حرب العصابات في قبرص 2
هذه الحرب قد سببت
حزازات وأحقاد بين اليونانيين والأتراك من سكان قبرص وبين اليونانيين أنفسهم ايضا
, فقد كانت أيوكا قاسيه جدا تجاه المخبرين وضعاف النفوس بمثل ما كانت قاسيه على
نفسها وعلى كل فرد من افرادها يخون العهد او ينتهك حرمه ميثاقها , على ان شيئا
واحدا كان واضحا فى هذه الحرب الا وهو ان القبارصه كانوا يحاربون الانجليز من اجل
حريتهم .
الشخصيتين اللتين كانتا محور الصراع هما
الاسقف مكاريوس والعسكرى جريفاس اللذين اصبحا رمز القضيه القبرصيه .
(الأسقف مكاريوس يمثل الجناح السياسي ، وجريفاس يمثل الجناح العسكري مؤسس منظمة أيوكا)
كان مكاريوس يعلم ان السلطه للمجلس الكنسى –
وان كانت قويه فى الظاهر – كانت سلطه هشه فى الحقيقه – لانها لم تكن تقوم على اسس
ثابته ولم تكن تعتمد على شىء ما عدا نفوذها الشخصى على القدوه الحسنه , اما
بالنسبه الى تاييد الشعب فلم يكن واثقا منه تماما .
لم يحاول مكاريوس التقليل من قيمه دور
الكنيسه فى الحركه الوطنيه بوصفها العمود الفقرى للنشاط الوطنى , وانما ساهم فى
دعم نشاطها , كما اتجه الى المنظمات الوطنيه التى تتالف من نقابه العمال الحره
واتحاد الزارعين ومنظمه الشباب الارثوذكسين المسيحيين وجمعيات الشباب وبالاخص شبان
المدارس الثانويه والمعاهد الدينيه , ودعاهم جميعا الى تركيز جهودهم فى قضايا اهم
, مع استمرارهم فى الوقت نفسه فى دعم منظماتهم ورفع مستواها .
كما كان يقضى فى المنازعات الشخصيه , وحينما
يقدم المساعدات الماليه , اذا ما اقتضت الضروره ذلك , وفى كل ذلك كان مكاريوس يؤكد
ضروره تمسك الجميع بالنظام والايمان المطلق بالكفاح فى سبيل الحريه القوميه .
ونتيجه لهذه الجهود تحولت كل المنظمات الوطنيه الى مراكز للتجمع القومى الذى
انبثقت عنه فيما بعد منظمه ايوكا الثوريه .
اخبرنى احد النقاد القدماء الذى كان يعتقد
ان مكاريوس قد اخذ يركز كثيرا من السلطه فى يده : ما عليك الا ان تطلب مقابله
الاسقف حتى تستدعى على الفور الى قصره حيث تدخل حجره مفروشه بالسجاد الاحمر , وفى
احد الجوانب القاعه الكبيره ترى الاسقف جالسا على مكتبه فوق منصه تعلو قليلا عن
الارض , فيستقبلك بابتسامه عريضه , ويمد لك يده لتقبلها مما يجعلك تشعر بانك شخص
ادنى مرتبه منه , وان علاقه غير متكافئه تربط بينك وبينه مما يحول بينك وبين ان
تفكر فى الدخول معه فى خلاف , ولكنك تستطيع ان تحدثه فيما جئت فيه بكل هدوء ,
وتراه يصغى اليك فى اناه واهتمام , واذا ما توقفت عن الكلام طالبك بالاستمرار فى
حديثك حتى تنتهى مهمتك , عندئذ تنهض واقفا وتقبل يده مره اخرى وتغادر القاعه وانت
تتساءل فيما بينك وبين نفسك : هلى مقابلتك له كانت ذات اهميه على الاطلاق ؟ وهل اى
شىء مما قلته قد نفذ الى نفسه أو أثر عليه ؟ .
لقد اخذ ديجينيس يحوز بالتدريج شعور
الاعجاب والاحترام بين الضباط الانكليز , لقد كان بالنسبه اليهم خصما عنيدا يتمتع
بذكاء خارق وقدره لا نظير لها . وانه من العادات الماثوره عند الانكليز انهم
يعترفون لصاحب كل فضيله فضيلته , حتى لو كان خصما لهم , غير انى تبينت فى هذا
الجانب بالذات اشياء اخرى , وهو ان هذا الموقف فى تصورى يمثل اعترافا من الانكليز
بعداله القضيه التى كان ديجينيس يدافع عنها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق