روح الإشتراكية 6
نُظُم الامم تصدر كما بينا عن مزاجها
النفسى الذى ينتقل اليها بالإرث لا عن قواعد فلسفية ملفقة لا قيمة للخيالات
الاجتماعية والمبادئ النظرية .
أما ما يأتى به أقطاب السياسة وفرسان البيان فى
الغالب فهو عبارة عن افراغ رغائب الزمان والشعب الصامتة فى قالب تستمرئه النفوس .
على هذا النحو سار نوادر الكتاب الذين أثروا بمؤلفاتهم فى العالم ، كآدم سميث فى
انجلترا وروصو فى فرنسا ، فهؤلاء صاغوا ما كان شائعا من الافكار فى قالب واضح
ولكنهم لم يبتكروه ، أما نسبته اليهم فخطأ نشأ عن تقادم العهد .
ان العناصر التى تسمو بها الحضارات من علوم
وفلسفة وأديان وجيوش وغير ذلك نتيجة لأعمال بعض الأفراد لا لأعمال المجتمعات ،
فبنوابغ الأفراد الذين هم ثمار الامم النادرة تزكوا أغراس المخترعات والمبتكرات
العظيمة التى يستفيد منها البشر قاطبة ، والامم التى نمت عندها (الفردية) اكثر مما
عند غيرها هى القابضة على زمام الحضارة المتسلطة على العالم .
الحرية اى المزاحمة هى كناية عن تنازع دائم
هو أساس كل تقدم ،
ولا يخرج من هذا التنازع ظافرا إلا اصحاب الكفاءة أما الضعيف
فيبيد ،
فالأقوياء هم الذين يطيقون الانفراد و أما الضعفاء فيفضلون الاستعباد مهما
كان قاسيا على الانفراد وعدم الاتكال .
إن جمعيات المحترفين التى قضت عليها الثورة
الفرنسية هى لحمة لنسيج حياة الرجل فى ذلك العهد ولذلك لم تلبث أن ظهرت فى هذه
الأيام مسماة بأسماء مختلفة منها النقابات ،
وفى هذه النقابات يتمكن الفرد من
الإتيان بأقل الجهود مع ان الفردية تدفعه الى الإتيان بأعظمها ، فالصعلوك التى لا
قيمة له بدونها يصبح بها جبارا عاتيا ، وإذا كانت النقابات عاجزة عن منحه أهلية
وذكاء فهى تعطيه على الأقل قوة تلقاء حريته التى لا يدرى ماذا يفعل بها .
لا شك فى أن من نتائج الفردية القاء حبل
المرء على غاربة والقذف به فى عالم مفعم بالمطامع ، فأما الأمم الفتية والشديدة
البأس كالانغلوسكسونيين – حيث لم يكن التفاوت بين أفرادها عظيما – فإنها ترضى بهذا
النظام لمعرفة عمال الانكليز و الاميركيين بما يؤسسونه من النقابات كيف يخاصمون
ارباب رؤوس الاموال ولا يجعلون للبغى عليهم سبيلا ، وأما الامم المسنة التى أفسدت
العصور وطرق التربية قوة الاستنباط فيها فقد ثقلت عليها نتائج تقدم الفردية .
إن القضاء على التفاوت الاجتماعى بسيط
للغاية من الجهة النظرية وهى أن تتدخل الحكومة فى جميع الامور لتقسم الارزاق وتجدد
التوازن عند اختلاله كما تقتضيه مصالح البعض .
ومن هذا الفكر الذى هو غير جديد
والذى يأخذ ظاهره بمجامع القلوب نشأت مبادئ الاشتراكية التى سنبحث عنها الآن .
0 التعليقات:
إرسال تعليق