حرب العصابات في قبرص 12
ان سكان هذه الجزيرة قد سبق لهم ان مروا
بتجربة مماثلة بالنسبة للاجراءات الاستبدادية
ومن هنا فقد هيئوا انفسهم للجولة
القادمة. وبالرغم من ذلك فلم يحدث رد فعل مباشر
, بل لم تتخذ فى الحقيقة اى
اجراءات مضادة على النحو الذى حدث فى سنة 1931 لا فى تلك الايام ولا خلال المعركة
كلها بالرغم من عنف الاستفزازات التى تعرضت لها السلطة البريطانية فى قبرص .
والسبب ان بريطانيا سنة 1955 تختلف عنها فى سنة 1930 لأنها لو اقدمت على مثل تلاك
الاجراءات الفاشسية فان ذلك يعرضها لنقمة الرأى العام ببريطانيا , والنواب
البرلمانيين والصحافة , كما أنها ستضر بسمعة بريطانيا فى العالم وتخلق لها متاعب
جديدة داخل حلف الاطلنطى , ذلك ان القبارصة لم يكونوا وحدهم فهناك اليونان يقفون
الى جانبهم كما كانوا يتوقعون تأييدا معنويا من الولايات المتحدة .
ولقد كان من مفارقات هذه المعركة أنه ما من
مرة فشلت فيها الوسيلة الأولى , وبمضى الوقت أدرك القبارصة أنهم يحاربون دولة
ديمقراطية , لا تميل الى أستخدام أقصى قوتها , كما لم تكن تتردد فى أظهار اعجابها
ولو فى شكل محدود بما كانوا يبدونه من ضروب البطولة .
الأعلام ( الرمز ) :
وقف ضابط مترددا لأول وهلة وهو يراقب
تلك الوجوه المتجهمة الصامتة وهى ترمقه من السيارتين ثم قال لهم : ان القانون يحظر
حمل أعلام ايوكا , فرد عليه ستيليو بأن
علم اليونان الذى هو شعارنا القومى ليس علما محظورا , ولقد جئنا لاسترداده منكم .
عندها ابتسم الضابط وطلب الى التلاميذ
الانتظار برهة ريثما يتدبر الأمر ومرت لحظات ممضة عاد الضابط بعدها وبرفقته احد
الجنود يحمل الأعلام وكانت مطوية طيا أنيقا , وعندما كان يتم تسليمها وقف الضابط
رافعا يديه بالتحية .
التواصل :
رجل البوليس وهو راكب دراجته البخارية ,
سائق العربة , الطبيب يتفقد مرضاه ؟ الفتاة فى طريقها الى الجبل لمباشرة حديقتها
الصغيرة او مشتل لها فى أحد أطراف الوادى , الطالب فى طريقه الى المدرسة , شيخ
يزور قريبا له فى أحدى القرى , كل واحد من هؤلاء قد يكون حاملا معه رسالة شفهية او
مكتوبة من منظمة أيوكا أو اليها . وقد وضعت ايوكا شفرة خاصة بها لاستخدامها فى نقل
تعليماتها بالبريد او بالتليفون , كما كانت تحتفظ بسائقيها الخاصين بها بالرغم من
أن تبادل الأسلحة ونقلها كان يتم فى معظم الاحوال بالطرق العادية وتحت ستار برىء
لدرجة ان سيارات الشرطة نفسها ومع وجود البوليس المسلح فيها قد تكون محملة ببعض
صناديق ذخيرة لايصالها الى رجال منظمة ايوكا حيث يتسلمها أحد أصحاب المقاهى الذى
يسلمها بدوره الى أشخاص معينين .
ويمر شيخ يتوكأ على عصاه ولكن قد يكون فى طرف
عصاه بعض كبسولات الديناميت كعصى الراهبين الذين حملوا فى قديم الزمان دودة القز
من الصين الى الشام .
وسائل النقل :
وقد يعهد الى سائق سيارة يعمل فى احدى شركات
النقل فى اكسيروس بايصال سله من التوت الى
مورفو ويكون فى جوفها مسدس . وقد تمر امرأتان تسوقان حمارا يحمل على ظهره سلتين من
السلال المحلية الطويلة مملوءتين بالسماد الحيوانى – تمران بمجموعة من رجال الأمن
مهمتهم تفتيش جميع الداخلين الى القرية والخارجين منها فيقوم رجال هؤلاء بتفتيش
السلتين , غير ان الرائحة الكريهة التى تنبعث منها قد تمنعهم من تفتيش السلتين حتى
قاعيها مع ان بداخلهما مدفعين رشاشين صغيرين ! كما ان الأدوات الموسيقية وشنط اليد
النسائية , وأكياس الدقيق وعلب الفاكهة المحفوظة وأقراص الرغيف – كل هذه الأشياء
قد يكون بداخلها شىء او بعض الأسلحة الفتاكة .
خلف خطوط العدو :
ومن ناحية اخرى كان موقف الصحافة فى قبرص
عموما موقفا محايدا مما دعا ديجينيس مرارا وتكرارا الى أن يشكوها الى رياسة المجلس
الكنسى , ولعل القوانين الصارمة كانت السبب فى تردد الصحفيين فى ابداء ارائهم مما
جعل الأغلبية منهم يكتفون بنشر التقارير الرسمية والنشرات الحكومية .
ولم يبق من
الصحفيين فى الميدان غير شارلس فولى وهو صحفى انكليزى كان يعمل محررا سابقا للشئون
الخارجية فى صحيفة الديلى اكسبريس ,وقد ألف هذا الصحفى كتابا عن أوتو سكورزينى
بعنوان (الكومندو الفريد) وكان الصحفى الوحيد الذى يستطيع ان يعكس عذر الوقف
وخطورته ,
ولما كان هذا الصحفى
مؤمنا بأن الحرية للشعوب هى كالماء والطعام للانسان وبأن القبارصة يخوضون كفاحا
عادلا فقد منحهم تأييده كله برغم أنه لم يذهب الى قبرص وفى ذهنة نية مبيتة لكى
يصبح نيرون الثورة القبرصية .
كان هذا الصحفى طويل القامة ضامر البنية عليه سيما
الرجل المثقف , ومع أنه لم يكن مولعا بحب الظهور والحذلقة البالية التى من خصائص
الشعراء , فأن دوره فى معركة قبرص كان دورا مؤثرا , وان كان قد كلفه ذلك الكثير من
المعاناة .
لقد وجد نفسه مضطرا الى مهاجمة حكومة بلده , الامر الذى كاد يعرضه الى
قطع صلته بأبناء وطنه القاطنين فى قبرص . لقد خلق منه ضميره الحر حليفا لشعب لم
يكن يعرف عن تاريخه ولغته الا النزر اليسير , ولكنه كان قد اختار طريقه الذى لم
يكن يزعزعه عنه شىء قط .
واخيرا افتتح فولى مجلة نصف شهرية باللغة
اليونانية , واطلق عليها الاسم الذى كان يطلقه على صحيفته الأنكليزية وكرسها كلها
لكفاح قبرص ولمعالجة ادابها وثقافتها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق