ثروة الأمم 20
فى أرباح رأس المال
ولئن كان من المستحيل أن نحدد ،
بأى قدر من الدقة ، ما هو أو ما كان عليه متوسط أرباح رأس المال ، سواء فى عصرنا
هذا أم فى العصور القديمة ، فقد نكون فكرة ما عنها ، انطلاقا من فائدة المال .
فتبعا لتقلب النسبة المألوفة
للفائدة فى أى بلد ، يصح عندنا أنه لابد لأرباح رأس المال المعتادة من أن تتغير
معها ، فتتدنى معها إذ تتدنى ، وترتفع معها إذ ترتفع . ولذلك أيضا فمن الجائز أن
يقودنا تطور الفائدة إلى تكوين فكرة ما ن تطور الربح .
فى السنة السابعة والثلاثين من
عهد الملك هنرى الثامن أعلن أن كل فائدة تتجاوز العشرة فى المئة غير قانونية ،
ويبدو أن نسبة أكثر من هذه كانت تستوفى قبل ذلك التاريخ . وفى عهد الملك إدوارد
السادس حظرت الحمية الدينية كل أنواع الفوائد .
وقد أعيد إحياء قانون الملك هنرى الثامن فى السنة الثالثة عشرة من عهد
الملكة إليزابيث ، (الفصل الثامن cap.8) وظلت العشرة فى المئة نسبة
الفائدة القانونية حتى السنة الحادية والعشرين من عهد الملك جيمس الأول ، إذ خفضت
إلى ثمانية فى المئة ، ثم خفضت إلى ستة فى المئة بعد عودة الملكية ( سنة 1660 يوم
اوتقى تشارلز الثانى ) ، ثم إلى خمسة فى المئة بحلول السنة الثانية عشرة من عهد
الملكة آن .
ويبدو أن نسبة الخمسة فى المئة لم تزل ، منذ أيام الملكة آن ، أعلى من نسبة
السوق لا أدنى منها . وقبل الحرب الأخيرة ، كانت الحكومة تقترض بنسبة ثلاثة فى
المئة ، وكان الناس ذوو الاعتماد الجيد فى العاصمة ، وفى الكثير من أنحاء المملكة ،
يقترضون بثلاثة ونصف ، أربعة ، وأربعة ونصف فى المئة .
منذ أيام الملك هنرى الثامن لم
تزل ثروة البلد ودخله فى تقدم متواصل ، ولم تزل وتيرتهما فى مجرى هذا التقدم ،
متسارعة تدريجيا لا متقهقرة . ويبدو أن هذا التقدم لا يمضى قدما فحسب ، بل يمضى
قدما أسرع فأسرع ، فأسعار الأجور لم تزل فى تزايد متواصل خلال الفترة نفسها ، كما
أن أرباح رأس المال فى القسم الأكثر من فروع التجارة والأشغال اليدوية ، لم تزل
تتناقص .
إن إقليم هولندا، من ناحية ثانية
، بلد أغنى من إنجلترا، من حيث مساحة أراضيها وعدد سكانها ، والحكومة هناك تقترض
بفائدة اثنين فى المئة ، وأفراد الناس ذوو الاعتماد الجيد بفائدة ثلاثة . ويقال إن
أجورالعمل فى هولندا أعلى منها فى إنجلترا . مع أن انخفاض نسبة الربح هو الأثر
الطبيعى لازدهار التجارة ، أو لكون كمية رءوس الأموال المستثمرة فيها باتت أكبر من
ذى قبل .
خلال الحرب
الأخيرة ربح الهولنديون كامل تجارة فرنسا الخارجية التى ما زالوا يحتفظون بحصة
كبيرة منها إلى اليوم .
فى مستعمراتنا الأمريكية
الشمالية والهندية الغربية ، ليست أجور العمل وحدها أعلى مما هى فى إنجلترا ، بل
وفائدة النقد أيضا ، وأرباح رأس المال تاليا .
فى مختلف المستعمرات تتراوح نسبة
الفائدة القانونية ونسبة الفائدة فى السوق بين ستة وثمانية بالمئة ، غير أن ارتفاع
أجور العمل وارتفاع أرباح رأس المال أمران ربما كان من النادر أصلا (194) أن
يتساوقا ، إلا فى الظروف الفريدة جدا التى تتسم بها المستعمرات الجديدة ، فلابد
للمستعمرة الجديدة دائما من أن تظل رءوس أموالها أقل بالنسبة إلى سعة إقليمها
لفترة ، وأقل سكانا بالنسبة إلى سعة رءوس أموالها من القسم الأكبر من البلدان
الأخرى ، لديهم من الأراضى أكثر مما يمتلكون من رءوس الاموال لزراعتها . وهم ،
لذلك لا يستثمرون مما يمتلكونه إلا فى زراعة أخصب الأراضى وأنسبها موقعا ، أى
الأراضى القريبة من ساحل البحر ، أو المحاذية لضفاف الأنهر القابلة للملاحة .
وكثيرا
ما تبتاع تلك الأراضى بسعر يقل حتى عن قيمة نتاجها الطبيعى . ولابد لرأس المال
المستثمر فى شراء أراض كهذه واستصلاحها من أن يدر ربحا كبيرا ، ويمكن تاليا من دفع
فوائد كبيرة جدا . وإن تراكمه السريع فى استثمار على هذا القدر من المربحية يمكن
الزراع من زيادة عماله بأسرع مما يستطيع العثور عليهم فى مستوطنة جديدة . ولذلك
تراه يدفع للذين يستطيع العثورعليهم أجورا سخية جدا. ومع تزايد حجم المستعمرة ، تتناقص أرباح رأس
المال تدريجيا .
أجور العمل لا تهبط مع هبوط أرباح رأس المال . فالطلب على العمل يتزايد
بتزايد رأس المال مهما كانت أرباحه ، فرأس المال الكبير ، وإن در أرباحا صغيرة ،
يتزايد إجمالا أسرع من رأس مال صغير يدر أرباحا كبيرة ، فالمال ، ، كما يقول المثل
، يصنع المال ، فعندما تحوز القليل منه قمن السهل ، فى كثير من الأحيان ، أن تحصل
على المزيد .
إنه يتحتم على الأرباح التى
تقتدر على فائدة كهذه أن تأكل كامل ريع مالك الارض ، كذلك يتحتم على هذا الربا
الفاحش أن يأكل القسم الأكبر من هذه الأرباح ، ويبدو أن شيئا كهذا الربا كان شائعا
فى الولايات الرومانية قبل انهيار الجمهورية فى ظل الإدارة المخربة للبروكونسول ،
ومن ذلك أن بروتوس الفاضل (ابن يوليوس قيصر بالتبنى) كان يقرض المال بفائدة ثمانية وأربعين بالمئة ، كما يتبين من رسائل
شيشرون .
0 التعليقات:
إرسال تعليق