01‏/11‏/2016

ثروة الأمم 15

ثروة الأمم 15



فى سعر السلع الطبيعى وسعرها فى السوق

   عندما يكون سعر أية سلعة ليس أكثر أو أقل مما هو كاف لدفع ريع الأرض ، وأجور العمل ، وأرباح رأس المال المستثمر فى إنشائها ، وإعدادها ، ونقلها إلى السوق ، وفقا للنسب الطبيعية لهذه الثلاثة ، فالسعر الذى تباع به هذه السلعة يسمى سعرها الطبيعى . 

   فالسلعة تباع عندئذ بالسعر الذى تستحقه بدقة ، أو بقدر كلفتها الحقيقية عند الشخص الذى نقلها إلى السوق . 

   والسعر الفعلى الذى تباع به أية سلعة يسمى سعر السوق ، وقد يكون أعلى من سعرها الطبيعى أو أدنى منه ، أو مساويا له تماما . 

   إن أية سلعة تنقل إلى السوق إذا تدنت كميتها عن الطلب الفعلى ، فإن كل الذين يرغبون فى دفع القيمة الكلية للريع ، والأجور ، والربح ، التى يجب دفعها لنقلها إى هناك ،

 لن يستطيعوا الحصول على الكمية التى يريدونها ، وبدلا من أن يقبلوا عليها فحسب فإن البعض منهم سيبدى الاستعداد لدفع المزيد ، وعلى الفور ، ينشأ بينهم تنافس ، ويرتفع سعر السوق شيئا ما فوق السعر الطبيعى ، وذلك تبعا لما تثيره فداحة النقص ، أو ثروة المتنافسين وإسرافهم فى التبذير ، من إذكاء حدة التنافس . 

   وعندما تزيد الكمية المنقولة إلى السوق على الطلب الفعلى لا كلفة وصولها ، يمكن بيعها كلها ممن يرغبون بدفع كامل قيمة الريع والأجور ، والربح التى لا بد من دفعها ، فلابد من بيع بعضها ممن يرغبون فى أن يدفعوا أقل ، ولا بد للسعر المتدنى الذى يبذلونه من أن يقلص سعر الكل . 

وبذلك ينخفض سعر السوق بعض الشئ عن السعر الطبيعى ، تبعا لما يولده حجم الزيادة من تولد المنافسة بين البائعين ، فالزيادة نفسها فى استيراد السلع القابلة للتلف تخلق تنافسا أكبر من الزيادة فى السلع المتينة ، أى فى استيراد البرتقال ، مثلا أكبر من استيراد الحديد القديم .


   أن الكمية المعروضة فى السوق من كل سلعة تتلائم طبيعيا مع الطلب الفعلى ، فمن مصلحة كل الذين يستعملون أراضيهم ، وعملهم ، أو رأس مالهم ، فى جلب أية سلعة إلى السوق ، ألا تزيد كميتها عن الطلب الفعلى ، ومن مصلحة كل الناس الآخرين ألا تنقص عن هذا الطلب . 

   فالسعر الطبيعى ، إذا أشبه بما يمكن وصفه بالسعر المركزى ، إن كمية الكد والجد الموظفة سنويا لحمل أية سلعة إلى السوق تتلائم على هذا النحو طبيعيا مع الطلب الفعلى . 

   تعزى التقلبات الطارئة والمؤقتة فى سعر السوق لأية سلعة إلى هذين الجزأين من سعرها اللذين يعودان إلى الأجور والربح ، أما الجزء العائد إلى الريع فأقل تأثرا بها ، فالريع الثابت نقديا لا يتأثر أبدا بها لا من حيث نسبته ولا من حيث قيمته ، أما الريع المكون من نسبة معينة ، 

أو من كمية معينة من الناتج الخام ، فيتأثر ولا شك من حيث قيمته السنوية بكل التقلبات الطارئة والمؤقتة فى سعر السوق لهذا الناتج الخام ، غير أنه لا يتأثر بها إلا نادرا من حيث نسبته السنوية ، فعند وضع شرط الإيجار يسعى المالك والمزارع ، وفق تقديرها ، إلى تكييف هذه النسبة ، لا وفق السعر الطارئ والمؤقت ، بل بالنسبة إلى السعر المتوسط والمعتاد للناتج . 

   وفى حال ارتفع سعر السوق لسلعة مخصوصة من السلع ارتفاعا كبيرا فوق السعر الطبيعى ، جراء الزيادة فى الطلب الفعلى ، فإن الذين يستثمرون رءوس أموالهم فى تلبية هذا السوق يهتمون إجمالا بإبقاء هذا التعبير طى الكتمان ، إذ لو شاع الأمر ، فربما أغرت أرباحهم الكبيرة العديد من المنافسين الجدد باستثمار رؤوس أموالهم بالطريقة نفسها ، بحيث إن الطلب الفعلى متى تمت تلبيته كليا ، فإن سعر السوق سوف ينحل سريعا إلى السعر الطبيعى ، 

وربما انخفض أحيانا إلى ما دونه لمدة من الزمن . إذا كان السوق على مسافة كبيرة من مكان إقامة الذين يمدونه بالسلع ، فقد يكون فى وسعهم أن يكتموا السر على امتداد عدة سنوات ، ويتمتعون بأرباحهم الفائقة من دون أية منافسة مستجدة . 

   والأسرار فى الصنائع يمكن أن تكتم لفترة أطول مما تكتم فى التجارة ، فالصباغ الذى وجد الوسائل للحصول على لون معين بمواد لا تكلفه أكثر من نصف سعر المواد الشائعة الاستعمال ، قد يتوصل ، بحسن التدبير إلى التمتع بمزايا اكتشافه طالما بقى حيا ، وقد يتأتى له أن يورثها لخلفه من بعده أيضا . 

   وتستلزم بعض المنتجات الطبيعية ، من فرادة التربة والموضع ، ما يجعل كل الأرض الصالحة لإنتاجها فى بلد كبير غير كافية لتلبية الطلب الفعلى . 

   إن للاحتكار الممنوح لفرد أو لشركة تجارية نفس التأثير الناتج عن وجود سر فى تجارة ما أو صناعة ما . والمحتكرون ، إذ يبقون السوق قليل المخزون باستمرار ، وذلك عبر عدم تلبية الطلب الفعلى ، يبيعون سلعهم بأسعار تفوق كثيرا السعر الطبيعى ، ويزيدون أرباحهم زيادة فاحشة ، سواء أكان قوامها الأجور أو الأرباح ، زيادة كبيرة فوق النسب الطبيعية . 

   إن سعر السلعة المحتكرة هو فى كل وقت السعر الأغلى الذى يمكن التوصل إليه والسعر الطبيعى ، أو سعر المنافسة الحرة هو ، على الضد من ذلك ، السعر الأدنى الذى يمكن أخذه لا فى كل وقت ، حقا ، بل خلال أية فترة طويلة من الزمن . 

 الأول هو فى كل وقت الأغلى الذى يمكن اعتصاره من المشترين ، أو الذى يفترض أنهم يوافقون على بذله ، الثانى هو الأدنى الذى يمكن للباعة عادة أن يقبلوا به ، مع القدرة على الاستمرار فى مصالحهم . 

0 التعليقات: