ثروة الأمم 15
فى سعر السلع الطبيعى وسعرها فى السوق
عندما يكون سعر أية سلعة ليس
أكثر أو أقل مما هو كاف لدفع ريع الأرض ، وأجور العمل ، وأرباح رأس المال المستثمر
فى إنشائها ، وإعدادها ، ونقلها إلى السوق ، وفقا للنسب الطبيعية لهذه الثلاثة ،
فالسعر الذى تباع به هذه السلعة يسمى سعرها الطبيعى .
فالسلعة تباع عندئذ بالسعر الذى
تستحقه بدقة ، أو بقدر كلفتها الحقيقية عند الشخص الذى نقلها إلى السوق .
والسعر الفعلى الذى تباع به أية
سلعة يسمى سعر السوق ، وقد يكون أعلى من سعرها الطبيعى أو أدنى منه ، أو مساويا له
تماما .
إن أية سلعة تنقل إلى السوق إذا
تدنت كميتها عن الطلب الفعلى ، فإن كل الذين يرغبون فى دفع القيمة الكلية للريع ،
والأجور ، والربح ، التى يجب دفعها لنقلها إى هناك ،
لن يستطيعوا الحصول على
الكمية التى يريدونها ، وبدلا من أن يقبلوا عليها فحسب فإن البعض منهم سيبدى
الاستعداد لدفع المزيد ، وعلى الفور ، ينشأ بينهم تنافس ، ويرتفع سعر السوق شيئا
ما فوق السعر الطبيعى ، وذلك تبعا لما تثيره فداحة النقص ، أو ثروة المتنافسين
وإسرافهم فى التبذير ، من إذكاء حدة التنافس .
وعندما تزيد الكمية المنقولة إلى
السوق على الطلب الفعلى لا كلفة وصولها ، يمكن بيعها كلها ممن يرغبون بدفع كامل
قيمة الريع والأجور ، والربح التى لا بد من دفعها ، فلابد من بيع بعضها ممن يرغبون
فى أن يدفعوا أقل ، ولا بد للسعر المتدنى الذى يبذلونه من أن يقلص سعر الكل .
وبذلك ينخفض سعر السوق بعض الشئ عن السعر الطبيعى ، تبعا لما يولده حجم الزيادة من
تولد المنافسة بين البائعين ، فالزيادة نفسها فى استيراد السلع القابلة للتلف تخلق
تنافسا أكبر من الزيادة فى السلع المتينة ، أى فى استيراد البرتقال ، مثلا أكبر من
استيراد الحديد القديم .
أن الكمية المعروضة فى السوق من
كل سلعة تتلائم طبيعيا مع الطلب الفعلى ، فمن مصلحة كل الذين يستعملون أراضيهم ،
وعملهم ، أو رأس مالهم ، فى جلب أية سلعة إلى السوق ، ألا تزيد كميتها عن الطلب
الفعلى ، ومن مصلحة كل الناس الآخرين ألا تنقص عن هذا الطلب .
فالسعر الطبيعى ، إذا أشبه بما
يمكن وصفه بالسعر المركزى ، إن كمية الكد والجد الموظفة سنويا لحمل أية سلعة إلى
السوق تتلائم على هذا النحو طبيعيا مع الطلب الفعلى .
تعزى التقلبات الطارئة والمؤقتة
فى سعر السوق لأية سلعة إلى هذين الجزأين من سعرها اللذين يعودان إلى الأجور
والربح ، أما الجزء العائد إلى الريع فأقل تأثرا بها ، فالريع الثابت نقديا لا
يتأثر أبدا بها لا من حيث نسبته ولا من حيث قيمته ، أما الريع المكون من نسبة
معينة ،
أو من كمية معينة من الناتج الخام ، فيتأثر ولا شك من حيث قيمته السنوية
بكل التقلبات الطارئة والمؤقتة فى سعر السوق لهذا الناتج الخام ، غير أنه لا يتأثر
بها إلا نادرا من حيث نسبته السنوية ، فعند وضع شرط الإيجار يسعى المالك والمزارع ،
وفق تقديرها ، إلى تكييف هذه النسبة ، لا وفق السعر الطارئ والمؤقت ، بل بالنسبة
إلى السعر المتوسط والمعتاد للناتج .
وفى حال ارتفع سعر السوق لسلعة
مخصوصة من السلع ارتفاعا كبيرا فوق السعر الطبيعى ، جراء الزيادة فى الطلب الفعلى ،
فإن الذين يستثمرون رءوس أموالهم فى تلبية هذا السوق يهتمون إجمالا بإبقاء هذا
التعبير طى الكتمان ، إذ لو شاع الأمر ، فربما أغرت أرباحهم الكبيرة العديد من
المنافسين الجدد باستثمار رؤوس أموالهم بالطريقة نفسها ، بحيث إن الطلب الفعلى متى
تمت تلبيته كليا ، فإن سعر السوق سوف ينحل سريعا إلى السعر الطبيعى ،
وربما انخفض
أحيانا إلى ما دونه لمدة من الزمن . إذا كان السوق على مسافة كبيرة من مكان إقامة
الذين يمدونه بالسلع ، فقد يكون فى وسعهم أن يكتموا السر على امتداد عدة سنوات ،
ويتمتعون بأرباحهم الفائقة من دون أية منافسة مستجدة .
والأسرار فى الصنائع يمكن أن
تكتم لفترة أطول مما تكتم فى التجارة ، فالصباغ الذى وجد الوسائل للحصول على لون
معين بمواد لا تكلفه أكثر من نصف سعر المواد الشائعة الاستعمال ، قد يتوصل ، بحسن
التدبير إلى التمتع بمزايا اكتشافه طالما بقى حيا ، وقد يتأتى له أن يورثها لخلفه
من بعده أيضا .
وتستلزم بعض المنتجات الطبيعية ،
من فرادة التربة والموضع ، ما يجعل كل الأرض الصالحة لإنتاجها فى بلد كبير غير
كافية لتلبية الطلب الفعلى .
إن للاحتكار الممنوح لفرد أو
لشركة تجارية نفس التأثير الناتج عن وجود سر فى تجارة ما أو صناعة ما . والمحتكرون
، إذ يبقون السوق قليل المخزون باستمرار ، وذلك عبر عدم تلبية الطلب الفعلى ،
يبيعون سلعهم بأسعار تفوق كثيرا السعر الطبيعى ، ويزيدون أرباحهم زيادة فاحشة ،
سواء أكان قوامها الأجور أو الأرباح ، زيادة كبيرة فوق النسب الطبيعية .
إن سعر السلعة المحتكرة هو فى كل
وقت السعر الأغلى الذى يمكن التوصل إليه والسعر الطبيعى ، أو سعر المنافسة الحرة
هو ، على الضد من ذلك ، السعر الأدنى الذى يمكن أخذه لا فى كل وقت ، حقا ، بل خلال
أية فترة طويلة من الزمن .
الأول هو فى كل وقت الأغلى الذى يمكن اعتصاره من المشترين ، أو الذى يفترض
أنهم يوافقون على بذله ، الثانى هو الأدنى الذى يمكن للباعة عادة أن يقبلوا به ،
مع القدرة على الاستمرار فى مصالحهم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق