ثروة الأمم 25
كان التدرج أمرا غير معروف كليا عند الأقدمين ،
والواقع أن الواجبات المتبادلة للمعلم والمتدرج تشكل مادة لا يستهان بها فى كل
مجموعة قوانين حديثة .
أما القانون الرومانى فيسكت سكوتا تاما حيال هذا الأمر .
وأنا لا أعرف أية كلمة يونانية أو لا تينية ( وربما غامرت بالقول إنه لا وجود
لكلمة كهذه ، فى ما أظن ) تعرب عن الفكرة التى نربطها بكلمة متدرج ، أى ذاك الخادم
المجبر على العمل فى صنعة محددة لصالح معلم ، سنوات محددة ، شرط أن يقوم هذا
المعلم بتعليمه تلك الصنعة .
فترات التدرج المتطاولة غير
ضرورية قطعا ، فالفنون التى تتفوق تفوقا كبيرا على الصنائع العادية ، كتلك المختصة
بصناعة الساعات ، لا تحتوى على أية أسرار تستلزم زمنا طويلا من التعليم .
والحق
أنه لا بد لأول اختراع لأمثال هذه الآلات الرائعة ، وحتى الأدوات المستعملة
لصناعتها .
من أن يكون وليد تفكر عميق ووقت طويل ، ويستحق أن يعتبر فى مصاف أسمى
جهود البراعة البشرية .
ولكن بعدما تم ابتداع الساعة وأدوات صنعها وتم فهمها ، فإن
تفسير كيفية استعمال الأدوات وكيفية تركيب الآلات لأى شاب يافع لا يمكن أن يستلزم
أكثر من بضعة أسابيع من الدروس ، وربما بضعة أيام كافية لاستيعابها .
والواقع أن
البراعة اليدوية حتى فى الصنائع العادية لا يمكن أن تكتسب من دون الكثير من
الممارسة والتجربة ، ولكن من شأن شاب يافع أن يتمرن ، بمزيد من الجد والانتباه ،
إذا ما عمل منذ البداية عمل عامل مياوم ، يتقاضى أجره على قدر ما ينجزه من عمل
يسير يستطيع تنفيذه ، ويدفع بدوره ثمن المواد التى قد يتلفها أحيانا جراء ثقل يده
وقلة خبرته .
ومن شأن تعلمه على هذا النحو أن يكون أفعل إجمالا ، وأقل إملالا
ونفقة فى كل الأحوال .
والواقع أن من شأن المعلم أن يكون
خاسرا .
فهو سيخسر كل أجور المتدرج ، التى بات يوفرها الآن ، على مدى سبع سنوات .
وفى النهاية ربما كان المتدرج نفسه خاسرا أيضا . ففى صنعة يسهل تعلمها إلى هذا
الحد سيكون أمامه المزيد من المزاحمين ، ومن شأن أجوره عندما يصل إلى رتبة الصانع
الماهر أن تكون أقل مما هى عليه الآن بكثير .
ومن شان الزيادة نفسها فى المزاحمة
أن تقلل من أرباح أرباب العمل مثلما تقلل أجور الصناع المهرة . وبذلك تكون الصنائع
، والحرف ، والمهن كلها خاسرة .
ولكن الجمهور سيكون الرابح ، إذ يصل بهذا النحو
عمل كافة الصناع إلى السوق بسعر أرخص .
فمن أجل الحؤول دون تخفيض السعر
هذا ، وتخفيض الأجور والأرباح تاليا ، تأسست النقابات كلها ، وسن القسم الأكبر من
قوانينها لتقييد التنافس الحر الذى من شأنه أن يؤدى حتما إلى ذلك التخفيض .
ومن
أجل إقامة نقابة لم يكن الأمر يستلزم فى الأزمنة القديمة أية سلطة أخرى فى الكثير
من أنحاء أوربا إلا سلطة اتحاد نقابات المدينة التى ستؤسس فيها النقابة .
والحق أن
ذلك كان يستلزم فى "إنجلترا براءة من الملك أيضا ، ولكن يبدو أن امتياز التاج
هذا قد احتفظ به لاعتصار تلك الأموال من الرعية لامن أجل حماية الحرية العامة من
ظلم أمثال تلك الاحتكارات .
أما إدارة اتحادات المدن فقد
كانت فى أيدى أصحاب الصنائع والعمال المهرة ، وقد كان من المصلحة الظاهرة لكل
طائفة منهم أن تحول دون تكدس السلع فى السوق ، على ما كانوا يعبرون ، من نتاج نوع
الصناعة الخاص بها ، وهو "إبقاء اسوق مفتقرا إلى تلك السلع بصورة دائمة .
وكانت كل طائفة منهم تحرص على وضع النظم المناسبة لهذه الغاية ، وكانت على استعداد
للقبول بأن تفعل كل طائفة أخرى هذا الشئ نفسه شرط أن يسمح لها بذلك .
وقد كان من جراء لتلك التنظيمات
فى الواقع أن كل طائفة كانت مضطرة إلى شراء السلع التى تحتاج إليها من كل طائفة
أخرى داخل المدينة ، أغلى بعض الشئ مما كان فى وسعها أن تشتريها .
ولكنها كانت
تقدر فى المقابل أن تبيع سلعها الخاصة بالقدر نفسه من الغلاء ، بحيث كانت تلك
الطوائف المختلفة فى المدينة خاسرة فى تعاملها مع بعضها البعض بفضل تلك التنظيمات
.
أما فى تعاملها مع البلد ككل فقد كانت جميعها رابحة كبرى ، وفى هذه المعاملات
الأخيرة تقع كل التجارة التى تدعم كل مدينة وتثريها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق