،
 فالأقوياء هم الذين يطيقون الانفراد و أما الضعفاء فيفضلون الاستعباد مهما كان قاسيا على الانفراد وعدم الاتكال . 

إن جمعيات المحترفين التى قضت عليها الثورة الفرنسية هى لحمة لنسيج حياة الرجل فى ذلك العهد ولذلك لم تلبث أن ظهرت فى هذه الأيام مسماة بأسماء مختلفة منها النقابات ، 

وفى هذه النقابات يتمكن الفرد من الإتيان بأقل الجهود مع ان الفردية تدفعه الى الإتيان بأعظمها ، فالصعلوك التى لا قيمة له بدونها يصبح بها جبارا عاتيا ، وإذا كانت النقابات عاجزة عن منحه أهلية وذكاء فهى تعطيه على الأقل قوة تلقاء حريته التى لا يدرى ماذا يفعل بها .

      لا شك فى أن من نتائج الفردية القاء حبل المرء على غاربة والقذف به فى عالم مفعم بالمطامع ، فأما الأمم الفتية والشديدة البأس كالانغلوسكسونيين – حيث لم يكن التفاوت بين أفرادها عظيما – فإنها ترضى بهذا النظام لمعرفة عمال الانكليز و الاميركيين بما يؤسسونه من النقابات كيف يخاصمون ارباب رؤوس الاموال ولا يجعلون للبغى عليهم سبيلا ، وأما الامم المسنة التى أفسدت العصور وطرق التربية قوة الاستنباط فيها فقد ثقلت عليها نتائج تقدم الفردية .

      إن القضاء على التفاوت الاجتماعى بسيط للغاية من الجهة النظرية وهى أن تتدخل الحكومة فى جميع الامور لتقسم الارزاق وتجدد التوازن عند اختلاله كما تقتضيه مصالح البعض .

 ومن هذا الفكر الذى هو غير جديد والذى يأخذ ظاهره بمجامع القلوب نشأت مبادئ الاشتراكية التى سنبحث عنها الآن .

0 التعليقات: