تنقية أصول التاريخ الإسلامي 6
والان فلنفرض أن الفقهاء كانوا قد وضعوا
للخلافه القواعد التى ذكرناها : تحديد المده ليعود الامر الى الامه كل خمس او ست
سنوات فاما جددت واما لم تجدد وتحديد مدى السلطه فلا يكون للخليفه الحق فى ان
يحاكم مواطنا مسلما ويحكم عليه بما يريد بل تكون هناك هيئه قضائيه هى التى تتولى
ذلك وكذلك تحديد مدى سلطان الخليفه على اموال الامه فلا يتصرف فيها على هواه ثم هل
يجوز ان يكون فى عالم الاسلام اكثر من خليفه فى الوقت نفسه ؟ وماذا يكون العمل مع
رجل _ او جماعه _ ترفض البيعه ؟ واذا نحن عدنا الى ايام الرسول صلوات الله عليه
وجدنا الاجابه عن هذه الاسئله كلها .
فهو بشر ورسول وامام للامه وهذه اصول لا يملك
خلالها الرسول شيئا فهذه اراده الله الذى خلقه واعده لكى يكون نبيا ورسولا واماما
ولكن الرسول لم يكن يتدخل فى امور الدنيا الا على سبيل الاجتهاد وكان مستعدا دائما
للتخلى عن رايه فى هذه المسائل اذا هى لم تعجب الامه , وهو هنا لم يكن حاكما بالمعنى
الذى راه عثمان , ثم ان رسول الله لم يجد باسا فى ان يوجد فى الامه ملك على ناحيه
من النواحى مادام هذا الملك وهو الجندى واخوه صاحبا عثمان سائرين على اصول الاسلام
مؤديين للصدقات , ومادام الناس راضين عنهما .
اما الاموال فلم يكن فى يد رسول الله (صل الله عليه وسلم)
منها شىء الا الضرورى الذى مس اليه حاجاته وحاجات اهله ,وهنا نجد ان رسول الله (صل الله عليه وسلم)
كان طبيعيا جدا وبعيد عن التكلف . فقد كان ياكل ما حضرفاذا لم يجد الا الخل والزيت
اكل الخل والزيت شاكرا الله .
الرسول (صل الله عليه وسلم) كان حريصا الا يضع قواعد للحكم
لكيلا يقيد حريه المسلمين من بعده . فاذا فعل مثلا مع الثلاثه الذين تخلفوا عن الخروج معه للغزو فى غزوه تبوك
, وهم مستطيعون ؟ هل اودعهم للسجن ؟ بلى , ولكن اى سجن ! لقد خاصمهم وامر الناس ان
يخاصموهم , فامتنع الناس عن الكلام معهم , حتى نساءهم لم يسمحن لهم باقتراب منهن
فاصبحوا طلقاء سجناء
وماذا فعل رسول الله (صل الله عليه وسلم) بابى لبابه بن عبد
المنذر الذى خالف امر رسول الله واشار بيده وهو يتحدث الى بنى قريظه اشاره يفهم
منها ان الرسول قاتلهم اذا لم يستسلموا له ؟ ولم يكن رسول الله (صل الله عليه وسلم) قد ذكر من ذلك
شيئا , فلما يتبين خطاه ذهب فربط نفسه فى اعمده المسجد وكانت كلها نخلا واصر على
ان يبقى هكذا حتى يغفر له الرسول , ومع ان الرسول (صل الله عليه وسلم) قال : اما لو جاءنى فاستغفرت
له , فاما اذ فعل ما فعل فما انا بالذى اطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه , فلما
تاب الله عليه وابلغ رسول الله بذلك كان ابو لبابه مقيدا تجاه باب بيت ام سلمه ام
المؤمنين فاستاذنت رسول الله فى ان تبشره فاذن لها وسار الناس اليه ليطلقوه فقال :
لا والله حتى يكون رسول الله (صل الله عليه وسلم) هو الذى يطلقنى بيده . فلما مر رسول الله عليه
خارجا الى الصبح اطلقه . فانظر كيف كان رسول الله يعاقب الناس او قل يترك الناس
ليعاقبوا انفسهم , ويظلوا كذلك حتى يكون الله هو الذى يتوب عليهم , ويصرالناس برغم
ذلك حتى يكون تنفيذ التوبه على يد الرسول (صل الله عليه وسلم) .
اعتقد ان ما قلته الى الان عن النصوص
الاولى لفتنه عثمان فيه كفايه , فانا لم أشأ ان احقق هذا الحادث او ابحث عن
الحقيقه فيه , وانما اردت ان اقول للقارىء اننا مع الاسف الشديد لا نقرا القراءه
الكافيه قبل ان نكتب . وبين يدى الان كتاب اسمه الحسين بن على تاليف توفيق ابو علم
, والكتاب صغير ولكن كله نُقُول , وهذه هى الطبعه الثالثه لان مثل هذا الكتاب يباع
بسهوله تامه فان الناس كلهم يحبون الحسين رضى الله عنه لان يزيد الاموى امر بقتله
فقتل . ولكن لا
المؤلف ولا غيره سال نفسه : ولماذا قتل الحسين ؟
والجواب : لانه
اتجه للعراق لطلب الخلافه .
ثم نسال : وباى حق طالب بالخلافه ؟
انه كان
حقا شابا نقيا عاقلا هادئا , ولكن اكان له الحق فى طلب الخلافه ؟
يقولون : اجل كان
له الحق ونسال : ولماذا؟ والجواب : لانه ابن على بن ابى طالب – كرم الله وجهه-
ونسال : هل هذا كان يكفى لترشيحه للخلافه ؟
يجيبون : نعم ولم لا ؟
الم يكن يزيد بن
معاويه خليفه , وطبعا الحسين خير منه ؟
والسؤال لماذا ؟
والجواب الذى يجرى على كل
لسان : لانه كان افضل من يزيد وهذا حق ولكن هل هذا يكفى لكى يكون خليفه ؟ .
هذا كلام لطيف ولكنه غير بليغ لان البلاغه هى
مطابقه الكلام للمعنى المطلوب وليس هنا معنى مطلوب .
انا اقول من الممكن ان يكون هناك خليفه
مستهتر او جرىء او وقح او سكير او ما شئت , اما ان يكون هناك خليفه كافر فمن
المستحيل !
ومن المستحيل علينا ان نقبل هذا الخبر ( يقول
الفخرى فى كتاب الاداب السلطانيه متحدثا عن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان
عاشر خلفاء بنى اميه , وقد بلغ من استهتار الوليد بالمعاصى ان قال له اخوه هشام
يوما : والله لا ادرى ان كنت على الاسلام ام لا . ) لانه ليس اساءه الى الوليد بن
يزيد فحسب بل اهانه لعقولنا ايضا ومهما كانت كراهيه احد منا لبنى اميه فان الامر
ينبغى الا يصل بنا الى احتقار عقولنا واهانه انفسنا , وعند طبع كتاب الفخرى ينبغى
ان ننبه القارىء فى الهامش الى ان مثل هذا الخبر مستحيل وغير مقبول .
والقول بان الحجاج قتل منهم فوق السبعين
الفا فكلام غير مقبول , واين هو المسجد الذى يسع سبعين الفا ؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق