26‏/11‏/2014

تنقية أصول التاريخ الإسلامي 8

تنقية أصول التاريخ الإسلامي 8


    الدولة العباسية تعانى منذ قيامها ازمه ماليه لم ينقذها منها الا البرامكه فلما ذهب البرامكه ظهر الافلاس المطلق .

خبر العباسة        
 انت تقرا هنا خبرا مهينا للمسلمين وانت اذا تاملته وجدته لا يستقيم , فما الذى يجعل الرشيد يتمسك بان يحضر جعفر مجلسه مع اخته العباسه ؟ واذا كان لا يريد ان تكون هناك علاقه بين الاثنين فلماذا عقد بينهما الزواج اصلا ؟ ثم كيف يتركهما معا وينصرف فيعرضهما الى مظنه الجماع , وهو امر معقول بين رجل وامراه عقد له عليها فعلا ؟ الحقيقه هى ان الخبر غير اصيل بل غير ممكن , واذا كان الرشيد قد غضب على جعفر واله فلابد ان تكون هناك اسباب اخرى اهم من تلك العلاقه غير المعقوله بين جعفر والعباسه . وقد انكر ابن خلدون هذا الخبر فقال وهيهات ذلك من منصب العباسه فى دينها وابويها وجلالها .

    اجتهد ابن خلدون فى الدفاع عن العباسه ولكنه تمسك بمساله الاصل , وقال ان العباسه ما كانت لتخطىء هذا الخطأ لاصلها الرفيع , فهى حفيده ابن عباس واخت هارون امير المؤمنين , وهذا دفاع غير قاطع لان المراه قد تكون من اشرف الاصول ولكنها تزل مع ذلك وانما يكون الدفاع من جهه المعقوليه .

      القصه الشائعه تقول : ان محمدا الامين – الذى خلف اباه هارون الرشيد بعهد منه – كان رجلا فاسدا قليل العقل سىء التصرف , وان العداوه والحرب والتنافس اذا كان قد وقع بينه وبين اخيه المامون فان المسئوليه تقع عليه وحده , فهو الغادر الذى خالف عهد ابيه بان تكون الخلافه اولا لمحمد الامين , فاذا مات انتقلت الى اخيه عبد الله المامون ومن بعده الى اخيهما الثالث ابو القاسم المعتصم , اما المامون فقد كان بحسب ما تقوله كتب تاريخنا عاقلا امينا محافظا على عهد ابيه حتى جاءت الخيانه من ناحيه اخيه , وعندما نقرا ما بين ايدينا من نصوص فاننا نجد ان الحقيقه كانت بخلاف ذلك , واننا فى الحقيقه نقرا كلاما موجها توجيها خاصا , هدفه تشويه صوره الامين خدمه لاخيه المامون ولابد ان نذكر اولا – وهذا مهم جدا – ان الامين العربي فهو ابن السيده زبيده العربيه الهاشميه , وفى حين ان اخاه المامون كان نصف عربى , فاذا كان ابوه هو هارون الرشيد فان امه ( مراجل ) مولاه ايرانيه , والايرانيون يعتبرونها اميره فارسيه ويتحمسون لها , بالضبط كما فعلوا مع الحسين بن على – رضى الله تعالى عنه – عندما زعموا انه خليفه الاكاسره الفرس , لان امه اميره فارسيه تزوجها على بن ابى طالب رضى الله عنه .

    امثال هذه التشويهات كثيره فى كتب التاريخ الاسلامى , ومصدرها دائما هم الفرس .

     اذا نحن قرانا مليا وجدنا انفسنا امام اسوا عهد من نوعه كتبه خليفه , وهارون الرشيد يلام على صياغته على هذا النحو لوما شديدا , ويمكن ان يقال انه كان هو نفسه اكبر اسباب الخلاف بين ابنيه , فان نص ولايه العهد لابنيه محمد الامين ثم عبد الله المامون ولم يكن فى الحقيقه نص ولايه عهد , بل كان فى الحقيقه تقسيما للدوله بين الاخوين تقسيما تاما .

     الحقيقه ان هذين الشابين عندما خلا كل منهما الى نفسه فى ناحيه لم يجد حوله الا علماء السوء الذين يزين كل منهما له الغدر باخيه .

    وهذه ظاهره يسال عنها الامويون , فهم كانوا اول من ابتعد بالسياسه عن اهل الفقه والعلم والدين , وجعلوا امور السياسه كلها فى ايدى انصارهم من رجال الحرب والسياسه
, بل كان للخدم والرقيق والجوارى اثر فى السياسه اكثر مما كان للفقهاء .
 وقد كان ينتظر ان يهدم العباسيون هذا الحائل المنيع بين السياسه من ناحيه , ورجال الفقه والعلم والدين من ناحيه اخرى , ولكنهم عندما صارت  اليهم الخلافه ابتعدوا هم الاخرون عن رجال العلم والدين , وكان عمادهم على رجال السياسه والحرب , بل الخدم والرقيق من انصارهم طبعا.

 حتى هارون الرشيد – وهو اقرب رجال بنى العباس الاوائل الى الدين – نجده لا يدخل واحدا من اهل الفقه فى هذا العهد الذى كتبه بين ابنيه , ما عدا الشهاده , ومن ناحيه اخرى نلاحظ ان رجال الدين والفقه يحرصون على الابتعاد عن السياسه واهلها محافظه على دينهم وسمعتهم , بل انهم كانوا يرون ان اقتراب رجل العلم من السلاطين ومداخلتهم امر يمس سمعه واخلاقه ودينه

 وقد حاول ابن القفع ان يهدم هذا الحاجز بين الدين والسياسه فى كتابه ( الصحابه ) واشار الى ان الحاكم ينبغى ان يجعل اهل العلم ويستشيرهم ويحفزهم على كتابه قانون اساسى للدوله , وان يجعل للسلطان نصيبا فى التشريع بحيث لا يصح مثلا قانون الا بموافقه السلطان , فكره الفقهاء منه هذا الراى وانكروه انكارا شديدا , كان ما راوه من اعمال الامويين جعلهم يحرصون على المحافظه على الفقه والشريعه وعلم القضاه واحكامهم . لا القضاه انفسهم , بعيده كل البعد عن السياسه ورجالها وبالفعل نجح الفقهاء فى الاحتفاظ بالفقه والشريعه بعيده عن سلطان الحكومات بل ان التعليم نفسه ظل بعيدا عن الدوله , فمن يرد ان يتعلم كان له ذلك فى الكتاتيب والمساجد , ومن اراد مواصله العلم استمر فى الدراسه على ايدى كبار الفقهاء والعلماء حتى يحصل الواحد منهم على الاجازه التى تجعله اهلا لتولى القضاء , فاذا اراد السلطان اختيار قاض واقامته فى العاصمه او فى اى ناحيه من نواحى الدوله اختاره من اولئك الذين علمتهم الامه وجعلتهم اهلا للقضاء بعيدا عن اى سلطان من الدوله , فاذا اصبح واحد منهم قاضيا لم يكن للسلطان دخل فى احكامه , وانما القاضى مستقل بنفسه عن احكامه , لا رقيب عليه فى ذلك الا الله سبحانه وتعالى .

    ويقال : ان هذه المحاوله من جانب ابن المقفع كانت بعض السبب فى موته مقتولا على الصوره الاسيفه التى مات بها , فانهم كرهوه وكانوا بين من سعى عليه ودبر موته .

0 التعليقات: