ثروة الأمم 21
ويبدو أن الصين لم تزل ، منذ زمن طويل ،
مستقرة ، والأرجح أنها امتلكت ، منذ زمن طويل ، ذلك القدر التام من الثروات الذى
ينسجم مع طبيعة قوانينها ومؤسساتها .
ولكن
هذا القدر ربما كان أدنى بكثير مما قد تتيح لها تربتها ، ومناخها ، وموقعها أن
تكتسبه . فالبلد الذى يهمل التجارة الخارجية أو يحتقرها ،
والذى لا يسمح لمراكب الأمم
الأجنبية أن ترسو إلا فى مرفأ أو اثنين من
مرافئه فقط ، لا يستطيع أن يقوم بنفس كمية
التجارة التى كان من شأنه أن يقوم بها فى ظل قوانين ومؤسسات مختلفة .
والبلد الذى
يتمتع فيه الأثرياء أو أصحاب رءوس الأموال الكبرى بقسط وافر من الأمان ، ولايكاد
الفقراء أو أصحاب رءوس الأموال الصغرى يتمتعون بشئ منه ، بل تراهم عرضة للنهب
والسلب على أيدى أصاغر الموظفين بذريعة تنفيذ العدالة ، لا يمكن لكمية رأس المال
المستثمر فى مختلف أصناف الأعمال التجارية التى تزاول فيه من ان تساوى ما قد تسمح
به طبيعة هذه الأعمال أو مداها الطبيعى .
ولا بد لقهر الفقراء فى كل باب من أبواب الأعمال
التجارية من أن يقيم احتكار الأثرياء الذين إذ يستحوذون على التجارة كلها لأنفسهم ،
سوف يتمكنون من جنى أرباح طائلة جدا .
ويقال ، استنادا إلى ذلك ، إن نسبة الفائدة
المعتادة فى الصين هى اثنتا عشرة بالمئة ، ولابد أن الأرباح العادية لرءوس الأموال
تكفى لتحمل هذه الفائدة المرتفعة .
عندما يحظر القانون الفائدة كليا
، فهو لا يحول دونها .
فلا بد لكثير من الناس أن يقترضوا ، ولن يقرضهم أحد من دون
أى اعتبار لاستعمال النقود ، لما يقتضيه ما يمكن أن يجنى من استعمالها، فضلا عن
صعوبة التهرب من القانون وخطورة ذلك.
ولا يعزو السيد مونتسكيو ارتفاع نسبة الفائدة
عند الأمم المحمدية إلى فقرها فحسب ، بل وإلى صعوبة استرداد النقود أيضا .
إن أدنى نسبة معتادة للربح ينبغى
أن تكون بقدر يزيد عما هو كاف لتعويض الخسائر الطارئة التى يتعرض لها كل استثمار لرأس المال .
فهذا
الفائض وحده هو الربح الصافى أو الواضح .
ينبغى لكامل مزايا أصناف العمل
ورأس المال ومساوئها أن تكون ، فى المحلة نفسها ، إما متساوية تماما أو أن تميل
باستمرار إلى التساوى .
فلئن كان أى صنف من أصناف العمل يمتاز فى المحلة نفسها
بكونه أربح من غيره بصورة واضحة أو أقل مربحية ، فإن الكثير من الناس سوف يتزاحمون
عليه فى الحالة الأولى ، ويهجرونه فى الحالة الثانية ، بحيث تعود مزاياه إلى مستوى
بقية أصناف العمل .
وهذا ، على الأقل ، هو ما تكون عليه الحال فى المجتمعات التى
تترك فيها الأشياء تجرى مجراها الطبيعى ، وحيث توجد حرية كاملة ، وحيث يستطيع كل
رجل أن يختار بحرية كاملة صنف العمل الذى يعتقده مناسبا ، وأن يغيره بقدر ما يرى
ذلك ملائما .
إن مصلحة كل رجل سوف تدفعه إلى التماس العمل المريح ، واجتناب
العمل غير المريح .
0 التعليقات:
إرسال تعليق