تنقية أصول التاريخ الإسلامي 12
وجاء هارون الرشيد وهو فى مجموعه مشكله
تاريخيه , فانه ليستوقف النظر انه كان قليل الاقامه فى بغداد , ويقال : انه كان
يخافها ويخاف البرامكه , ولكن خوفه من بغداد واهلها لم يفارقه .
فنجده دائما وسط
عساكره متنقلا بين بلدان المشرق ومن هنا جاء قولنا : انه كان يغزو عاما ويحج عاما
, وهو لم يكن غازيا عظيما ولا كان كثير الحج , ومع ان الناس كانوا يحبونه لكرمه
وورعه وعدله فان نكبته للبرامكه كانت ضربه قاضيه على سلطانه وبعد البرامكه اعتمد
الرشيد على الفضل بن سهل وابن عمه وهو الحسن بن سهل وهما من الفرس كالبرامكه بل
كان شعورهما بفارسيتهما اقوى واعمق , والفضل كان يتحدث فى مجالسه بالفارسيه وكان
معاديا للعرب فى بلاط العباسيين وخاصه على بن الحسين الهمذانى زعيم الازد وكان
متغلبا على الموصل هو واخوه احمد واهل بيت من الازد , وقد اخطا على بن الحسين خطا
فاحشا عندما قتل رجلا من الازد يسمى عون بن جلبه , فانقلب الازد عليه وعلى اخويه
احمد وعلى وقتلوهم ..
يقول ابى بكر بن العربى فى كتابه
العواصم من القواصم : اننا لا ينبغى قط ان نقول كلمه فى حق معاويه لانه كان من
الصحابه ولا يجوز لمسلم ان ينقد صحابيا . ولنا فى ذلك راى اخر فنحن نرى ان نحترم
كل صحابى بقدر ما افاد او قبس من نور رسول الله (صل الله عليه وسلم) فبعض الصحابه
مثل ابى بكر وعمر كان خلقهم كله اقتباسا من الرسول (صل الله عليه وسلم) ولهذا
فاننا نحترم كل تصرف لهما وكل كلمه قالاها , ولكن ما رايك فى عبد الرحمن بن عوف
الذى قصد بالفعل ان يخرج عليا من الخلافه عندما ساله : هل تتبع خط الرسول وابى بكر
وعمر ؟ فقال على : اننى اتبع خط الرسول (صل الله عليه وسلم) ولكن ابا بكر وعمر
صحابيان مثلى والله ارسل نبيا واحد هو محمد (صل الله عليه وسلم) ولم يبعث ثلاثه
انبياء فانا اتبع الرسول وسنته وانظر فيما فعل ابو بكر وعمر , فما رايت من الصواب
فى عملهما فعلته , والا فاننى اجتهد برايى وعمر نفسه لم يعجبه الكثير من اراء ابى
بكر فتركها واستشار الناس واخذ بالشورى .
وانا اقول ذلك لان تحديد الفكر وتحريمه على
الناس لا ياتى بخير ابدا . وهذا هو السبب فى ان الفكر السياسى عندنا اصيب بشلل فقد
كان الناس ولا يزالون يقدسون جميع الصحابه حتى انهم لم ينتقدوا منه احدا .
انا اكتب هذه الفصول لكى اقول للناس ,
فليس هناك احسن ولا احلى من الصدق . واذا كنا لم ناخذ افكار التشريع السياسى الا
من اهل الغرب ولم نعرف الدستور الا عن طريقهم فكيف يسالنى صديق قائلا : الم ياخذ
اهل الغرب الدستور عنا ؟ وانا اقول له يا سيدى , انهم لم ياخذوا الدستور عنا بل
نحن الذين اخذناه عنهم , وهم انفسهم قضوا فوق المائتى عام يفكرون ويعملون حتى
انتهوا الى ضروره وضع دستور , اى قانون اساسى يحدد مده الحاكم الاعلى , ويضع حدود
سلطاته وحقوق المواطنين , ويحدد مصارف المال العام .
ولفظ الدستور نفسه ليس لفظ
عربىا بل فارسى ومعناه فى الاصل : قالب الطوبالذى يصنع بمقاييس محدده , فاخذه
المشرعون العرب فلا القرن الماضى واستعملوه بمعنى القاعده التى يعمل القانون
الاساسى بمقتضاها . والدفتر الذى تكتب فيه وفى الاصلاح المعاصر مجموعه القواعد
الاساسيه التى تبين شكل الدوله ونظام الحكم فيها ومدى سلطتها ازاء الافراد .
ومن غريب الامر ان الجاحظ – رغم هذا
الذكاء وبعد النظر – لم يكتب حرفا فى ضروره تشريع الخلافه وعذره هنا معروف وان لم
يكن مقبولا فقد كان الرجل يكتب فى العصر العباسى وكان هو نفسه عباسيا , والعباسيون
قد غصبوا الخلافه كما فعل بنى اميه . فكيف يستطيع الرجل ان يقول كلمه فى هذا
المعنى , ولو انه قالها لخبط بالسيف وشك بالرماح .
عشنا دائما فى ظل الاستبداد السياسى , ولم
يؤذن لنا قط ان نقول كلمه حق , وكان اهل الغرب فى مثل حالنا حتى قامت الثوره
الفرنسيه سنه 1789 , فالحق ان هذه الثوره اطلقت عقال الالسنه وفتحت الابواب على مصاريعها
للحريه .
ارجو ان القارىء الا يستهين بالثوره
الفرنسيه , حقا ان الاسلام قرر قواعد الحريه السياسيه فى ايام الرسول , صلوات الله
وسلامه عليه , ولكن المسلمين ابتداء من العصر الاموى حرموا الناس من حقوقهم
السياسيه وكذلك العباسيون وكل دول الاسلام الى العصر الحديث , والعبره فى التاريخ
بالحقائق الواقعه الى جانب المبادىء المعلنه .
الحقيقه هى ان الحكم المطلق هو الذى كان
يغير اخلاق اولئك الناس , فان الواحد منهم كان مستعدا لان يامر بقتل عشره الاف
انسان اذا غضب او اذا خاف على ملكه .
0 التعليقات:
إرسال تعليق