02‏/02‏/2015

إمبراطورية الثروة ج2-22

إمبراطورية الثروة ج2-22

        لقد شعر كينز بأن الحكومة – إن تعمدت إحداث عجز فى أوقات تراجع الطلب (او خفض الضرائب) وزادت عرض النقد – يمكنها الحيلولة دون وقوع الكساد .

وبالمثل فإن انتهاج مسار معاكس – أى تحقيق فوائض تتزامن مع رفع أسعار الفائدة – يتيح للحكومات التحكم فى فترات الطفرات الأقتصادية . وتقبل علماء الاقتصاد أفكار كينز من دون تردد .

 كانت هذه الأفكار – من ناحية – تنم عن نظرة ثاقبة مدهشة , وتبدو كأداة فعالة فى كبح تلك الكوارث الاقتصادية التى عايشها اولئك جميعا .

       وبالطبع , أكسبت الكينزية علماء الاقتصاد مكانة مرموقة لم يرتقوا اليها من قبل .

 إذ لم يكن السياسيون قبل كينز فى حاجه إلى اقتصاديين يساعدونهم على إدارة شؤون السياسة , بأكثر مما كانوا فى حاجة الى علماء الفلك . وبعد كينز صار لعلماء الاقتصاد منزلتهم الرفيعة , ومن هنا جاء انشاء مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس , على الرغم من أن دقة وتجانس المشورة لم يكونا مؤكدين تماما . وقد روى عن ترومان – وهو أول رئيس يلجأ الى هذه الاستشارات الاقتصادية – أنه طلب , على سبيل الدعابة , أن يعمل لديه اقتصادى بذراع واحدة , لأن كل الاقتصاديين العاملين لديه دأبوا دائما على القول : ( هذا من ناحية أولى ... أما من الناحية الثانية ... ) .

       المال هو بالطبع حليب الأم الذى تتغذى عليه السياسة .

       ووفق نظرية كينز فإن زيادة التضخم لا يمكن أن تتزامن مع ارتفاع نسبة البطالة , وهكذا اشتقت كلمة جديدة فى عام 1970 لتوصف هذه الحالة التى لا سابق لها : الكساد التضخمى .

       صار سعر الدولار يتجاوز قيمته الفعلية مقابل العملات الأخرى بسبب التضخم غير المسبوق فى تاريخ الاقتصاد الأمريكى زمن السلم , وسياسة تخفيض سعر الفائدة (سياسة النقد الميسر) التى انتهجها الاحتياطى الفدرالى . وهذا ما جعل السلع الأمريكية تبدو أعلى سعرا من تلك المقومة بعملات أخرى . كما باتت السلع الأجنبية أقل ثمنا بالنسبة إلى الأمريكيين .

 وقد انكمش الميزان التجارى – وهذا أمر لا مفر منه – بعد تعافى الاقتصادات الأجنبية , ولطالما كان الميزان التجارى الأمريكى رابحا جدا فى السنوات التى أعقبت الحرب العالمية الثانية . وفى عام 1959 عانى الميزان التجارى عجزا طفيفا . لكنه بدأ بالتدهور سريعا فى أواخر الستينيات , وفى عام 1971 وقع مرة أخرى فى العجز وظل فى طور تراجع من ذلك الحين .

         ولان الدولار كان عملة التجارة العالمية , وكان بموجب اتفاقية بريتون وودز قابلا للتحويل الى ذهب بسعر ثابت قدره 35 دولار للأوقية , فقد تراكم الدولار فى خزائن المصارف المركزية للدول الأجنبية ومؤسساتها المالية . وكان الدولار يخرج من الولايات المتحدة , بدت أرصدة (اليورو دولار ) متذبذبة , وبدأ الذهب بالتدفق الى الخارج بكميات كبيرة لأول مرة منذ مطلع الثلاثينيات . وبدأت أعمال المضاربة على الدولار فى سوق العملات الدولية التى باتت قوة متنامية فى الاقتصاد العالمى .

         وفى 15 أغسطس 1971 حسم الرئيس نيكسون المسألة – وما جانب الحكمة فى ذلك – لحل المشكلات الاقتصادية المتعاظمة التى واجهتها البلاد . إذ عمل أولا على إبطال إتفاقية بريتون وودز , وقطع الارتباط بين الدولار والذهب . ومنذ ذلك الحين ستتحدد قيمة الدولار بالعرض والطلب , وانقضى بذلك عهد معيار الذهب – بعد 150 عاما – من دون رجعة . وجمد ثانيا الأجور وبدلات الإيجار و الأسعار جميعا لمدة تسعين يوما تتبعها ضوابطها صارمة على الأجور و الأسعار .


       إن لضوابط الأجور و الأسعار ( أو أنظمة الرقابة عليها ) تاريخا طويلا , لكنه غير محمود معظمه . ففى ظل سوق حرة , تعكس الأسعار – ملايين الأسعار – الاحتياجات التى يجب أن توجه اليها الموارد الاقتصادية ومكامن الفرص الاقتصادية , أى ما ندر من الموارد وما كان وفيرا , مما يسمح للأفراد تعديل سلوكهم الاقتصادى وفقا لذلك .

 وعندما تثبت الأسعار – مع ذلك – تنشأ على الفور – وبصورة حتمية – حالات عجز وفائض . وهذا يفسر النقص الدائم فى الوحدات السكنية حيثما وجدت الضوابط على بدل الإيجار . كما أن ضوابط السعر تحرم السوق الحرة (أى الأفراد) من مصدر قوتها وتجعلها رهنا بيد السياسيين . 

والسياسيون – بالطبع – منساقون أبدا وراء إغراء توظيف هذه القوة لما فيه مصلحة الفئات المقربة , أما غير المقربين فيواصلون السعى وراء مصلحتهم الذاتية عبر ألية السوق السوداء .

        كما كان شأن جميع المحاولات المتعاقبة لاتخاذ القانون ضابطا للأسعار بدلا من أن يترك تحديدها لملايين الأفراد فى معرض سعيهم الى تحقيق مصالحهم الذاتية , فقد باءت تلك المحاولة بفشل ذريع , على الرغم من التطبيق المتهاون لعقوبة الإعدام وسيلة لإنقاذ ذلك الأمر .

فقد أخفيت البضائع وكان تبادلها يتم على أساس المقايضة أو خارج نطاق القانون من قبل جماعات لديها مصلحة ذاتية مشتركة فى إخفاء الأمر عن السلطات .


0 التعليقات: