العقد الإجتماعي 5
بصفة عامة تتطلب شرعية حق الأسبقية فى
الاستيلاء على قطعة أرض الشروط التالية :
أولا : أن تكون هذه القطعة مما لم يشغله
إنسان من قبل ,
وثانيا : ألا يشغل منها المرء سوى الجزء الضرورى
له ,
وثالثا : أن يدخلها المرء فى حيازته , لا بوساطة
الشكليات الجوفاء , ولكن بالعمل و الزراعة , وهما العلامة الوحيدة للملكية التى
يجب على الغير احترامها فى حالة عدم وجود سند قانونى .
والواقع , أننا إذ نقصر حق الأسبقية فى
الاستيلاء على الحاجة و العمل , الا نكون قد وسعناه إلى أقصى حد ممكن ؟ ألا ينبغى
أن نضع حدودا لهذا الحق ؟
أيكفى أن يضع المرء قدمه فى قطعة من الأرض المشتركة
ليدعى لنفسه ملكيتها ؟ ولمجرد كونه قويا , فى لحظة ما , إلى الحد الذى يكفل منح
الاخرين عنها , هل يستطيع مطالبتهم بعدم العودة إليها بعد ذلك أبدا ؟ وكيف يستطيع
إنسان , أو شعب , أن يستولى على مساحة شاسعة من الأرض , ويحرم بذلك بقية الجنس
البشرى منها , إلا عن طريق الاغتصاب المعاقب عليه , طالما أن ذلك يؤدى الى حرمان
الباقين من التمتع بما هيأته لهم الطبيعة مشتركين فيها من سكنى وغذاء ؟
فعندما نزل
( نوينيز بالباو ) على شريط من الساحل وأعلن ملكية تاج قشتالة للبحار الجنوبية و
لأمريكا الجنوبية كلها , هل كان محقا فى نزعها من سكانها الأصليين وفى حرمان جميع
أمراء الأرض منها ؟ وعلى هذا الأساس , لا يكون هناك حدود لهذه الشكليات الجوفاء ,
وليس على ملك أسبانيا إلا أن يعلن فجأة حيازته للعالم كله بعد أن يستنزل منه تلك
الأجزاء التى يملكها فعلا الأمراء الاخرون .
ويستطيع المرء أن يتصور كيف أصبحت أراضى
الأفراد , وهى مجتمعة ومتلاصقة , ملكا عاما , وكيف صار حق السيادة , إذ امتد من
الرعايا إلى الأراضى التى يشغلونها , عينيا وشخصيا , مما جعل الملاك أقل استقلالا
وجعل قواهم نفسها ضمانات لولائهم .
ويبدو أن هذه الميزة لم تطرأ على بال الملوك
القدامى , الذين اعتبروا أنفسهم مجرد ملوك للفرس والمقدونيين والسيكتيين أكثر مما
هم ملوك على البلاد نفسها . بيد أن ملوك عصرنا أكثر حذقا , إذ يطلقون على أنفسهم
عادة (ملك فرنسا) و (ملك اسبانيا) و (ملك انجلترا) .... إلخ وهم بذلك إذ يسيطرون
على الأرض فيضمنون تماما السيطرة على سكانها .
ينبغى أن تكون أساسا لكل نظام اجتماعى : إن
الميثاق الأصلى لأبعد ما يكون عن القضاء على المساواة الطبيعية , بل على النقيض من
ذلك , إنه يحل مساواة قانونية ومعنوية محلها ؛ مقابل ما قد تكون الطبيعة قد خلقته
من عدم مساواة جثمانية بين الناس , وبذلك يصيرون جميعا متساوين قانونا واتفاقا , و
إن كان بينهم تفاوت فى القوة والذكاء .
ليست هذه المساواة سوى مظهر وهمى فى ظل
الحكم السيئ ؛ فهى لا تفيد إلا فى إبقاء الفقير على فقره والغنى على ما اغتصب .
والواقع أن القوانين تفيد دائما من يملكون مالا وتضر المعدمين .
السيادة غير قابلة
للتنازل :
الإرادة العامة وحدها هى التى تستطيع
توجيه قوى الدولة نحو تحقيق الهدف من إنشائها , وهو الخير المشترك .
لم تكن السيادة سوى ممارسة الإرادة العامة
, فأنها مما لا يمكن التنازل عنه . فالسلطة مما يمكن نقله , ولكن الإرادة لا يمكن
نقلها .
الإرادة الخاصة تجنح بطبيعتها الى المحاباة
, بينما تجنح الإرادة العامة الى المساواة .
السيادة لا تتجزأ :
الإرادة إما أن تكون عامة و إما ألا تكون
كذلك : فهى إما إرادة الشعب فى مجموعه , وإما إرادة جزء منه فقط . وفى الحالة الأولى
تكون هذه الإرادة المعلنة عمل من أعمال السيادة ولها أن تسن القوانين , وفى الحالة
الثانية ليست سوى إرادة خاصة , أو عمل من أعمال الإرادة , ولا تكون إلا مرسوما على
أكثر تقدير .
رجال السياسة عندنا جزءوا السيادة تبعا
لأهدافها لما لم يستطيعوا تجزئتها فى مبدئها : فيقسمونها إلى قوة و إرادة : الى
سلطة تشريعية و أخرى تنفيذية .
0 التعليقات:
إرسال تعليق