02‏/02‏/2015

إمبراطورية الثروة ج2-14

إمبراطورية الثروة ج2-14


        كان لا بد من رفع ثمن الصادرات الهائلة من الذخيرة الحربية التى ذهبت الى القوى المتحاربة , ولم يكن ذلك بالأمر اليسير .

فلقد بلغت ميزانية الدفاع السنوية لبريطانيا فى السنوات السابقة للحرب 50 مليون دولار وسطيا . 

وبعد ذلك بفترة وجيزة كانت بريطانيا تنفق 5 ملايين جنيه فى اليوم لتخوض غمار الحرب .

       وبدأت بريطانيا الان – وكانت لمدة طويلة مصدر رؤوس الأموال الرئيسى للاقتصاد الأمريكى النامى – ببيع استثماراتها الأمريكية . وفرضت ضريبة خاصة على توزيعات أرباح الأوراق المالية الأمريكية لكنها أجازت للمكلفين (دافعى الضرائب) البريطانيين سداد ضرائب دخلهم بأوراق مالية أمريكية بقيمتها الاسمية .

         لقد أدت تصرفات المانيا فى الحرب – على سبيل المثال انتهاك حياد بلجيكا وإغراق سفينة الركاب العزل لويستانيا – التى أفادت الدعاية السياسية البريطانية منها بفطنة بالغة – الى انقلاب الراى العام الأمريكى على قوى المحور .

وقد كان استئناف حرب الغواصات المفتوحة فى يناير 1917 اخر (قشة) اضطر بعدها الرئيس ويلسون الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع المانيا انذاك. 

      كان أثر الحرب فى الوضع المالى للاتحاد بالغا ومستداما , تماما كما كانت الحال زمن الحرب الأهلية .

فمنذ عام 1865 لم تنفق الحكومة فى العام الواحد أكثر من 746 مليون دولار , وهو ما أنفقته فى عام 1915 . وكان الدين القومى فى ذلك العام لا يتجاوز 1.191 مليار دولار (كان يمكن لجون دى روكفلر أن يسدده بنفسه ويظل أغنى رجل فى البلاد) .


وبعد الحرب العالمية الأولى , لم تقل نفقات الحكومة السنوية عن 2.9 مليار دولار , وارتفع الدين القومى إلى أكثر من 25 مليار دولار فى عام 1919 .

      كان تطبيق حملات إصدار السندات – باستخدام تقنيات ابتكرها جاى كوك فى أثناء الحرب الأهلية – جاريا على قدم وساق , لكن بإضافة جديدة انذاك هى ظهور نجوم السينما من أمثال دوغلاس فيربانكس ومارى بيكفورد وتشارلى تشابلن لتشجيع المواطنين على شراء سندات الحرية .

       أصبحت ضريبة الدخل أهم مصدر لإيرادات الحكومة الفدرالية , وبقيت كذلك منذ ذلك الحين . وبدل هذا من جوهر اللغط الدائم حول موضوع الضرائب .

       كان الخلاف - عندما كانت التعريفات الجمركية مصدرا أساسيا للإيرادات الفدرالية – يدور بين قطاعات الأقتصاد . إذ أيد أصحاب مصانع نيوإنغلاند وعمالهم التعريفات الجمركية المرتفعة على الملابس . أما منتجو المحاصيل الجنوبيون وملاك الأراضى الذين عملوا بها فأيدوا خفض التعريفات . وبتطبيق ضريبة الدخل الان انتقل الجدال الى ما بين الطبقات الاقتصادية .

       على الرغم من ذلك فلم يطرأ تغير على الحالة الأقتصادية فى الولايات المتحدة , وذلك مقارنة بأملاكها والتزاماتها الدولية . لقد كانت الولايات المتحدة فى السابق – بوصفها بلدا ناميا – مستوردا رئيسا لرأس المال .

و لتأكيد ذلك يمكن القول إنه مع الاثار الجانبية الغريبة التى خلفتها دورات الازدهار والهلع و الكساد الشديد التى صبغت الاقتصاد الأمريكى فى القرن التاسع عشر , فإن كثيرا من رؤوس الأموال المستوردة انتهت اخر المطاف فى أيد أمريكية .

ففى فترات الازدهار كان رأس المال يتدفق الى البلد لبناء السكك الحديد و المصانع الجديدة .

 ومن ثم وبعد التراجع المحتوم فى الأداء الاقتصادى كان حملة الأسهم و السندات الأوروبيون يسعون – بعد أن يصابوا بخيبة الأمل – الى التخلص من الأوراق المالية التى خسرت كثيرا من قيمتها نظير السعر الذى يتيسر لهم فى السوق الأمريكية .
وبالنتيجة , كانت الولايات المتحدة تنتهى الى حيازة الموجود (الاصل) وحق الملكية .


         ومع ذلك – وحتى فى تاريخ ليس بالبعيد 1914 – ظلت الولايات المتحدة أكثر الأمم مديونية , إذ بلغت استثماراتها فى الخارج نحو 3.5 مليار دولار مقابل استثمارات أوروبية فى الولايات المتحدة بقيمة 7.2 مليار دولار , ومع نهاية الحرب , انقلب هذا الوضع تقريبا , فكان الأجانب يحوزون ما قيمته 3,3 مليار دولار من الاوراق المالية الأمريكية , وكان لدى الأمريكيين لستثمارات أجنبية بقيمة 7 مليارات دولار ,

بالإضافة الى هذا , كانت الحكومات الأجنبية خصوصا فرنسا وبريطانيا مدينة للولايات المتحدة بنحو 9.6 مليار دولار من قروض الحرب . وهكذا وفى أربع سنوات انقلبت الولايات المتحدة من دولة مدينة بمبلغ 3.7 مليار دولار الى دولة دائنة بمبلغ 12.6 مليار دولار . 



0 التعليقات: