13‏/11‏/2016

روح الإشتراكية 19

روح الإشتراكية 19


       وقد كان الرهبان أيضا من المصائب التى ابتليت بها الفلبين فكان عددهم فيها ستة آلاف ، وكانوا ذوى أطماع وهمجية طبقوا ها على البلاد المذكورة فى محكمة التفتيش  .
     
        وقد جاء فى كتاب الدكتور " غيمارا " تفاصيل مخيفة عن المظالم التى كان الأسبان يقترفونها ضد سكان البلاد الأصليين ،

 ومنها " قصة المئة سجين الذين اعتقلوا فى سجن " حفرة الأموات " كان نصف هذا السجن مملوءا بما لا يتخيله إلا الكتاب الروائيون من الماء المتعفن والفيران والأفاعى وأنواع الهوام ، فكانت الليلة التى أحياها هؤلاء المعتقلون هائلة ، وكان يسمع أنينهم من شدة العذاب متوسلين إلى من يعجل فى هلاكهم ، وهكذا ماتوا ولم يبق مهم واحد عند مطلع الفجر " . 

        ثم قال الموسيو" غيمارا " مستنتجا : " ليس من الغريب أن يفرح العصاة بانتصار الأمريكين فقد أتت أسبانيا فى تلك الجزائر التعسة منذ عصور بجرائم لا تغتفر .  

        أن الحرب الأسبانية الأمريكية حافلة بالمعارف النفسية  ، ولم يتجل شأن الخلق والعنصر فى حياة الأمم كتجليه فيها ، فالعالم لم يشاهد فى غيرهذه الحرب أنه قضى على أسطول مدرع بدروع قوية فى ساعة واحدة دون أن يصاب العدو بأقل ضرر ،

 إذ أغرقت عشرون بارجة للأسبان عند ملاقاتها للأسطول الأمريكى من غير مقاومة نعم يوجد فى الموت بجنان ثابت عذر محزن ، ولكنه لم يقع فى " مانيلا " وكوبا سوى عدم التبصر والإرتياب والغفلة وقلة التؤدة ،

 فقد غفل الأسبان عندما اقترب الأسطول الأمريكى من  " مانيلا " عن ايقاد النار إعلاما بحضوره وعن الدفاع عن المضيق بإلقاء الألغام فيه وتقاعسوا عن إمداد " ساتتياغو " بالجنود التى لم تكن قليلة فى الجزيرة ، ولم يكن فى " بورتو ريكو " من يدافع عنها ، 

وأما الأسطول الذى أباد نفسه بتدهوره على الصخور دون أن يصيب العدو بقنبلة فكان ذا مشهد محزن ، ولو طرح نفسه على العدو بدلا من الفرار لألحق به بعض الضرر وأنقذ شرفه ، ولقد أصاب الموسيو " دوباس " حيث قال : " ينتسب هذان الخصمان إلى جيلين متباينين، أحدهما سيد على وسائله ونفسه بما اكتسبه من التربية والآخر يسير حسب هواه " . 

      وليس ذلك رأى الأجانب وحدهم بل شاطرهم إياه كتاب الأسبان ، فقد جاء فى بحث مهم نشره الكاتب الأسبانى " باردو بازان " فى مجلة بلو " إن فساد الأخلاق والرشوة يأكلان قلب إدارتنا ويخاف الناس العدل أكثر من أن يخافوا الأشقياء . 

       وأما نهب بيت المال فى أسبانيا فأصبح عاما ، إذ لا هم لأحزابها المتطاحنة غير الإغتناء ، ولما أثقل كاهل الأمة الأسبانية بالضرائب ونفد كل ما تملكه من نشب ومال عم فيها الشقاء فاضطر مدرسوها الذين لم ينالوا رواتبهم منذ زمن بعيد إلى التسول خوفا من الموت جوعا . 

قال الكاتب المذكور : " ظهرت فى أسبانيا قبل ملوك الكاثوليك حضارة العرب الزاهرة فكان عدد سكانها أربعين مليونا ، وكانت زاخرة بالمدن الجميلة التى تأخذ بقاياها بمجامع القلوب ،

 ثم كانت قوية حافلة بالعلماء ،ولكنه لم يمض قرنان على سيادة ملوك الكاثوليك حتى خلت أسبانيا من السكان وعمت المجاعة فيها واعتراها الوهن ، وأما اليوم بعد انقضاء أربعة قرون فلم يبق لنا شئ من فتوحات الماضى وعظمته ، وانحصرت مفاخرنا بالدمن والأنقاض والذكرى الشاحبة " .

0 التعليقات: