12‏/11‏/2016

روح الإشتراكية 10

روح الإشتراكية 10



         قامت المدنيات على عدد يسير من المعتقدات ذات الشأن فى حياة الامم .

        لا يقدر الانسان على تغيير معتقداته ومشاعره كما يريد إذ يوجد وراء حركات المرء تأثير لصفاته الارثية ، وهذه الصفات التى تجعل الجماعات شديدة المحافظة وأن خفى ذلك ايام الفتن ، فمن الصعب على الانسان أن يغير عاداته ومبادئه الارثية وهذه المؤثرات الموروثة هى الواقية للحضارات التى شاخت والتى تهددها اليوم عوامل التخريب الكثيرة .

       المبادئ المكتسبة أى المبادئ العقلية فهى التى يكتسبها المرء من تأثير البيئات والتربية و بها يعتقل ويعبر عما فى نفسه ويطنب فى الحديث ، إلا أنه يندر أن يسير عليها ولا تصبح ذات تأثير فى أفعاله إلا إذا تراكمت بالإرث ونفذت الى دائرة عدم الشعور وأصبحت مشاعر .

      المعتقد العام اكبر عامل فى تكوين الروح الوطنية و الارادة القومية أى فى توجيه مشاعر الأمة و أفكارها نحو غرض واحد ، ثم ان الحضارات الكبيرة ليست إلا إزهار لعدد قليل من المعتقدات ، ولا يقع انقراضها إلا عند ما تنحل عرى هذه المعتقدات .

      تنشأ الاختلافات والمنازعات التى تفرق بين الناس عما تولده الحوادث المتشابهة فى الأفكار المتباينة فى الأمزجة المختلفة .

     الفاظ الدين والحرية والجمهورية والطبقات الموسرة ورأس المال والعمل وغير ذلك فى أناس ينتسبون الى شعوب مختلفة نرى ان معانيها تتفاوت كثيرا .

     تشتق مادة التاريخ الأساسية من تنازع الشعوب والطبقات لا من اتفاقها الوهمى . فالحضارة لا تسوى بين الناس بل تميز بينهم .

     وجب على من يريد ان يسمع الناس كلامه ان يخاطبهم بلسانهم وعلى الوجه الذى يناسب أذهانهم .
     مع أننا لا نعاين الاشياء معاينة مشوهة فان هذا التشويه لا يخطر ببالنا ، ولذلك لا نقول ان الافراد الآخرين قد لا يفكرون كما نفكر ولا يسيرون كما نسير ، ويؤدى هذا النقص فى فهم الحقائق خاصة الى عدم التسامح فى الدين والآراء القائمة على المشاعر .

     مما يحزن القلب عجزنا عن إدراك أفكار الأمم الأخرى متمدنة كانت أو غير متمدنة فهذا هو علة الحالة المبكية التى عليها مستعمراتنا ، ولا فرق فى ذلك بين عوام الأمم اللاتينية وخواصها حتى نوابغها كنابليون لا يفقه شيئا عن نفسية الاسبان والانجليز .

     ان المؤلفات التاريخية ليست إلا أقاصيص مختلفة بعيدة من الحقائق ولا تدلنا على روح اشخاص التاريخ بل على روح المؤرخين أنفسهم .

     ان المؤلفات لا تترجم من لغة الى أخرى ، وهذا قول يصدق على اللغات الحديثة فما قولك فى اللغات التى تعبر عن أفكار أمم دخلت فى ذمة الماضى ؟

     لا نقدر على تبديل الالفاظ – لأن تحولها ابطأ من تحول الأفكار - فان معناها هو الذى يتبدل من حيث لا نشعر .

     الأخلاق تنتقل كالمعتقدات بالإرث و إنها جزء من روح الاجداد.

     العقل لا ينفعنا الا فى الشعور بأزهار هذه البواعث ، فالمشاعر الأرثية هى الإدلاء على طرق سيرنا ويندر أن يكون العقل دليلا على المسير .

     تظل اخلاقنا غريزية إذا لم يتدخل العقل .

0 التعليقات: