الدولة العباسية تعانى منذ قيامها ازمه ماليه
لم ينقذها منها الا البرامكه فلما ذهب البرامكه ظهر الافلاس المطلق .
خبر العباسة
انت تقرا هنا خبرا مهينا للمسلمين وانت اذا
تاملته وجدته لا يستقيم , فما الذى يجعل الرشيد يتمسك بان يحضر جعفر مجلسه مع اخته
العباسه ؟ واذا كان لا يريد ان تكون هناك علاقه بين الاثنين فلماذا عقد بينهما
الزواج اصلا ؟ ثم كيف يتركهما معا وينصرف فيعرضهما الى مظنه الجماع , وهو امر
معقول بين رجل وامراه عقد له عليها فعلا ؟ الحقيقه هى ان الخبر غير اصيل بل غير
ممكن , واذا كان الرشيد قد غضب على جعفر واله فلابد ان تكون هناك اسباب اخرى اهم
من تلك العلاقه غير المعقوله بين جعفر والعباسه . وقد انكر ابن خلدون هذا الخبر
فقال وهيهات ذلك من منصب العباسه فى دينها وابويها وجلالها .
اجتهد ابن خلدون فى الدفاع عن العباسه ولكنه
تمسك بمساله الاصل , وقال ان العباسه ما كانت لتخطىء هذا الخطأ لاصلها الرفيع , فهى
حفيده ابن عباس واخت هارون امير المؤمنين , وهذا دفاع غير قاطع لان المراه قد تكون
من اشرف الاصول ولكنها تزل مع ذلك وانما يكون الدفاع من جهه المعقوليه .
القصه الشائعه تقول : ان محمدا الامين –
الذى خلف اباه هارون الرشيد بعهد منه – كان رجلا فاسدا قليل العقل سىء التصرف , وان
العداوه والحرب والتنافس اذا كان قد وقع بينه وبين اخيه المامون فان المسئوليه تقع
عليه وحده , فهو الغادر الذى خالف عهد ابيه بان تكون الخلافه اولا لمحمد الامين ,
فاذا مات انتقلت الى اخيه عبد الله المامون ومن بعده الى اخيهما الثالث ابو القاسم
المعتصم , اما المامون فقد كان بحسب ما تقوله كتب تاريخنا عاقلا امينا محافظا على
عهد ابيه حتى جاءت الخيانه من ناحيه اخيه , وعندما نقرا ما بين ايدينا من نصوص
فاننا نجد ان الحقيقه كانت بخلاف ذلك , واننا فى الحقيقه نقرا كلاما موجها توجيها
خاصا , هدفه تشويه صوره الامين خدمه لاخيه المامون ولابد ان نذكر اولا – وهذا مهم
جدا – ان الامين العربي فهو ابن السيده زبيده العربيه الهاشميه , وفى حين ان اخاه
المامون كان نصف عربى , فاذا كان ابوه هو هارون الرشيد فان امه ( مراجل ) مولاه
ايرانيه , والايرانيون يعتبرونها اميره فارسيه ويتحمسون لها , بالضبط كما فعلوا مع
الحسين بن على – رضى الله تعالى عنه – عندما زعموا انه خليفه الاكاسره الفرس , لان
امه اميره فارسيه تزوجها على بن ابى طالب رضى الله عنه .
امثال هذه التشويهات كثيره فى كتب التاريخ
الاسلامى , ومصدرها دائما هم الفرس .
اذا نحن قرانا مليا وجدنا انفسنا امام اسوا
عهد من نوعه كتبه خليفه , وهارون الرشيد يلام على صياغته على هذا النحو لوما شديدا
, ويمكن ان يقال انه كان هو نفسه اكبر اسباب الخلاف بين ابنيه , فان نص ولايه
العهد لابنيه محمد الامين ثم عبد الله المامون ولم يكن فى الحقيقه نص ولايه عهد ,
بل كان فى الحقيقه تقسيما للدوله بين الاخوين تقسيما تاما .
الحقيقه ان هذين الشابين عندما خلا كل منهما
الى نفسه فى ناحيه لم يجد حوله الا علماء السوء الذين يزين كل منهما له الغدر
باخيه .
وهذه ظاهره يسال عنها الامويون , فهم كانوا
اول من ابتعد بالسياسه عن اهل الفقه والعلم والدين , وجعلوا امور السياسه كلها فى
ايدى انصارهم من رجال الحرب والسياسه
, بل كان للخدم والرقيق والجوارى اثر فى
السياسه اكثر مما كان للفقهاء .
وقد كان ينتظر ان يهدم العباسيون هذا الحائل
المنيع بين السياسه من ناحيه , ورجال الفقه والعلم والدين من ناحيه اخرى , ولكنهم
عندما صارت اليهم الخلافه ابتعدوا هم
الاخرون عن رجال العلم والدين , وكان عمادهم على رجال السياسه والحرب , بل الخدم
والرقيق من انصارهم طبعا.
حتى هارون الرشيد – وهو اقرب رجال بنى العباس الاوائل الى
الدين – نجده لا يدخل واحدا من اهل الفقه فى هذا العهد الذى كتبه بين ابنيه , ما
عدا الشهاده , ومن ناحيه اخرى نلاحظ ان رجال الدين والفقه يحرصون على الابتعاد عن
السياسه واهلها محافظه على دينهم وسمعتهم , بل انهم كانوا يرون ان اقتراب رجل
العلم من السلاطين ومداخلتهم امر يمس سمعه واخلاقه ودينه
وقد حاول ابن القفع ان
يهدم هذا الحاجز بين الدين والسياسه فى كتابه ( الصحابه ) واشار الى ان الحاكم
ينبغى ان يجعل اهل العلم ويستشيرهم ويحفزهم على كتابه قانون اساسى للدوله , وان
يجعل للسلطان نصيبا فى التشريع بحيث لا يصح مثلا قانون الا بموافقه السلطان , فكره
الفقهاء منه هذا الراى وانكروه انكارا شديدا , كان ما راوه من اعمال الامويين
جعلهم يحرصون على المحافظه على الفقه والشريعه وعلم القضاه واحكامهم . لا القضاه
انفسهم , بعيده كل البعد عن السياسه ورجالها وبالفعل نجح الفقهاء فى الاحتفاظ
بالفقه والشريعه بعيده عن سلطان الحكومات بل ان التعليم نفسه ظل بعيدا عن الدوله ,
فمن يرد ان يتعلم كان له ذلك فى الكتاتيب والمساجد , ومن اراد مواصله العلم استمر
فى الدراسه على ايدى كبار الفقهاء والعلماء حتى يحصل الواحد منهم على الاجازه التى
تجعله اهلا لتولى القضاء , فاذا اراد السلطان اختيار قاض واقامته فى العاصمه او فى
اى ناحيه من نواحى الدوله اختاره من اولئك الذين علمتهم الامه وجعلتهم اهلا للقضاء
بعيدا عن اى سلطان من الدوله , فاذا اصبح واحد منهم قاضيا لم يكن للسلطان دخل فى
احكامه , وانما القاضى مستقل بنفسه عن احكامه , لا رقيب عليه فى ذلك الا الله
سبحانه وتعالى .
ويقال : ان هذه المحاوله من جانب ابن المقفع
كانت بعض السبب فى موته مقتولا على الصوره الاسيفه التى مات بها , فانهم كرهوه
وكانوا بين من سعى عليه ودبر موته .
0 التعليقات:
إرسال تعليق