15‏/02‏/2015

العقد الإجتماعي 5

العقد الإجتماعي 5


       بصفة عامة تتطلب شرعية حق الأسبقية فى الاستيلاء على قطعة أرض الشروط التالية :

أولا : أن تكون هذه القطعة مما لم يشغله إنسان من قبل ,
 وثانيا : ألا يشغل منها المرء سوى الجزء الضرورى له ,
 وثالثا : أن يدخلها المرء فى حيازته , لا بوساطة الشكليات الجوفاء , ولكن بالعمل و الزراعة , وهما العلامة الوحيدة للملكية التى يجب على الغير احترامها فى حالة عدم وجود سند قانونى .

      والواقع , أننا إذ نقصر حق الأسبقية فى الاستيلاء على الحاجة و العمل , الا نكون قد وسعناه إلى أقصى حد ممكن ؟ ألا ينبغى أن نضع حدودا لهذا الحق ؟

أيكفى أن يضع المرء قدمه فى قطعة من الأرض المشتركة ليدعى لنفسه ملكيتها ؟ ولمجرد كونه قويا , فى لحظة ما , إلى الحد الذى يكفل منح الاخرين عنها , هل يستطيع مطالبتهم بعدم العودة إليها بعد ذلك أبدا ؟ وكيف يستطيع إنسان , أو شعب , أن يستولى على مساحة شاسعة من الأرض , ويحرم بذلك بقية الجنس البشرى منها , إلا عن طريق الاغتصاب المعاقب عليه , طالما أن ذلك يؤدى الى حرمان الباقين من التمتع بما هيأته لهم الطبيعة مشتركين فيها من سكنى وغذاء ؟

فعندما نزل ( نوينيز بالباو ) على شريط من الساحل وأعلن ملكية تاج قشتالة للبحار الجنوبية و لأمريكا الجنوبية كلها , هل كان محقا فى نزعها من سكانها الأصليين وفى حرمان جميع أمراء الأرض منها ؟ وعلى هذا الأساس , لا يكون هناك حدود لهذه الشكليات الجوفاء , وليس على ملك أسبانيا إلا أن يعلن فجأة حيازته للعالم كله بعد أن يستنزل منه تلك الأجزاء التى يملكها فعلا الأمراء الاخرون .


       ويستطيع المرء أن يتصور كيف أصبحت أراضى الأفراد , وهى مجتمعة ومتلاصقة , ملكا عاما , وكيف صار حق السيادة , إذ امتد من الرعايا إلى الأراضى التى يشغلونها , عينيا وشخصيا , مما جعل الملاك أقل استقلالا وجعل قواهم نفسها ضمانات لولائهم .

ويبدو أن هذه الميزة لم تطرأ على بال الملوك القدامى , الذين اعتبروا أنفسهم مجرد ملوك للفرس والمقدونيين والسيكتيين أكثر مما هم ملوك على البلاد نفسها . بيد أن ملوك عصرنا أكثر حذقا , إذ يطلقون على أنفسهم عادة (ملك فرنسا) و (ملك اسبانيا) و (ملك انجلترا) .... إلخ وهم بذلك إذ يسيطرون على الأرض فيضمنون تماما السيطرة على سكانها .

      ينبغى أن تكون أساسا لكل نظام اجتماعى : إن الميثاق الأصلى لأبعد ما يكون عن القضاء على المساواة الطبيعية , بل على النقيض من ذلك , إنه يحل مساواة قانونية ومعنوية محلها ؛ مقابل ما قد تكون الطبيعة قد خلقته من عدم مساواة جثمانية بين الناس , وبذلك يصيرون جميعا متساوين قانونا واتفاقا , و إن كان بينهم تفاوت فى القوة والذكاء .

  ليست هذه المساواة سوى مظهر وهمى فى ظل الحكم السيئ ؛ فهى لا تفيد إلا فى إبقاء الفقير على فقره والغنى على ما اغتصب . والواقع أن القوانين تفيد دائما من يملكون مالا وتضر المعدمين .

السيادة غير قابلة للتنازل :

       الإرادة العامة وحدها هى التى تستطيع توجيه قوى الدولة نحو تحقيق الهدف من إنشائها , وهو الخير المشترك .

       لم تكن السيادة سوى ممارسة الإرادة العامة , فأنها مما لا يمكن التنازل عنه . فالسلطة مما يمكن نقله , ولكن الإرادة لا يمكن نقلها .

      الإرادة الخاصة تجنح بطبيعتها الى المحاباة , بينما تجنح الإرادة العامة الى المساواة .

السيادة لا تتجزأ :

       الإرادة إما أن تكون عامة و إما ألا تكون كذلك : فهى إما إرادة الشعب فى مجموعه , وإما إرادة جزء منه فقط . وفى الحالة الأولى تكون هذه الإرادة المعلنة عمل من أعمال السيادة ولها أن تسن القوانين , وفى الحالة الثانية ليست سوى إرادة خاصة , أو عمل من أعمال الإرادة , ولا تكون إلا مرسوما على أكثر تقدير .


      رجال السياسة عندنا جزءوا السيادة تبعا لأهدافها لما لم يستطيعوا تجزئتها فى مبدئها : فيقسمونها إلى قوة و إرادة : الى سلطة تشريعية و أخرى تنفيذية .

0 التعليقات: