06‏/11‏/2016

ثروة الأمم 20

ثروة الأمم 20



فى أرباح رأس المال

   ولئن كان من المستحيل أن نحدد ، بأى قدر من الدقة ، ما هو أو ما كان عليه متوسط أرباح رأس المال ، سواء فى عصرنا هذا أم فى العصور القديمة ، فقد نكون فكرة ما عنها ، انطلاقا من فائدة المال . 

   فتبعا لتقلب النسبة المألوفة للفائدة فى أى بلد ، يصح عندنا أنه لابد لأرباح رأس المال المعتادة من أن تتغير معها ، فتتدنى معها إذ تتدنى ، وترتفع معها إذ ترتفع . ولذلك أيضا فمن الجائز أن يقودنا تطور الفائدة إلى تكوين فكرة ما ن تطور الربح . 

   فى السنة السابعة والثلاثين من عهد الملك هنرى الثامن أعلن أن كل فائدة تتجاوز العشرة فى المئة غير قانونية ، ويبدو أن نسبة أكثر من هذه كانت تستوفى قبل ذلك التاريخ . وفى عهد الملك إدوارد السادس حظرت الحمية الدينية كل أنواع الفوائد . 

  وقد أعيد إحياء قانون الملك هنرى الثامن فى السنة الثالثة عشرة من عهد الملكة إليزابيث ، (الفصل الثامن cap.8) وظلت العشرة فى المئة نسبة الفائدة القانونية حتى السنة الحادية والعشرين من عهد الملك جيمس الأول ، إذ خفضت إلى ثمانية فى المئة ، ثم خفضت إلى ستة فى المئة بعد عودة الملكية ( سنة 1660 يوم اوتقى تشارلز الثانى ) ، ثم إلى خمسة فى المئة بحلول السنة الثانية عشرة من عهد الملكة آن .        

 ويبدو أن نسبة الخمسة فى المئة لم تزل ، منذ أيام الملكة آن ، أعلى من نسبة السوق لا أدنى منها . وقبل الحرب الأخيرة ، كانت الحكومة تقترض بنسبة ثلاثة فى المئة ، وكان الناس ذوو الاعتماد الجيد فى العاصمة ، وفى الكثير من أنحاء المملكة ، يقترضون بثلاثة ونصف ، أربعة ، وأربعة ونصف فى المئة . 

   منذ أيام الملك هنرى الثامن لم تزل ثروة البلد ودخله فى تقدم متواصل ، ولم تزل وتيرتهما فى مجرى هذا التقدم ، متسارعة تدريجيا لا متقهقرة . ويبدو أن هذا التقدم لا يمضى قدما فحسب ، بل يمضى قدما أسرع فأسرع ، فأسعار الأجور لم تزل فى تزايد متواصل خلال الفترة نفسها ، كما أن أرباح رأس المال فى القسم الأكثر من فروع التجارة والأشغال اليدوية ، لم تزل تتناقص .
   إن إقليم هولندا، من ناحية ثانية ، بلد أغنى من إنجلترا، من حيث مساحة أراضيها وعدد سكانها ، والحكومة هناك تقترض بفائدة اثنين فى المئة ، وأفراد الناس ذوو الاعتماد الجيد بفائدة ثلاثة . ويقال إن أجورالعمل فى هولندا أعلى منها فى إنجلترا . مع أن انخفاض نسبة الربح هو الأثر الطبيعى لازدهار التجارة ، أو لكون كمية رءوس الأموال المستثمرة فيها باتت أكبر من ذى قبل  .                          

 خلال الحرب الأخيرة ربح الهولنديون كامل تجارة فرنسا الخارجية التى ما زالوا يحتفظون بحصة كبيرة منها إلى اليوم . 

   فى مستعمراتنا الأمريكية الشمالية والهندية الغربية ، ليست أجور العمل وحدها أعلى مما هى فى إنجلترا ، بل وفائدة النقد أيضا ، وأرباح رأس المال تاليا .   

   فى مختلف المستعمرات تتراوح نسبة الفائدة القانونية ونسبة الفائدة فى السوق بين ستة وثمانية بالمئة ، غير أن ارتفاع أجور العمل وارتفاع أرباح رأس المال أمران ربما كان من النادر أصلا (194) أن يتساوقا ، إلا فى الظروف الفريدة جدا التى تتسم بها المستعمرات الجديدة ، فلابد للمستعمرة الجديدة دائما من أن تظل رءوس أموالها أقل بالنسبة إلى سعة إقليمها لفترة ، وأقل سكانا بالنسبة إلى سعة رءوس أموالها من القسم الأكبر من البلدان الأخرى ، لديهم من الأراضى أكثر مما يمتلكون من رءوس الاموال لزراعتها . وهم ، لذلك لا يستثمرون مما يمتلكونه إلا فى زراعة أخصب الأراضى وأنسبها موقعا ، أى الأراضى القريبة من ساحل البحر ، أو المحاذية لضفاف الأنهر القابلة للملاحة .       

 وكثيرا ما تبتاع تلك الأراضى بسعر يقل حتى عن قيمة نتاجها الطبيعى . ولابد لرأس المال المستثمر فى شراء أراض كهذه واستصلاحها من أن يدر ربحا كبيرا ، ويمكن تاليا من دفع فوائد كبيرة جدا . وإن تراكمه السريع فى استثمار على هذا القدر من المربحية يمكن الزراع من زيادة عماله بأسرع مما يستطيع العثور عليهم فى مستوطنة جديدة . ولذلك تراه يدفع للذين يستطيع العثورعليهم أجورا سخية جدا.  ومع تزايد حجم المستعمرة ، تتناقص أرباح رأس المال تدريجيا .        

 أجور العمل لا تهبط مع هبوط أرباح رأس المال . فالطلب على العمل يتزايد بتزايد رأس المال مهما كانت أرباحه ، فرأس المال الكبير ، وإن در أرباحا صغيرة ، يتزايد إجمالا أسرع من رأس مال صغير يدر أرباحا كبيرة ، فالمال ، ، كما يقول المثل ، يصنع المال ، فعندما تحوز القليل منه قمن السهل ، فى كثير من الأحيان ، أن تحصل على المزيد . 

   إنه يتحتم على الأرباح التى تقتدر على فائدة كهذه أن تأكل كامل ريع مالك الارض ، كذلك يتحتم على هذا الربا الفاحش أن يأكل القسم الأكبر من هذه الأرباح ، ويبدو أن شيئا كهذا الربا كان شائعا فى الولايات الرومانية قبل انهيار الجمهورية فى ظل الإدارة المخربة للبروكونسول ، ومن ذلك أن بروتوس الفاضل (ابن يوليوس قيصر بالتبنى) كان يقرض المال بفائدة  ثمانية وأربعين بالمئة ، كما يتبين من رسائل شيشرون .

0 التعليقات: