حرب العصابات في قبرص 19
فى يوم 2 فبراير سنه 1956 خرج مكاريوس عن تحفظه , وقبل أن يصدر بيانه استدعى
ممثلى الشعب القبرصى من التجار و الحرفيين ونقابات العمال ومنظمات الفلاحين
وأطلعهم عليه ,
وقد وافق الجميع على روح البيان وباركوا مضمونه , وبذلك أصبح
الأسقف فى وضع يسوغ له أن يعد بيانه معبرا عن وجهة نظر أغلبية الشعب ,
أن هذا
البيان الى جانب رد هاردنج لما يجدر بنا أن نشير اليهما فى أسهاب , ويجب أن يعدا
وثيقتين اساسيتين .
من النقاط ذات الأهمية الخاصة بالنسبة الى
مكاريوس , فقد كان الأسقف يدرك تمام الأدراك أن الوعى الدولى القوى لقضية قبرص و
أرتفاع مكانته يعودان فى الدرجة الأولى الى منطق السلاح الذى تنادى به ايوكا .
ولهذا فأن شراء السلطة على حساب ايوكا وترك أعضائها تحت رحمة السلطات تتصيدهم و
تزج بهم فى معسكرات الأعتقال والسجون معناه جنايه سافرة للقضية .
اعتقل مكاريوس يوم 9 من مارس 1956 , على
حين كان يتأهب لركوب الطائرة الى أثينا لأجراء اتصالات جديدة , ولكنه بدلا من أن
يسافر الى أثينا نقل الى احدى طائرات سلاح الطيران البريطانى التى كانت رابضة على
أحد مهابط الطائرات
ولا يجوز لنا القول بأن هذا الحادث قد جاء عرضا , بل فى
الحقيقة أنه فى اليوم السابق لنفى الأسقف بعت أحد المواطنين ممن كان أمرا وشيكا
,
غير أنه عندما تحدث فى هذا الموضوع مع صديق له أبى أن يأخذه مأخذ الجد , وقال :
انه لم يكن يظن أنهم سيقدمون على مثل ذلك الاجراء , وقال الأسقف كرانديوتس ,
سكرتير المجلس الكنسى : ان احتمالات ذلك تكاد تكون واحدا فى الألف .
بعد دخول الأسقف الى الطائرة مباشرة وصل الأب
بابا ستوفروس , كبير رهبان كنيسة فانرومينى بنقوسيا وأنضم الى مكاريوس .
وقبل أن
يستطيع الأسقف سؤال الأب بابا ستوفروس عن كيفية تمكنه من الوصول لتوديعه اذا به
يرى الأسقف كبريانوس برفقة السيد بوليكاريوس ايونيدس , سكرتير المجلس يدخلان عليه
فى الطائرة .
وقد نقل المنفيون الى جزيره صقلية حيث
أمضوا فيها 13 شهرا , وهكذا تعد معاملة بريطانيا لمكاريوس كفرد اعترافا له بزعامته
للأمة فى واقع الأمر . فبنفيها للأسقف رفعت من مكانته فى نظر الشعب , وخلقت منه
رمزا وطنيا .
وفى اعقاب ذلك اصدر هاردنج بيانا جاء فيه :
(( ان عددا قليلا من
القبارصة اليونانيين من يستطيع أن يهاجر برأيه فى مسألة الوحدة – لا خوفا من رصاص
ايوكا فحسب , بل خوفا من أن يساء فهمهم ويوصموا بالخيانة )) .
والمعنى فى هذا
البيان واضح كل الوضوح :
ذلك أن كثيرا من التقارير المغرضة التى
كانت تقدم الى الحاكم كانت تصله عن طريق المكاتب والمصالح الحكومية المختلفة وعن
طريق بعض من ليست لهم دراية ذلك انه من طبيعة الحكومات أن تثق ثقة كبيرة فى تقارير
الخبرين والمتزلفين , خصوصا اذا كانت السلطة القائمة فيها سلطة ذات طابع أوتوقراطى
ولا تمتلك الوسائل التى تكفل لها تمحيص الرأى العام .
وقد تناقشت فى هذا الموضوع
مع عدد من القبارصة وبعد أن أستطلعت رأيهم , أستطيع أن أقرر أن الحكومة كانت تعتقد
فعلا أن تأييد الجمهور لايوكا كان مبعثه الخوف .
صحيح كان هناك خوف ولكن هذا الخوف
كان بين أوساط العناصر اللامبالية أو السلبية أو المناهضة للحركة , كما كان بين
الخونة ممن كان لهم نشاط ضد الحركة الوطنية , فلم يكن الخوف قاطعا ذلك الذى حول
تلاميذذ المدارس ودفع بالشباب الى الأنخراط فى فرق العصابات ولا الذى شجع الجنس
اللطيف الى أخفاء المتفجرات تحت الملابس , والكهول الى نقل بريد ايوكا برغم السياط
التى كانوا يتعرضون لها من جانب السلطات .
وبرغم ذلك يبدو أن السلطات اقتنعت اقتناعا
تاما بأن ابعاد الأسقف والضربات التى ستتوالى على حركة أيوكا سوف تقضى على ذلك
الخوف المزعوم ممهدا الطريق للعناصر المعتدلة , التى لا يمكن تحديد نوعيتها دائما
, لكى تتقدم الصفوف دون أن يؤرقها وازع من ضمير لقبول ما يعرض عليها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق