07‏/11‏/2016

ثروة الأمم 25

ثروة الأمم 25



   كان التدرج أمرا غير معروف كليا عند الأقدمين ، والواقع أن الواجبات المتبادلة للمعلم والمتدرج تشكل مادة لا يستهان بها فى كل مجموعة قوانين حديثة . 

أما القانون الرومانى فيسكت سكوتا تاما حيال هذا الأمر .

 وأنا لا أعرف أية كلمة يونانية أو لا تينية ( وربما غامرت بالقول إنه لا وجود لكلمة كهذه ، فى ما أظن ) تعرب عن الفكرة التى نربطها بكلمة متدرج ، أى ذاك الخادم المجبر على العمل فى صنعة محددة لصالح معلم ، سنوات محددة ، شرط أن يقوم هذا المعلم بتعليمه تلك الصنعة . 

   فترات التدرج المتطاولة غير ضرورية قطعا ، فالفنون التى تتفوق تفوقا كبيرا على الصنائع العادية ، كتلك المختصة بصناعة الساعات ، لا تحتوى على أية أسرار تستلزم زمنا طويلا من التعليم . 

والحق أنه لا بد لأول اختراع لأمثال هذه الآلات الرائعة ، وحتى الأدوات المستعملة لصناعتها . 

من أن يكون وليد تفكر عميق ووقت طويل ، ويستحق أن يعتبر فى مصاف أسمى جهود البراعة البشرية .

 ولكن بعدما تم ابتداع الساعة وأدوات صنعها وتم فهمها ، فإن تفسير كيفية استعمال الأدوات وكيفية تركيب الآلات لأى شاب يافع لا يمكن أن يستلزم أكثر من بضعة أسابيع من الدروس ، وربما بضعة أيام كافية لاستيعابها .    

  والواقع أن البراعة اليدوية حتى فى الصنائع العادية لا يمكن أن تكتسب من دون الكثير من الممارسة والتجربة ، ولكن من شأن شاب يافع أن يتمرن ، بمزيد من الجد والانتباه ، إذا ما عمل منذ البداية عمل عامل مياوم ، يتقاضى أجره على قدر ما ينجزه من عمل يسير يستطيع تنفيذه ، ويدفع بدوره ثمن المواد التى قد يتلفها أحيانا جراء ثقل يده وقلة خبرته . 

ومن شأن تعلمه على هذا النحو أن يكون أفعل إجمالا ، وأقل إملالا ونفقة فى كل الأحوال .         

 والواقع أن من شأن المعلم أن يكون خاسرا .
 فهو سيخسر كل أجور المتدرج ، التى بات يوفرها الآن ، على مدى سبع سنوات .

 وفى النهاية ربما كان المتدرج نفسه خاسرا أيضا . ففى صنعة يسهل تعلمها إلى هذا الحد سيكون أمامه المزيد من المزاحمين ، ومن شأن أجوره عندما يصل إلى رتبة الصانع الماهر أن تكون أقل مما هى عليه الآن بكثير . 

ومن شان الزيادة نفسها فى المزاحمة أن تقلل من أرباح أرباب العمل مثلما تقلل أجور الصناع المهرة . وبذلك تكون الصنائع ، والحرف ، والمهن كلها خاسرة . 

ولكن الجمهور سيكون الرابح ، إذ يصل بهذا النحو عمل كافة الصناع إلى السوق بسعر أرخص . 

   فمن أجل الحؤول دون تخفيض السعر هذا ، وتخفيض الأجور والأرباح تاليا ، تأسست النقابات كلها ، وسن القسم الأكبر من قوانينها لتقييد التنافس الحر الذى من شأنه أن يؤدى حتما إلى ذلك التخفيض . 

ومن أجل إقامة نقابة لم يكن الأمر يستلزم فى الأزمنة القديمة أية سلطة أخرى فى الكثير من أنحاء أوربا إلا سلطة اتحاد نقابات المدينة التى ستؤسس فيها النقابة .

 والحق أن ذلك كان يستلزم فى "إنجلترا براءة من الملك أيضا ، ولكن يبدو أن امتياز التاج هذا قد احتفظ به لاعتصار تلك الأموال من الرعية لامن أجل حماية الحرية العامة من ظلم أمثال تلك الاحتكارات . 

   أما إدارة اتحادات المدن فقد كانت فى أيدى أصحاب الصنائع والعمال المهرة ، وقد كان من المصلحة الظاهرة لكل طائفة منهم أن تحول دون تكدس السلع فى السوق ، على ما كانوا يعبرون ، من نتاج نوع الصناعة الخاص بها ، وهو "إبقاء اسوق مفتقرا إلى تلك السلع بصورة دائمة . 

وكانت كل طائفة منهم تحرص على وضع النظم المناسبة لهذه الغاية ، وكانت على استعداد للقبول بأن تفعل كل طائفة أخرى هذا الشئ نفسه شرط أن يسمح لها بذلك .       
                           
   وقد كان من جراء لتلك التنظيمات فى الواقع أن كل طائفة كانت مضطرة إلى شراء السلع التى تحتاج إليها من كل طائفة أخرى داخل المدينة ، أغلى بعض الشئ مما كان فى وسعها أن تشتريها .

 ولكنها كانت تقدر فى المقابل أن تبيع سلعها الخاصة بالقدر نفسه من الغلاء ، بحيث كانت تلك الطوائف المختلفة فى المدينة خاسرة فى تعاملها مع بعضها البعض بفضل تلك التنظيمات .

 أما فى تعاملها مع البلد ككل فقد كانت جميعها رابحة كبرى ، وفى هذه المعاملات الأخيرة تقع كل التجارة التى تدعم كل مدينة وتثريها .

0 التعليقات: