العقد الإجتماعي 4
الحالة المدنية :
أدى الانتقال من حالة الطبيعة الى حالة
المدنية الى تغييرات واضحة حقيقة فى الفرد .
فقد أحل العدالة محل الغريزة فى سلوكه
, وأضفى على تصرفاته أساسا أخلاقيا كان يعوزها من قبل .
إن الانسان لا يدرك أنه
ملزم بطاعة مبادئ مختلفة تماما , وأن عليه أن يسترشد بعقله لا أن يستجيب لدوافع
رغباته فحسب , إلا عندما يحل صوت الواجب محل النزعات الجسدية , ويحل الحق محل
الاستجابة للشهوات ؛ فعندئذ فقط يدرك الانسان ذلك , وقد كان من قبل لا يهتم إلا
بنفسه وحده .
ورغم أنه قد يجد نفسه محروما من عدة مزايا كان يتمتع بها فى حالة
الطبيعة , فسيدرك أنه حصل على مزايا أخرى ذات قيمة أكبر بكثير ز فستنمو ملكاته ,
إذ يستعملها , ويتسع أفق تفكيره وتصبح مشاعره أنبل وتسمو روحه , إلى حد يجعله
يبارك بلا انقطاع اليوم الذى حرره الى الأبد من حالته القديمة وحوله من حيوان بليد
محدود الأفق الى مخلوق ذكى و إنسان , لولا أن سوء استعمال الظروف الجديدة ما زال
يعود به أحيانا الى منحدر أسوأ من الحالة التى كان فيها .
إن ما يفقده الإنسان نتيجة للعقد
الاجتماعى هو حريته الطبيعية وحقه غير المحدود فى الاستيلاء على ما يريد وما
يستطيع الحصول عليه ؛ أما ما يكسبه فهو الحرية المدنية وملكية كل ما فى حيازته .
وحتى لا نتعرض للخطأ فيما يتعلق بهذه التعويضات , ينبغى أن نميز الحرية الطبيعية
التى يتمتع بها الانسان والتى لا يحدها سوى قوة الفرد نفسه , والحرية المدنية التى
تحدها الإدارة العامة ؛ وأن نميز بين الحيازة التى تقوم على القوة المادية وحدها
وحق الاستيلاء الأول , والملكية التى لا يمكن أن تقوم إلا على سند إيجابى .
0 التعليقات:
إرسال تعليق