حرب العصابات في قبرص 5
يوم وصول جريفاس الى جزيره قبرص فى سنه
1954 تخلى عن اسمه وهوايته وانتحل اسم ديجينيس وهو الاسم الذى سوف نعرفه به من
الان فصاعدا فى هذه القصه .
ان الشعب كله كان يؤيد ايوكا وقد بذل كل
فرد فى قبرص اقصى ما يستطيع لمساعده هذه الحركه .
لم تعد القضيه بالنسبه لشعب قبرص قضيه
قوميه فحسب , بل اصبحت قضيه كرامه انسانيه التى قدر لها ان تقوم بدورها ايضا , وقد
عبر عن هذا لشعور الرسام القبرصى بول جورجيو (الذى تتدلى احدى لوحاته فى مكتب
السير ونستون تشرشل) حين قال : لقد كانت القضيه بالنسبه الينا قضيه كرامه , لقد
قاتلنا كبشر من اجل كرامتنا .
اما عالم اللاهوت انطونيوس جورجيوس الذى يبلغ
من العمر 28 عاما والقائد الثانى بعد جريفاس والذى تولى اخيرا منصب وزير المواصلات
والاشغال العامه فى حكومه مكاريوس الانتقاليه .
عندما وصلت المقترحات الدستوريه فى صوره
مذكره موجهه من وزير المستعمرات الى الجمعيه التاسيسيه فى قبرص فى شهر مايو 1948
ظهر ان تلك المقترحات لم تكن وافيه بالغرض : ان المقترحات تدعو الى تشكيل مجلس
تشريعى يقوم على نظام الانتخاب ويتكون من 18 عضوا من اليونانيين و4 اعضاء من
الاتراك بالاضافه الى 4 اعضاء اخرين يعينهم الحاكم على ان يحتفظ هذا بالسلطه
العليا فى التصديق على القوانين الخاصه بالشئون الماليه والخارجيه والدفاعيه وحقوق
الاقليات قبل ان تصبح نافذه المفعول , اما وضع الجزيره نفسها فينبغى استبعاده من نظام
السلطه التشريعيه .
اليسار فبرغم انه كان الفريق الوحيد الذى
اشترك فى الجمعيه التاسيسيه – بعد ان قاطعتها الكنيسه واحزاب اليمين- فقد رفض
المقترحات , اذ لم يكن امامه غير هذا السبيل , ومن هنا تبددت كل الامال فى امكان
قيام حكومه ذاتيه فى المستقبل وفق الظروف التى اشرنا اليها انفا , وهكذا ضاعت جميع
الفرص فى الوصول الى حل سلمى للموقف كما فشلت الحكومه البريطانيه من جانبها فى ان
تتصرف بالحكمه والشجاعه التى كان يتطلبها الموقف .
ان كبير الاساقفه الجديد ذا اللحيه الكثيفه
وذا الثمانين عاما المنتصب القامه والجندى السابق فى الجيش اليونانى – كان معروف
باتجاهاته الثوريه , لقد كان ذلك الاسقف هو الذى سطر اسمه فى تاريخ قبرص فى النضال
والثوره , انه ذو بنيه صلبه ولسان لسن وعقيده دينيه راسخه , لقد كان شخصا مرهوب
الجانب وفى الوقت نفسه محبوبا من الناس لنزاهته ووطنيته .
وبرغم كبر سنه اندفع على
الفور يعمل لاستعماده مكانه الكنيسه وبث الحماس فى صفوف الوطنيين الذين كانت روحهم
المعنويه قد انهارت وقواهم تفتت نتيجه الانتصارات التى حققها اليسار فى الانتخابات
التى جرت قبل 18 شهرا من انتخابه .
وكان يساعده فى جهوده اسقفان شابان وزميل اخر
من اتباعه المخلصين هو زينوفون كامباريدس .
كانت هذه هى المره الاولى فى تاريخ الكنيسه
التى نزلت فيها الى الشارع لتعبئه الشعب , فعقدت الاجتماعات ونظمت المظاهرات ,
وكانت كل تجمعات يساريه تقابلها تجمعات كنسيه وكانت المعركه متركزه فى كسب الشباب
, كما كان تذبذب اليسار من العوامل التى تساعد المنظمات الكنسيه مساعده كبيره فى
نضالها , كان اليساريون فى اول الامر ينادون بوحده قبرص مع اليونان بكل حراره , بل
انهم ساعدوا فى دعم هذا الشعور دعما قويا , ثم تراجعوا وعادوا يؤيدون شعار الحكومه
الذاتيه , واخيرا غيروا موقفهم هذا , واخذوا يؤيدون مبدأ الوحده فى الوقت الذى
كانوا يشنون هجوما يوميا على اليونان التى كانوا ينادون بالاتحاد معها ويعدونها
دوله شبه فاشسيه . وعلى الرغم من انهم كانوا يوضحون الاسباب التى تضطرهم الاسباب
التى تضطرهم الى تغيير سياستهم ويبررونها ماوسعهم التبرير فان الجماهير لم تعد تثق
فى نياتهم وقدراتهم .
وقد
ناشد البيان المواطنين جميعهم بالاشتراك فى الاستفتاء وبألا يختلف احد منهم عن ذلك
, وقد جرى الاستفتاء بصوره علنيه وطريقه عامه فى اليوم الخامس عشر من شهر يناير
عام 1950 , وظلت قوائم الترشيح مفتوحه سبعه ايام وقد ادلى ما يزيد على 215000 نسمه
اى ما يساوى 96% من مجموع السكان باصواتهم فى مصلحه الوحده مع اليونان .
بفضل هذا الاستفتاء تمكن المجلس الكنسىمن
تقلد زمام الحركه الوطنيه بصوره قاطعه , وفى الوقت نفسه توجه وفد قبرص برياسه
كيريانوس , اسقف كيرينيا الى اثينا ولندن والى مقر الامم المتحده فى نيويورك لعرض
نتيجه الاستفتاء على هذه الجهات . وقد استقبل الوفد فى اثينا رئيس وزرائها كما
استقبله فى نيويورك موظفو هيئه الامم المتحده الرسميون , اما فى لندن فقد رفض وزير
المستعمرات استقبال الوفد محتجا بانه لا يتوقع ايه فائده من ذلك .
وهكذا قطع الانكليز كل امل حتى من
المحادثات العاديه , كما لم يحدث ان حاول اى وزير للمستعمرات التعرف على نفسيه
زعماء قبرص السياسيين وكان الاجدر بهم ان يحاولوا كما اثبتت الحوادث فيما بعد .
0 التعليقات:
إرسال تعليق