ثروة الأمم 24
سبع سنوات كانت ، فيما يبدو ، المدة المقررة
قديما فى كافة أنحاء أوربا للتدرج فى العدد الأكبر من المهن ذات النقابات .
وكانت أمثال هذه النقابات كلها تسمى فى ما غبر من السنين جامعات ، وهى
التسمية اللاتينية الأصلية لأية نقابة مهما كانت
. فجامعة الحدادين ، وجامعة
الخياطين ، إلخ ،
عبارات نصادفها بكثرة فى دساتير المدن القديمة .
ويوم أنشئت هذه
النقابات المخصوصة ، أى الجامعات حسب تسميتها اليوم ، فإن عدد سنوات الدراسة التى
فرضت يومها لنيل درجة الماجستير (أى معلم فنون)
يبدو أنه قد نقل بوضوح عن عدد سنوات التدرج الشائع فى المهن والحرف العادية
التى كانت نقاباتها أقدم من ذلك بكثير .
فكما أن إتمام سبع سنوات من العمل تحت
إشراف معلم كامل الأهلية كان أمرا ضروريا لتمكين أى شخص من أن يصبح معلما ، وأن يتدرج
فى مهنة عادية ، كذلك كانت دراسة سبع سنوات تحت إشراف معلم كامل الأهلية ضرورية
لتمكينه من أن يصبح معلما ، أو مدرسا ،
أو دكتورا ( وهى كلمات كانت مترادفة قديما
) فى الفنون العقلية وأن يتخذ تلامذة أو متدرجين
( وهى كلمات كانت مترادفة قديما
أيضا ) ليدرسوا عليه .
فى السنة الخامسة من عهد الملكة
إليزابيث ، صدر ما يسمى عادة بقانون التدرج ، الذى قضى بأنه لا يحق لأى شخص كان أن
يزاول فى المستقبل أية مهنة أو حرفة ، أو صنعة فى ذلك الوقت فى إنجلترا ، ما لم
يكن قد أدى لها خدمة تدرج مدتها سبع سنوات على الأقل .
ومع
أن كلمات القانون عامة جدا ، وتشمل المملكة كلها ، فقد اقتصر تطبيقها جراء التفسير
على مدن السوق ، نظرا إلى الاجتهاد القائل بأنه من الجائز لشخص فى القرى الريفية أن
يزاول عدة حرف مختلفة ، وإن لم يمض سبع سنوات من التدرج فى كل منها نظرا إلى ضرورة
هذه الحرف لراحة السكان ، وإلى أن عدد السكان لا يكفى فى كثير من الأحيان ليمنح
كلا من هذه الحرف مجموعة خاصة من الأيدى .
وبفضل التفسير الدقيق للكلمات
أيضا ، اقتصر فى تطبيق هذا القانون على تلك المهن التى كانت قائمة فى إنجلترا قبل
السنة الخامسة من عهد الملكة إليزابث ، ولم يوسع قط ليشمل تلك المهن التى نشأت منذ
ذلك الزمن ، وقد تسبب هذا التقييد بعدة تمييزات من شأنها ،
إذا ما اعتبرت قواعد
للسياسة ، أن تظهر حمقاء بقدر ما تستطيع تصوره ، فقد صدر مثلا حكم قضائى يقضى بأنه
لا يجوز لصانع العربات أن يصنع بنفسه عجلات مركباته ولا أن يستخدم عمال مياومين
ليصنعوها له ، بل يتوجب عليه أن يشتريها من صانع العجلات ، نظرا إلى أن هذه الحرفة
كانت قائمة قبل العام الخامس من عهد الملكة إليزابث .
ومع ذلك فإنه يجوز لصانع
العجلات ، وإن لم يعمل قط كمتدرج عند صانع العربات ، أن يصنع عربات بنفسه أو أن
يستأجر عمالا مياومين ليصنعوها له ، وذلك نظرا إلى أن حرفة صنع العربات غير مشمولة
بالقانون لأنه لم يكن يزاولها أحد فى إتجلترا عند صدور القانون .
أما فى فرنسا ، فإن المدة
المطلوبة فى عدد كبير من الصنائع هى خمس سنوات ، ولكن قبل أن يتأهل أى شخص لمزاولة
الصنعة كمعلم عليه ، فى الكثير من الصنائع ، أن يخدم خمس سنوات إضافية كعامل مياوم
، يسمى خلالها رفيقا لمعلمه ، والمدة المفروضة نفسها تسمى رفقة .
ثلاث سنوات هى مدة التدرج فى
إسكتلندا ، حتى فى بعض الصنائع اللطيفة جدا .
إن حق الملكية الذى يتمتع به كل
رجل فى عمله الخاص إنما هو الحق الأقدس ، وغير القابل للانتهاك ، بقدر ما هو
الأساس الأولى لكل ملكية أخرى ، فميراث الرجل الفقير مرهون بقوة يديه وبراعتهما ،
وتعويقه عن استخدام قوته وبراعته بالوجه الذى يراه مناسبا من دون الإضرار بجاره
إنما هو انتهاك صريح لأقدس ما قد يمتلكه .
علامة السترلينغ على الطبق ،
والأختام على الأنسجة الكتانية والصوفية تمنح الشارى أمانا أكبر من أى قانون ينظم
مدة التدرج . فالشارى غالبا ما ينظر إلى هذه العلامات ، ولا يفكر قط فى جدوى
الاستفسار عن كون الصانع قد أمضى فترة تدرج تمتد على سبع سنوات .
إن الفانون القاضى بإطالة مدة
التدرج لا يميل إلى تعويد الشبان على الجهد والمثابرة ، فالعامل المياوم الذى يعمل
بالقطعة أميل لأن يكون مجتهدا لأنه يحصل على ربح من مزاولة جهده ، أما المتدرج
فأميل إلى أن يكون متبطلا ، وهو على هذا النحو بصورة شبه دائمة ، إذ لا مصلحة له
أن يكون على خلاف ذلك .
وفى الاستخدامات الأدنى مرتبة تقع حلاوة العمل فيها كلها فى مكافأة العمل ،
والذين يكونون فى وضع يجعلهم يبكرون فى التمتع بحلاوة العمل هم الأميل لأن يبكروا
فى تذوق تلك الحلاوة ، وفى اكتساب عادة الاجتهاد فى وقت مبكر .
من الطبيعى أن يكون شاب يافع نفورا من
العمل عندما يطول به الزمن من دون الحصول على أى مكسب منه .
0 التعليقات:
إرسال تعليق