06‏/11‏/2016

ثروة الأمم 22

ثروة الأمم 22



أولا  - اللامساواة الناشئة     
عن طبيعة أصناف العمل نفسها 

   الشروط الخمسة التالية هى الشروط الأساسية التى تتيح ، حسبما استطعت أن ألاحظ ، ربحا صغيرا فى بعض الأصناف من الأعمال ، وتعاوض ربحا عظيما فى البعض الآخر : 

أولا :هل هذا الصنف من الأعمال سائغ ومقبول ، أو ممجوج ومرفوض . 

ثانيا : سهولة ورخص اكتساب هذا الصنف من العمل أو صعوبته ، وغلاء كلفة تعلمه .

 ثالثا : ديمومة العمل فيه أو عدم ديمومته ، 

رابعا : الثقة القليلة أو الكثيرة التى يجب أن يتحلى بها القائمون بهذا العمل ،

 خامسا : احتمال النجاح فى هذا العمل أو عدم احتمال النجاح فيه . 

   والتدرب فى الفنون البداعية والمهن الحرة أكثر إملالا وكلفة . 

ولذلك كان ينبغى لمكافأة الرسامين والنحاتين ، والمحامين والأطباء ، أن تكون أسخى من غيرها ، وهى على هذه الحال لهذا السبب . 

   أما أرباح رأس المال فتبدو أقل تأثرا بسهولة تعلم التجارة التى يستثمر فيها المال أو صعوبته، فكل الطرق المختلفة التى يستثمر رأس المال فيها ضمن المدن الكبرى تبدو، فى الواقع ، متساوية من حيث صعوبة تعلمها أو سهولته . 

   إن إمكانية أن يصبح أى شخص مؤهلا لمزاولة العمل الذى تدرب على القيام به تختلف باختلاف الأعمال ، فالنجاح فى القسم الأكبر من أعمال الصنائع الميكانيكية يكاد يكون مضمونا ، ولكنك إذا ما أرسلته ليتعلم القانون ، فثمة على الأقل عشرون فرصة للفشل مقابل فرصة واحدة للنجاح فى اكتساب الكفاءة التى تمكنه من كسب معيشته من تلك المهنة .

 فى سحب لليانصيب منصف تماما ، ينبغى للذين يسحبون الجوائز أن يكسبوا كل ما يخسره الذين يسحبون الأوراق البيض . 

   مع ذلك ، نجد كل النفوس الكريمة والشريفة تتزاحم على مزاولتها .

ويساهم سببان مختلفان فى تزكية هذه المهن .

 أولا : الرغبة فى الشهرة التى تصاحب التميز الفائق فى أى منها ،
 وثانيا : طبيعة الثقة الطبيعية التى يمتلكها كل إنسان ، بدرجة متفاوتة ، لا فى قدراته الشخصية الخاصة ، بل وفى صعود حظه . 

   إن الامتياز فى أية مهنة هو العلامة الحاسمة على ما يسمى بالعبقرية أو المواهب الفائقة ، فإعجاب الجمهور المصاحب لهذه القدرات المتميزة يعتبر دائما جزءا مكونا لمكافأتهم ، وهو متفاوت النسبة وفقا لكونه أعلى درجة أو أدنى ، إنه جزء عظيم من المكافأة فى مهنة الطب ، وهو ربما كان أعظم فى مهنة القانون ، وهو يكاد يكون كل شئ فى الشعر والفلسفة .

   ثمة بعض المواهب الرائقة والجميلة التى يسبب امتلاكها نوعا من الاعجاب ، ولكن مزاولتها من أجل الربح تعتبر جراء العقل أو التعصب ، نزعا من امتهان النفس العلانى .

فالمكافآت الباهظة التى يتقاضاها الممثلون ، ومغنو الأوبرا ، وراقصوا الأوبرا ، ومن شاكلهم إنما تستند إلى هذين المبدأين ، ندرة هذه المواهب وجمالها ، والشين المقترن بمزوالتها لهذا الغرض ، ويبدو من العبثى للوهلة الأولى أن نحتقر أشخاصهم بينما نكافئ مواهبهم بهذا السخاء المفرط ،

 ولكن علينا إذ نقدم على أحد الأمرين أن نقوم حتما بالأمر الآخر ، ولئن قيض للرأى العام أو التعصب أن يتغيرا بالنسبة إلى هذه الأعمال ، فإن مكافأتها المالية سوف تتدنى بسرعة . 

   مدى عجز قلة الخوف من الشقاء عن أن توازن الأمل فى سعود الحظ فيبدو فى إقدام العوام على التطوع فى سلك الجندية ، أو الانخراط فى البحرية ، بأوضح مما يبدو فى إقدام الأشخاص الأحسن حالا على اعتناق المهن الحرة . 

   وعلى الرغم من قلة حظوظهم فى الترقى ، فإنهم يزينون لأنفسهم ، فى غمرة أوهامهم اليافعة ، ألف فرصة للفوز بالتشريف والامتياز ،لا يتحقق منها شئ قط ، هذه الآمال الرومنتيكية هى الثمن الكامل لدمائهم ، أما راتبهم فأقل من راتب عماة العمال ، ونصيبهم فى الخدمة الفعلية أعظم من تعب هؤلاء بكثير . 

   ويتفاوت ارتفاع نسبة الربح العادية دائما مع ارتفاع نسبة المخاطر . فالصنعة المحفوفة بأكبر المخاطر على الاطلاق ، صنعة التهريب ، هى الطريق المضمون إلى الإفلاس ، وإن كانت هى الأوفر ربحا أيضا متى نجحت المغامرة . 

   الفرق بين الربح الظاهرى المجتنى من تجارة المفرق وتجارة الجملة أقل بكثير فى العاصمة مما هو فى البلديات الصغيرة والقرى الريفية . 

   فإن ثروات طائلة كثيرا ما تجنى من بدايات صغيرة فى الأولى ، بينما لا تكاد تجنى أبدا فى الثانية ، ففى المدن الصغيرة والقرى الريفية لا يمكن للتجارة أن تتوسع بتوسع رأس المال نظرا إلى ضيق السوق . 

لذلك ، فعلى الرغم من أن نسبة أرباح شخص ما قد تكون مرتفعة جدا ، فإن مجموعها أو مقدارها لا يمكن أن يكون كبيرا جدا ، ولا تراكمه السنوى تاليا . 

   والحق أن الثروات الطائلة المفاجئة إنما تجنى أحيانا فى أماكن كهذه ، جراء ما يطلق عليه منهة المضاربة ، فالتاجر المضارب لا يزاول أى فرع نظامى ، راسخ ، أو معروف من التجارات ، فهو تاجر ذرة هذه السنة ، وتاجر خمور فى السنة التالية ، وتاجر سكر ، أو تبغ ، أو شاى فى السنة التى تليها ، وهو يدخل فى أية تجارة يتوقع أن يكون احتمالية الربح فيها أعلى مما هو معتاد ، ويتركها عندما يتوقع أن يعود احتمال الربح فيه إلى مستوى التجارات الأخرى . 

   ومن شأن مغامر مقدام أن يجنى ثروة طائلة من مضاربتين ناجحتين أو ثلاث ، ولكنه ربما خسر ثروة طائلة بمضاربتين غير ناجحتين أو ثلاث . ولا يمكن لهذه المهنة أن تزاول إلا فى المدن الكبرى . 

فلا يمكن أن تحصل المعلومات الضرورية لها إلا فى أماكن المعاملات والمراسلات الأوسع نطاقا . 

   لكى تحصل على هذه المساواة  فى كامل مزاياها أو معايبها ، لابد من ثلاثة أشياء حتى حيث تتاح الحرية التامة القصوى .
 أولا : يجب أن تكون الأشغال مشهورة وقديمة العهد فى الحى والجوار، 
ثانيا : يجب أن تكون فى حالتها المعتادة ، أو ما يمكن تسميته بحالتها الطبيعية ،
 ثالثا : يجب أن تكون الأشغال الوحيدة أو الرئيسية للمشتغلين فيها . 

   تكون الأجور عامة أعلى فى المهن الحديثة مما تكون فى المهن القديمة . 
عندما يقوم صاحب مشروع بإنشاء مشغل جديد ، لابد له من أن يغرى عماله ليصرفهم عن الوظائف الأخرى بأجور أعلى مما يستطيعون كسبه فى مهنهم الخاصة ، أو مما تقتضيه طبيعة عمله عادة ، ولا بد من مرور زمن لا يستهان به قبل أن يجازف بتخفيضها إلى المستوى المألوف . 

   إن إنشاء أى مشغل جديد ، أو فرع جديد من التجارة ، أو مباشرة أية ممارسة جديدة فى الزراعة إنما هو دائما نوع من المضاربة يتوخى منه صاحب المشروع أرباحا فائقة للعادة ، وتكون هذه الأرباح كبيرة جدا أحيانا ، وربكا كانت فى أحسن الأحيان على غير هذا النحو ، ولكنها على وجه الإجمال لا تتقايس بانتظام مع الأرباح فى سائر المهن الراسخة الأخرى فى الحى أو الجوار . 

إذا نجح المشروع تكون هذه الأرباح أول الأمر كبيرة جدا فى العادة ، فإذا ترسخت المهنة أو الممارسة وصارت معروفة تماما فإن من شأن التنافس أن يخفضها إلى مستوى المهن الأخرى . 

   والطلب على كل نوع تقريبا من أنواع العمل المختلفة يزداد أحيان عن المعتاد وأحيان ينقص ، فالطلب على العمل الريفى فى موسم الحصاد وموسم الجنى أعلى مما يكون عليه خلال القسم الأكبر من السنة ، وترتفع الأجور بازدياد الطلب ، وفى أزمنة الحرب ، يوم يكره أربعون أو خمسون ألف بحار على ترك الخدمة التجارية للالتحاق بخدمة الملك ، يزداد الطلب على البحارة للسفن التجارية ازديادا ضروريا مع ندرتهم  .                                                                        
   كما أن أجورهم فى حالات كهذه ترتفع من جنيه وسبعة وعشرين شيلنغ إلى أربعين شيلنغ وثلاثة باوندات شهريا ، وعلى العكس من ذلك ، ففى مشغل تتردى حاله تدريجيا يرضى العمال بأجور أدنى مما يلائم طبيعة عملهم بدلا من ترك مهمتهم القديمة . 
      
   تتفاوت أرباح رأس المال بتفاوت أسعار السلع التى يستثمر فيها .
 فمع ارتفاع سعر أية سلعة فوق السعر المتوسط المألوف ، ترتفع أرباح جزء على الأقل من  رأس المال المستثمر لإيصال تلك السلع إلى السوق ، فوق مستواها المخصوص ، وتتدنى كثيرا تحت هذا المستوى مع انخفاضها .

 كل السلع معرضة لتقلب الأسعار إلى حد ما ، ولكن بعضها أكثر عرضة لذلك من بعضها الآخر . 
وفى كل السلع التى ينتجها الجهد البشرى تنتظم كمية من الجهد المبذول سنويا انتظاما ضروريا بالطلب السنوى ، بحيث إن متوسط الناتج السنوى قد يكون أقرب ما يمكن من متوسط الاستهلاك السنوى . 

   ولكن ثمة أشغالا أخرى لا تنتج فيها كمية الجهد نفسها دائما كمية السلع نفسها . 

الكمية نفسها من الجهد تنتج فى سنوات مختلفة كميات مختلفة من الذرة ، والخمر ، وحشيشة الدينار ، والسكر ، والتبغ ، مثلا ، ولذلك يتقلب سعر أمثال هذه السلع ، لا مع تفاوت الطلب ، بل ومع التغيرات الكبرى والأكثر تواترا فى الكمية المنتجة ، وهو عرضة لتقلبات كبيرة ، ولكن لا بد لربح بعض تجار الجملة من أن يتقلب بالضرورة بتقلب أسعار السلع .

 فعمليات التاجر المضارب إنما تستهدف أساسا سلعا كهذه .

 وهو يجتهد فى شرائها عندما يتوقع أن ترتفع أسعارها ، ويبيعها عندما يرجح هبوط تلك الأسعار . 

   عندما يكسب شخص معيشته من شغل معين لا يشغل القسم الأكبر من وقته ، فمن الأرجح أن يكون على استعداد لأن يعمل فى أوقات فراغه بأجور أدنى مما قد يناسب طبيعة شغله عادة . 

   إنهم على استعداد لأن يمنحوا وقت فراغهم لقاء مكافأة صغيرة جدا لأى كان ، وإنهم كانوا يعملون لقاء أجور أدنى من سائر العمال الآخرين .

0 التعليقات: