تنقية أصول التاريخ الإسلامي 16
وأقف هنا بهذه الدراسه
ويكفى اننى لفت
انظار القراء الى ان كتبنا الماضيه فيها الكثر مما يسىء الينا , ولابد من التنبيه
الى ذلك لا اقصد بذلك ان نتدخل فى النصوص فان النصوص تراث والتراث لا يمس ولكن
يكفى ان ننبه الى مواضع الاساءه
ولابد ان نشير هنا الى ان كتابنا الماضيين كانوا
موضع اعجاب فقد حفظوا فى اذهانهم هذه الاخبار الكثيره قبل ان يدونوها , ونحن اليوم
لدينا الدفاتر والكراسات والبطاقات لان الورق رخيص وموجود فى كل مكان .
اما فى
الماضى فكان الورق غاليا – لم يكن موجودا – وبعض مؤلفينا كانوا يصنعون الورق
والحبر فى بيوتهم , وكان الواحد منهم يجمع مواد صنع الورق ويوقد عليها النار شهورا
حتى تنطبخ وتصير عجينه ورق , ثم يسطرونها على صفحات خشبيه وينتظرون حتى تجف , ثم
ياخذونها ويكتبون فيها . وقد الف بعضهما كتبا فى طرق صناعه الورق والحبر .
وكان
بودى ان انشر واحدا منها ولكن عاقنى عن ذلك كثره المخطوطات للنص الواحد . وكان من
المستحيل على جمع كل مخطوطات النص الواحد حتى يكون النشر علميا .
ويكفى ان تنظر الى كتاب مثل مروج الذهب الذى
تقع نسخته المطبوعه فى اربعه اجزاء تضم الفا وخمسمائه صفحه على وجه التقريب . وهذا
الكتاب يضم من شتى المعلومات ما يحار له العقل فان فى كل صفح تقريبا خبرا مستقل ,
والرجل ينتقل من خبر الى خبر بسهوله ويسر وانت لا تمل القراءه فيه ابدا فهو متنوع
وهو جميل طريف , ولابد ان الله سبحانه وتعالى قد يسر له ذلك لحكمه عنده .
ونحن لدينا عن تاريخ الاسلام اربعه اصول
قديمه هى على التوالى :
تاريخ الطبرى
ثم اليعقوبي
ثم ابن الاثير
وابى الفدا ,
هذا
عدا ما كتبه بن خلدون – وهو عمده مؤرخينا – وكان بعض الناس يقولون : ان ابن خلدون
وضع فى مقدمته قواعد لم يطبقها فى تاريخه , وهذا غير صحيح والسبب فى ذلك الخطأ هو
ان احدا لم يقرا تاريخ بن خلدون قراءه مدققه متفحص
انا شخصيا قرات تاريخ بن خلدون
كله , فما عرفت مؤرخا اسلاميا ارخ للرومان والروم والبيزنطيين ومذاهب اليهوديه ثم
المسيحيه جميعا وتاريخ الفرس , اى انه المؤرخ العربى الوحيد الذى كتب التاريخ
القديم كتابه صحيحه . اما تاريخه للمغرب والبربر وبنى هلال وقبائلهم فشىء عجيب يدل
على ذاكره نادره فعلا .
اما الطبرى فهو عجيبه , والمعلومات التى
يسوقها فى تاريخه وتفسيره للقران شىء عجيب , ونحن لا نطيق الصبر على قراءه كل هذه
التفاصيل , فما بالك بمن حفظها فى ذهنه اولا ثم كتبها بهذه الدقه وذلك الشمول وانا
قرات الطبرى ولكن ينبغى ان اقرر اننا نحتاج الى دراسه النص فهناك العشرات بل
المئات من المصطلحات الاداريه والعسكريه والفنيه نحن لا نعرفها , ومن اسف انه لم
يبق لى من ايام العمر ما انفقه فى التعرف على معانى هذه المصطلحات ولا ارى بين
الشباب الجديد من اتصور انه يصبر على مثل هذا البحث , على اى حال انا انبه وعليكم
ان تنظروا فى التنفيذ .
اما ابن الاثير فمؤرخ عجيب . انه مؤرخ صحفى
الروم . اى انه مغرم بالبحث عن الاخبار وايرادها وهو احيانا يوجز كلام الطبرى ,
ولكنهاصيل فى احيان كثيره , وتاريخه الذى بين ايدينا ينتهى فى اواخر القرن السادس
الهجرى . وهو اساسى ورئيسى بالنسبه للعصور القريبه من عصره .
اما ابو الفدا صاحب ( المختصر فى اخبار
البشر ) فهو امير ايوبى مؤرخ وهو يعترف بانه احيانا يوجز تاريخ ابن الاثير , ولكنه
اصيل فى احيان كثيره , واذا نحن تركنا جانبا الجزء الاول الخاص بتحديد السنين
والاحصاءات لحدوث الجزء التاريخ القديم واعمار الانبياء فان الباقى عظيم القيمه ,
وهو يصل بنا الى اوائل القرن السابع الهجرى ويكفى لكى نعرف فضله ان نقول : ان اهل
الغرب كانوا يقولون احيانا ان محمدا (صل الله عليه وسلم) اسطوره وحاشا لله ان يكون كذلك وهذا على
مثال ما يقال عندهم من ان السيد المسيح اسطوره , فلما قرأ احد المستشرقين السيره
الموجزه – كما اوردها ابو الفدا فى تاريخه – تبين ان رسول الله (صل الله عليه وسلم) شخصيه تاريخيه
حقا , وانه قام برسالته على النحو الذى يقصه المسلمون .
0 التعليقات:
إرسال تعليق