روح الإشتراكية 10
قامت المدنيات على عدد يسير من
المعتقدات ذات الشأن فى حياة الامم .
لا يقدر الانسان على تغيير معتقداته
ومشاعره كما يريد إذ يوجد وراء حركات المرء تأثير لصفاته الارثية ، وهذه الصفات
التى تجعل الجماعات شديدة المحافظة وأن خفى ذلك ايام الفتن ، فمن الصعب على
الانسان أن يغير عاداته ومبادئه الارثية وهذه المؤثرات الموروثة هى الواقية
للحضارات التى شاخت والتى تهددها اليوم عوامل التخريب الكثيرة .
المبادئ المكتسبة أى المبادئ العقلية فهى
التى يكتسبها المرء من تأثير البيئات والتربية و بها يعتقل ويعبر عما فى نفسه
ويطنب فى الحديث ، إلا أنه يندر أن يسير عليها ولا تصبح ذات تأثير فى أفعاله إلا
إذا تراكمت بالإرث ونفذت الى دائرة عدم الشعور وأصبحت مشاعر .
المعتقد العام اكبر عامل فى تكوين الروح
الوطنية و الارادة القومية أى فى توجيه مشاعر الأمة و أفكارها نحو غرض واحد ، ثم
ان الحضارات الكبيرة ليست إلا إزهار لعدد قليل من المعتقدات ، ولا يقع انقراضها
إلا عند ما تنحل عرى هذه المعتقدات .
تنشأ الاختلافات والمنازعات التى تفرق بين
الناس عما تولده الحوادث المتشابهة فى الأفكار المتباينة فى الأمزجة المختلفة .
الفاظ الدين والحرية والجمهورية والطبقات
الموسرة ورأس المال والعمل وغير ذلك فى أناس ينتسبون الى شعوب مختلفة نرى ان
معانيها تتفاوت كثيرا .
تشتق مادة التاريخ الأساسية من تنازع الشعوب
والطبقات لا من اتفاقها الوهمى . فالحضارة لا تسوى بين الناس بل تميز بينهم .
وجب على من يريد ان يسمع الناس كلامه ان
يخاطبهم بلسانهم وعلى الوجه الذى يناسب أذهانهم .
مع أننا لا نعاين الاشياء معاينة مشوهة فان
هذا التشويه لا يخطر ببالنا ، ولذلك لا نقول ان الافراد الآخرين قد لا يفكرون كما
نفكر ولا يسيرون كما نسير ، ويؤدى هذا النقص فى فهم الحقائق خاصة الى عدم التسامح
فى الدين والآراء القائمة على المشاعر .
مما يحزن القلب عجزنا عن إدراك أفكار الأمم
الأخرى متمدنة كانت أو غير متمدنة فهذا هو علة الحالة المبكية التى عليها
مستعمراتنا ، ولا فرق فى ذلك بين عوام الأمم اللاتينية وخواصها حتى نوابغها
كنابليون لا يفقه شيئا عن نفسية الاسبان والانجليز .
ان المؤلفات التاريخية ليست إلا أقاصيص
مختلفة بعيدة من الحقائق ولا تدلنا على روح اشخاص التاريخ بل على روح المؤرخين
أنفسهم .
ان المؤلفات لا تترجم من لغة الى أخرى ،
وهذا قول يصدق على اللغات الحديثة فما قولك فى اللغات التى تعبر عن أفكار أمم دخلت
فى ذمة الماضى ؟
لا نقدر على تبديل الالفاظ – لأن تحولها
ابطأ من تحول الأفكار - فان معناها هو الذى يتبدل من حيث لا نشعر .
الأخلاق تنتقل كالمعتقدات بالإرث و إنها جزء
من روح الاجداد.
العقل لا ينفعنا الا فى الشعور بأزهار هذه
البواعث ، فالمشاعر الأرثية هى الإدلاء على طرق سيرنا ويندر أن يكون العقل دليلا
على المسير .
تظل اخلاقنا غريزية إذا لم يتدخل العقل .
0 التعليقات:
إرسال تعليق